قضايا

الخرافة والسلوك!!

sadiq alsamaraiأصل كلمة خُرافة أنها إسم رجل من عُذرة إستهوته الجِن فكان يُحدّث بما رأى فكذبوه وقالوا: حديث خُرافة!!

الخُرافة جمعها خُرافات وتعني الحديث الباطل مطلقا.

والخُرافة الحديث المستملح من الكذب.

صوتُ ما فينا أتاهُ فِعلنا         فبها الأفعالُ يُفشى فِكرنا

المجتمعات الحية المتقدمة التي صنعت الحياة وأدركت قيمة العقل ودوره في تحقيق الصيرورات الإنسانية الكبرى، هي التي عبّرت عن قدراتها بالإقتراب العقلي والمنطقي من حياتها، فوضعت خرافاتها وتصوراتها تحت أضواء العقل والسؤال، الذي يبحث عن جواب واضح ودقيق، بعيدا عن التضليل والتشويه.

والمجتمعات المتأخرة تأخّرت لأنها مأسورة بموروث الخرافة، وما بُنيَ عليها من رؤى وتهيؤات ترمي لإستعباد الناس، وعقر عقولهم، ومصادرة حريتهم وحقوقهم الطبيعية، لتحقيق مصالح فئة معينة من الآخرين، الذين يستثمرون في مستنقعات الغفلة والجهل والتضليل.

ولا بد للمجتمعات المتأخرة  أن تتعلم مهارات التقدم، وتستحضر أسباب القوة والأمل، وتخرج من معاقل البهتان، وذلك بوضعها لِما في حياتها تحت مجهر التساؤل الرشيد والتوضيح العلمي الدقيق، الذي يبني صورة الحاضر ويؤكد مسارات المستقبل المنطلق من العالم المتنور، وليس المزيّن بالظلام والعَمَه ِفي قيعان الآبار.

فكرةٌ جارت وأخرى تشتكي                  وعليلُ الرأي داءٌ عندنا

فالمجتمعات المتقدمة لم تتعلم لو أنها رضخت لخرافات الماضي وعقليات التراخي، وعدم القدرة على البحث بالأسباب، والإتيان بالبرهان والمواد اللازمة لبناء عمارة الحياة، وتحقيق دور الإنسان وتأكيد وجوده في مسيرة صيرورتها، وفعلها المتطلع إلى ما هو صحيح وفعّال لإنطلاق الخطوات الحضارية، وشدّ الأجيال إلى مسيرة الإبداع والتجديد.

وبهذا التوجه الحضاري المتقدم، إستطاعت المجتمعات المتنورة أن تؤكد قوتها وتطلق طاقاتها وتعبّر عن نفسها وتترجم أفكارها، وتمضي في مسيرة البناء والإرتقاء المتنامي.

وعليه فأن من واجبنا أن نضع ما نراه  تحت أضواء العقل، ونتساءل عن مدى صحته وصلاحيته للحياة والتقدم والقوة والبناء .

وبما أن العالم المعاصر يوفر لنا أدوات القياس والفهم والتقدير، فيمكننا النظر لكل خرافة وسلوك وتقليد وعادة في حياتنا، ونقايسها ونناظرها، ونبحث عن عقلانيتها وحكمتها وفائدتها الإجتماعية والإنسانية، ونقرر مدى صحتها وجدارتها للبقاء والتواصل، أو للغياب والإنقراض.

يا خرافاتَ الزمانِ المُنتهي             قد كفانا ما جَناهُ جَهلنا                             

فالتقدم لا يكون إذا لم يتحرر الإنسان من أسر الخرافات، التي تقيّد تفكيره وتمنع صيرورته، وتدفع به إلى حيث لا يكون.

وفي مجتمعاتنا العديد من التصورات الخرافية والتصورات اللامعقولة والمؤذية، والتي علينا أن نقيسها ونزنها ونحللها ونستقصي جذورها ودوافعها، ونرى قيمتها وأهميتها، أو ضررها وسذاجتها ونهايتها .

ولنتساءل عن جوهر الأشياء، ولا نأخذها على علاتها، وإنما نسعى لتعزيزها  عندما تتوفر  الأسباب الكفيلة ببقائها، وإن إنتفت فعليها أن تختفي.

بمعنى أن تكون مدعومة بمسوغات منطقية وحقائق ضرورية لتحقيق القيمة والدور، وإلا  فما علينا إلا أن نتحرر منها ونتفاعل مع الحياة بدونها بفعل ونظر جديد، يؤسس لمعاني مسيرتنا الصاعدة فيها.

فهل يا ترى سنرتقي إلى عقولنا أم نبقى غاطسين في مستنقعات خرافاتنا، وأحواض البهتان المَروية بالضلال والخسران؟

فالإنقياد لما هو شائع دون العقل والتحليل والنظر، مأساة إجتماعية  ذات تداعيات خطيرة على أي مجتمع بشري .

لأننا ندرك الأشياء وفقا لما زرعه ذلك الشيوع في أعماقنا من صياغات شكلية، وإستجابات جاهزة ذات تأثيرات مناهضة لمسيرتنا وأسباب تقدمنا وبقائنا.

والشائع يبني عمارته في عقولنا ويمنعنا من التفكير والنظر الإنساني الواعي، مما يحجب عنا الإقتراب المفيد من الحياة، ويوفر أسباب الكسل والتراخي والدخول في نفق الخراب.  

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم