قضايا

الإجترار وعدم إنتاج الأفكار!!

sadiq alsamaraiالإجترار عاهة حضارية تتسبب بإنكسارات هزائمية، وتساهم في الركود والتأسن الشامل لحالة الأمة، التي إرتضت سلوك الإجترار وأنكرت آليات التفاعل مع حاضرها ومستقبلها.

وهذا يفسر لماذا أن الأمة لا تنتج أفكارا معاصرة، وتلوك أفكار المراوحة والركود والإستكانة والعجز والخمود.

فالكتابات السائدة في الصحف والمواقع والكتب ووسائل الإعلام، ماضوية متوحلة في أطيان الذي مضى وما إنقضى أبدا، وهي تفخر بما تمعن فيه من الموضوعات التي أكلت عليها الدهور وشربت، وكأن الحياة إنتهت في مرحلة معينة من مراحل العرب، وأنهم ماتوا وما عادوا يعترفون بأن ما فات مات، وما هو آتٍ آت، وإنما ما فات عاش وهو الذي يأتي ولا غيره من آت!!

إن الذي يطّلع على ما يدور في الواقع الثقافي العربي، يتملكه شعور بأن ما يقرأه من إنتاج العقول الخرفة التي ما عادت تمتلك القدرة على وعي ما يدور حولها، لكنها تستطيع أن تحدثك عن تفاصيل ما مضى منذ عدة عقود وقرون، أما أن تحدثك عن يومها فهذا مستحيل، لفقدانها قدرات التذكر القريب والآني.

وهذه علة كبرى متفاقمة ذات تأثيرات شديدة على الحاضر والمستقبل، لأنها تقتلهما بإغفالهما وتجاهلهما، بل أنها تحسب الزمن ببعد واحد لا غير، فتلغي بعديه الأساسيين المساهمين بالقوة والقدرة على التفاعل مع الوجود المعاصر والآتي.

أي أن الأجيال تُجَرّد من أسلحتها الحضارية وتُعتقل في حُفر وخنادق دامسة ذات عفونة ورطوبة تصيبها بالأمراض السارية والمعدية، فتنتشر بينها الأوبئة الخطيرة الساعية للمحق والإهلاك الفتاك، فتصاب بعاهات نفسية وسلوكية وتفاعلية مقرونة بتداعيات قاسية ومعوّقة لخطوات التحرك إلى أمام.

ومن هنا فأن الأمة في محنة تخندقية ذات آليات إنطمارية وصيرورات إنحسارية وإهلاكية، تؤدي إلى إستنقاعات تعفنية تفرز تأثيرات سمية طاعونية التوجهات، لأنها تحصد الوجود الحي في ربوع الأمة وتحيله إلى عصف مأكول.

فأكثر ما يتحقق إجتراره في واقع الأمة هو الدين وما يرتبط به من أحداث وتطورات ومواقف وصيرورات سياسية وتسلطية إرتبطت بالحكم وأحقيته، وهي تريد أن تغير ما لا يمكن تغييره لعدم الإمساك به، فالأموات لا يمكن تغييرهم، وما مضى لا يعود، وما تملكه الأمة هو حاضرها ومستقبلها، فهي التي عليها أن تستوعب آنها ولحظتها وتستولدها أصيلا نافعا متجددا.

وعندما يتم تحويل الحالة المائية للمعتقد أو الدين، إلى حالة نفطية سوداء، فأن الوجود سيحترق ويتحول إلى دخان وركام، فالماء رائق بلا لون ولا رائحة، والنفط أسود كريه الرائحة كثيف القوام يقتل الأحياء ويحرق ما فوق التراب ويصيبه بالشلل.

وإن لم تتحرر الأمة من هذه الوقيعة وما يتصل بها من مكبلات ومدمرات، فأنها ستمضي في خطوات إنقراضها، لأنها تأبى أن تدرك الطبيعة المائية لدينها، وتصر وبتصميم على أن طبيعته نفطية أو بترولية كثيفة سوداء و تريد من البشر أن يشربونه وحسب؟!!

فالماء منبع الحياة !!

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم