قضايا

الماضوية والمستقبلية!!

sadiq alsamaraiمن العلامات الفارقة التي تميز التأخر عن التقدم هي آليات التفكير التي تتحكم بالرؤى والتصورات السائدة في المجتمع، ففي العالم المتأخر تهيمن آليات التفكير الماضوية العقيمة، وفي العالم المتقدم تتفاعل آليات التفكير المستقبلية الواعدة المتجددة المنطلقة نحو آفاق متواكبة.

وهذا الفارق جوهري وأساسي ويحدد مسارات الحركة ويتحكم بمصير الأجيال، ويرسم خارطة سلوكها وما يتحقق في مواطنها.

فالعالم المتأخر محكوم بما مضى، ويستهلك قدراته وطاقاته في نبش الأجداث وإستحضار إرادة الغابرات، ومحاولة إدارة عجلة الزمن إلى الوراء، وإلغاء معطياتها والثبات على بقعة ما في زمن ماعاد موجودا أو متوافقا مع المتجسد في الدنيا الحية الصاخبة المزدحمة بالمعطيات.

وهذه الآلية تتحكم بمعظم النشاطات والتواصلات القائمة في المجتمع المتأخر، وتدفع به إلى المهاوي الطاحنات القاضيات بالحطام والركام، فالفكر ماضوي، والأقلام تكتب بمداد السوالف والغابرات، وأنظمة الحكم كأنها تتكلم بلسان المومياءات القابعة في المغارات العتيقة.

وعندما يطغى السلوك الماضوي على الحياة فأنها تتعوق وتتعطل وتفقد إحساسها بالزمن، وتتحجر في مواضع متعفنة وذات إنتاجيات ضارة ومدمرة لمفردات الوجود البشري القائم.

وقد أكد القرن الحادي والعشرون منذ بدايته وحتى الآن، بأن هذه الآلية الماضوية لا تصلح لحياة حرة كريمة، لأنها ضد القوانين الطبيعية والكونية وضد الإنسان كمخلوق متفاعل مع مكانه وزمانه، وهي تقطعه عما يحيطه ويعيشه وتأخذه إلى حيث الإنطمار في كهوف الظلمات والبهتان.

ولذلك فأن ما فيه ينعكس على محيطه ويرسم خارطة أيامه المقطوع عنها والمعادي لها، فتتخلق بانروما الحياة المشحونة بالتداعيات والتفاعلات السقيمة المهلكة للموجودات بأنواعها، والتي تلغي المستقبل وتقتلع مفرداته والمؤديات إليه، فالحياة في عرف هذه المخلوقات الديناصورية بلا مستقبل ولا حاضر، وعليها أن ترقد في المقابر التي تلد الشرور والبغضاء، وترفد النفوس بالكراهية والشحناء.

وهذا يفسر غياب المستقبل في هذه المجتمعات، وإنعدام القدرة على التفاعل مع التطورات المعاصرة، والمشاركة الحية بصناعة الحالات التي تمنح الحياة طاقات الإبداع المتجدد الفعال القادر على الصعود إلى مستويات الرقاء الأصيل.

والعجيب في آليات الماضوية أنها تحول المجتمع إلى صيرورة إستهلاكية، بلا قدرات إنتاجية أو عطائية لإرضاء حاجاتها، فتتبع وتقبع وتنأى بحالها عن الحاضر وتتغني بالماضيات وتريد القفز إلى حيث تتوهم.

وهكذا فهي مصفّدة بما يبيدها وينهيها!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم