قضايا

الرأسمالية وعوامل نجاحها

ali almirhigمن الواضح والبين اليوم هو نجاح الرأسمالية كفكر أصوله المعرفية نابعة من تجاوزه الإنهمام بمشكلات ميتافيزيقية بعيدة عن هموم الناس، وتجاوزه لعقدة البحث عن الأصل الميتافيزيقي للوجود، للإنشغال بالإنسان بوصفه الكائن الأرقى بعبارة نتشه الذي يستحق ويحق له أن يصنع قيمه الخاصة الخارجة عن قيم اللاهوت التي تُعطل قدرات العقل الإنساني لتجعل منه أسيراً لقضاء الله وقدره، كي يكون عبداً خانعاً مُستسلماً ومُسلماً مصيره لقوى الغيب، فكان لنتشه برأينا فضل إنعاش "إرادة القوة" الكامنة في الإنسان كي يعي قدراته في الإبداع بعيداً عن هيمنة الثيولوجيا وهدماً لرسوخها في الوجدان الإنساني الخانع، ليُذكر الإنسان بإمكاناته ومؤهلاته التي تُصيرّه صانعاً لقيم البطولة والشجاعة التي يقتضيها وجود الإنسان في الطبيعة ووعيه لمتغيراتها وتحدياتها ليكون قادراً على قلب قيم الخنوع والخضوع التي روجت لها الأديان، لتجعل مهمة الإنسان وقيمته مقصورة في مقدار قبوله لأن يكون عبداً طائعاً، وتجلي إنسانيته هو في مقدار إثباته لممثلي السماء طاعته وتنفيذه للطقوس والعبادات. وذلك ما رفضه نتشه في مفهومه ل "إنقلاب القيم"، وهو إنقلاب من أجل الإنسان وللإنسان نفسه لإعادة الثقة له بقدراته المضمرة في طبيعة وجوده.

هذه الرؤية جعلت من الإنسان الغربي يثق بعقله وبوعيه كي يكون ذاتاً مُتفردة، ترفض كل أنواع الوصاية، دينية كانت أم سياسية، فقد وثق بقدرته على العمل بحرية ومن دون وصاية على عقله، فهو إنسان حر، والإنسان الحر، هو ذلك "الإنسان الفائق" أو الأرقى "السوبر مان" الذي يسعى لبناء مستقبله عبر المساهمة في خلق فرص جديدة للعمل والربح، بما يضمن له تعزيز وجوده الإنساني الفاعل القائم على القبول بمبدأ التنافس، الذي يُحقق له الربح ولمشاركيه من العمال وضمان حقوقهم المادية، في الإستفادة من الأرباح، ولكن الأرجحية تبقى له في الكسب وتمايزه عنهم في الربح، لقاء تمايزه عنهم في فهم متطلبات السوق وحاجته، مكافأة له على قدرته في الألق والإبتكار والإختراع.

هذه الرؤى هي التي مكنت البراجماتية الأمريكية وفلاسفتها من إدراك قيمة "الحرية الفردية" كي تكون رؤية ومنهج في بناء فلسفة أمريكية جامعة لكل بناة ووافدي أرض "كرستوفر كولمبس" ليجتمعوا تحت خيمتها، فصارت الرأسمالية هي النظام الاقتصادي الحر الذي يكفل التوازن الدائم بين الإنتاج والإستهلاك، وصارت البراجماتية هي النظام المعرفي الحر الذي يحفظ التوازن الدائم بين الأمريكان بأجناسهم المختلطة والهجينة، ليكون هذا الهجين بفضل البراجماتية بما تكتنزه من رؤى فلاسفتها ومن نزوع ليبرالي، هوية أمريكية بإمتياز، فصار الهو الأمريكي صانع الهوية بمفهومها المفارق والناقد لكل نظريات النقاء العرقي والمُتَخّيل القومي والعنصري.

فمن أسباب نجاحات الرأسمالية هي النظام الظريبي الذي تعود فوائد جبايته خدمات حقيقية للمجتمع، ومن أسباب نجاحه، هي فتح فرص جديدة للعمل في ضوء توسع الإستثمار في الدول المستقرة سياسياً واقتصادياً.

ومن شروط نجاح الرأسمالية، هي ضمان "الحرية الفردية" وضمان "حرية رأس المال" وحرية تنقله، على قاعدة:"دعه يعمل، دعه يمر"، تلك القاعدة التي تقتضي ضمان المنافسه الحرّة التي تفترض وجودها قدرة المنافس على قبول التحدي والصراع من أجل البقاء للأجود الأصلح للبقاء في سوق الصراع وفق مُدركاته لمتطلبات السوق في ضوء مقتضيات العرض والطلب.

 

علي المرهج

 

 

في المثقف اليوم