قضايا

التفاعل العقلي!!

sadiq alsamaraiالعقول مدارات تسبح فيها الأفكار وتدور بتعجيل متنوع يساهم في إيقاد طاقاتها التفاعلية، وتأجيج إرادتها التصاعدية المتسارعة، لكي تتحرر مما تكتنزه من قدرات الفعل والتأثير.

فلكل فكرة بداية وذروة وختام، لكنها أثناء ذلك تتلاقح وتتوالد وتنجب أجيالا من الأفكار القادرة على التواصل مع زمانها ومكانها، ولهذا فأن أية فكرة لا يمكنها أن تؤول إلى العدم، أي أن الفكرة لا تموت وإنما تؤدي دورها وتلد جوهرها وتحقق مسيرتها.

ذلك أن الأفكار ذات علاقة بالمخلوقات، ولكي تنتفي وتغيب لا بد أن تنتفي وتغيب المخلوقات، وهذا غير قابل للحصول وفقا لبصائر عقول الموجودات الكونية.

وإنما كل فكرة تدخل في حلقة الدوران السرمد حتى لتجد مدارا يستوعبها، أو مدارات لا تحصى ترعاها وتذعن لإرادتها وفحواها، وقد يكون ذلك على نوبات ذات فواصل زمنية متباينة.

لأن الظرف المكاني والزماني يؤهل الأفكار للقيام بأدوارها التي ربما تتناقض مع ما قامت به من أدوار سابقة، وهذا يعتمد على مستوى المدارات التي آوتها وتمكنت من تسخيرها للتعبير عن رسالتها المتحققة بفعل هذا الدوران.

وهذا يفسر كيف أن الفكرة ذات طبائع سلوكية متعددة، وفقا لطبيعة الأجيال التي تحملها وتمضي مستعبدة بها.

ويتضح ذلك في العقائد كافة، حيث يكون التعبير عن ذات العقيدة بأساليب وتفاعلات متناقضة ومتضادة، ففي مراحل المسيرة البشرية يكون ترجمة العقيدة كفكرة ومنهج سلوكي متقاطعا مع مراحله، والأمثلة متنوعة وعديدة في مسيرة جميع العقائد والأفكار.

فالفكرة لا تموت لكنها تنطلق بأشكال وصياغات وتفاعلات مطلقة متواصلة في نهر الخلق الدفاق.

والأفكار ذات طاقات تفاعلية تسعى للتزاوج والتلاقح، فطاقات الأفكار المترافقة معها، تتباين ما بين العقول التي تدور في أفلاكها، وكلما تنامى تفاعلها، كلما إختزنت طاقات تأثيرية وسلوكية أعظم، فبدون التفاعل العقلي الفكري، تبقى الفكرة مصفدة في أسر الذات المعزولة عن ميادين العطاء والنماء.

وتأثير الفكرة يعتمد على قوة نبعها وقدرة مصدرها، وتأثيره في حث العقول على إستنهاض مداراتها الكفيلة بتوفير سرعة دوران متزايدة لسيادة الفكرة على أرجاء الكيان.

وهذا يفسر كيف أن الفكرة مهما كان نوعها قد يتوفر لها العقل القادر على بثها وحثها في مدارات العقول من حوله وإستعبادها بها،  وتحويلها إلى توابع مدارية تدور وفقا لسرعة دوران الفكرة في مدارات وعيه وهيمنتها على سلوكه ومداركه.

ولكي تنطفئ جذوة أية فكرة فعّالة لابد من تعويق قدرات حثها وتوليدها، والتقليل من سرعة دورانها في مدارات العقول، والإتيان بفكرة تفندها وتدور بتعجيل أسرع منها، لكي تصاب بالإنكماش والتجمد والتعفن في مواضعها، ولو لحين.

والأفكار كالمولودات الحية تحتاج للماء والهواء والغذاء والرعاية والمداراة، ولا يمكن للفكرة ان تعيش من دون الظروف الحياتية المؤاتية، وأسباب الحضانة الكفيلة لحياتها وبلوغها سن النضخ والتفاعل والعطاء.

والأفكار المنتشرة في مجتمعاتنا، هي التي وجدت الحاضنات المدارية وأسباب العيش والحياة والتلاقح والتنامي والإزدهار، ولا يمكن الشفاء من أضرار بعضها، إلا بإستهداف الظروف التي أوجدت حواضنها النفسية والفكرية والسلوكية، وضخ المدارات العقلية بأفكار ذات تطلعات إيجابية صالحة راجحة.

فالعقول أوعية أفكارٍ منجذبة إليها، تسخرها لغاياتها وتطلعاتها، فتملي عليها سلوكيات ما فيها!!

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم