قضايا

في الرد على نقودات صاحب كتاب "صانع المعجزات" (1)

ali almirhigكنت قد كتبت في العدد: 4072 من صحيفة المثقف بتاريخ: 2017-10-29 قراءةً نقديةً عن كتاب صديقي العزيز عادل عبد الله فيها قليل من النقد، وكانت قراءتي كما أعتقد محايدة، وقد رأى أنها مُبيتة، وربما تكون قراءتي ليست بريئة بعبارة ألتوسير، وكما يقول عبد الفتاح كليطو أن كل قراءة لنص هي قراءة "بروكستية" نسبة لقاطع الطرق الروماني الشهير "بروكست" الذي عُرِفَ بسريره "سرير بروكست".

وقد طرح مجموعة من أسئلة عليّ إعتقد ألّا جواب لدي عندي عنها وأن قراءتي إنتقائية، ورغم نقية سريرتي وحرصي على التعريف بجهده، ولكن لم يستكن ويُحسن الظن، فلأستمر في الإجابة على أسألته، لأُزيد من حنقه المضمر لأكشف عن عورات قراءته للفصول التي لم أشأ أن أكشف عن عوراتها وهناتها. وإن أشرت بملخص بسيط لمحتواها في مقالي السابق، الذي أشار أنني كتبته من دون "روية أو رؤية"، ولأبين له ولكم رؤيتي، فقد عنون الفصل الأول بعنوان: الدين والعلم والإيمان المقابل، (ص15) ليُشير به لتعريف هيوم للمعجزة بأنها "حدث ينتهك قوانين الطبيعة" أو هي "خرق لقانون من قوانين الطبيعة بإرادة إلهية خاصة أو بتوسط فاعل مرئي" (ص17) لينتهي للقول: (أن الإفتراض المُسبّق لوجود الله من عدمه، هو السبب والمقدمة والفلسفة، التي يجري العمل إنطلاقاً منها للتوجه إلى إثبات صحة الإتجاهين الفلسفي والعلمي للمعجزة في مقابل صحة الإتجاه الديني لها)، (ص20).

وهي نتيجة توصل لها مؤلف الكتاب، وكنا قد ثبتنا رؤياه هذه في مقالنا السابق.

فنجد مؤلف الكتاب يُدافع عن تبنيه عن الإعجاز في نظام الطبيعة بوصفها المُعبر عن مصداق الظاهرة الدينية "من حيث إنتظامها مع نفسها وثبات الإعتقاد بها من قِبل المؤمنين، فهي أعظم وأثبت ظاهرة نفسية ومعرفية في تاريخ البشرية" (ص29)، ولا أجد وضوحاً في قوله بأنها "أوضح ظاهرة معرفية" ولو قال أنها ظاهر اجتماعية لإنسجم القول، لأن ما هو معرفي يتداخل مع ما هو أبستمولوجي وعلمي، وجميعنا يعرف صراع العلم مع الدين وإختلاف المنطلقات.

وكنت قد دافتت عن إطروحة المؤلف في تقبل وجود المعجزة في ضوء التفسير الكانتي بين "ميتافيزيقا الأخلاق" ببعدها القبّلي المطلق، و"إنثربولوجيا الأخلاق" ببعدها الإنساني، بوصفها أخلاق "الواجب" الذي تُحتمه مقتضيات الوجود الواقعي و "الواجب الأخلاقي" الذي تفرضه طبيعة النزوع الإنساني في الدفاع والهجوم والرد، ممن فهمه فلاسفة البراجماتية الأمريكية، على أنه سماحة وترحيب وقبول بالمعتقد الديني، إن في تبنينا له طمأنينة وراحة بحسب وليم جيمس، بما لا يجعل منه إعاقة وتقويض لمعتقدات المخالفين لنا في الرؤية والمعتقد الديني.

ولكن صاحب كتاب "صانع العجزات" رغم أنه دار ويدور في فلك تفسيرنا وتبريرنا لرؤياه في ضوء الرؤيا الكانتية ومتبنياتها البراجماتية، أصر على أن يستمر في اوصف والتفسير وقبول وتقبل "المعجزة" على أنه في حقيقته وعمقه "حدث ينتهك قوانين الطبيعة" (ص37)، ونحن لا نُعارض غنوصيته هذه ولا نلغي وجودها الاجتماعي، لكثرة مبرراته التاريخية والاجتماعية، رغم نقده للتعريف العلمي لها لأنه تعريف "يستمد مضمونه من إستحالة مضمونها" (ص38).

ولأن للمؤلف خرافته في الدفاع عن المعجزات، كونه حائر بين العلم والدين، نجده حائراً في تفسير و تعريف معنى "المعجزة" في القواميس والمعجم الفلسفية والدينية، فمرة هي "حدث مُدهش" (ص45) بحسب لالاند، فيه خرق لقوانين الطبيعة.

وأخرى أن المععجزة هي "الظاهرة الطبيعية، لا يُمكن فصلها عن الظاهرة الدينية التي تنقلها...لا يُمكن فهمها إلّا بالإيمان" (ص47) والمعجزة هي "حدث ما غير قابل للتفسير عن طريق علل الطبيعة وحدها" بحسب تعريف "ستانفورد".

ويُعرفها بونديل بأنها "علامة أو آية موجهة للناس جميعاً، إنها علامة لأمر روحي ومَلمح أخلاقي وديني... (إنها علامة) تؤكد تدخل الله الخاص وخيريته وأصالته كهدية وهبة إلهية" (ص52). ليمر على تعريف أوغسطين بوصفها "شيء يبدو شاقاً وغي مألوف، يتخطى تفسير وقابلية الإنسان الذي يتعجب منه" (ص55) ليمر على تعريف توما الأكويني للمعجزة بوصفها " أنها ما يُمكن أن يكون حسب، شيئاً ما تختفي أسبابه بشكل تام عن الناس جميعاً وليس بالنسبة لبعض من الناس فقط" (ص57)، ومن دون الخوض في تعريفات الأكويني للمعجزة، فإنه يراها "تحدث بمعزل عن الطبيعة"(ص58). وقد قسم العجزات لثلاث: منها ما ما هو فوق الطبيعة، ومنها ما يتم إنجازه على نحو مخالف للطبيعة، وثالثة يُنجزها الله من دون الطبيعة، مثالها تحويل السيد المسيح الماء إلى خمر.

لنجد المؤلف مُنسجماً مع الأكويني في تأكيده أن الطبيعة كلها تخضع للإرادة الإلهية، وأن أفضل حقيقة لله أنه "يعمل أحياناً خارج نظامها الطبيعي" ص59).

ليمر على مقف روبرت بويل في تمييزه بين المألوف واللامألوف بوصفه ممثلاً للمعجز، لأنه "هو الذي يصنع الفرق" (ص61). بين ما هو معجز وماهو غير معجز. فكان نيوتن عنده مفسراً لنظام الكون بصفه نظام مكتمل "فائق الجمال" ينم ويشهد على وجود "خطة عمل وسيادة لكائن قوي ذكي". (ص63).

ختم صاحب كتاب "صانع المعجزات" تفسيراته وتحلايلاته لآراء الفلاسفة من دون تبني رأي أو ترجيح لآخر بإستشاد للايببنتز بذكر قوله:"أنا أعتقد، أنه عندمايصنع الله المعجزة، فإنه لم يفعلها من أجل سد نقص في الطبيعة، إنما يفعل ذلك من أجل النعمة"(ص68). لينتهي بنا للقول مُتفقاً مع لا يبنتز:"إن المععجزات مُتعذرة التفسير على نحو دائم من قِبل قوانين العلم أوالطبيعة"(ص68).

وقد وصلت معه "صانع المعجزات" للنتيجة ذاتها التي إعترض عليها، حينما ذكرتها بوصفها مُراده ومُبتغاه، بأن الحل البراجماتي لها لها هو مقصده وإن لم يُشّر إليه ويُحدده، فلم يَستطع ولن يكون لرؤياه لحل مشكل وجود "المعجزة" سوى قبولها وفق الرؤيا البراجماتية للدين.

ولي تفصيل وتحليل ونقد وتحليل لرؤاه التفسيرية لمشكل "المعجزة" لأُسعفه في حل عقدته لمشكلة العلاقة بين "الحكمة والدين".

أقول قولي هذا وغايتي إستكمال الرد على نقودات صديقي صاحب كتاب "صانع المعجزات" التي وجههت ليّ وكأنه يشي لقراءه أن في قراءتي لكتابه إنتقاءات، ولي في تفصيل قوله نقض لأقواله وإثباتات في أنه يكتب بما هو مُثير بقصد لفت النظر، ولا دليل و برهان لرؤياه سوى عرض لخطابات فلاسفة وعلماء ولاهوتيون ناقشوا مشكلة "المعجزات"، فكان شارحاً جيداً، يعوزه الرأي السديد، كي لا يكون شارحاً فقط لرؤى غيره لما يطرحون من فهم لمشكل "المعجزات".

 

 

في المثقف اليوم