قضايا

الإنتحار الإبداعي!!

sadiq alsamaraiالمبدعون ينتحرون، والقصص كثيرة ومتنوعة، والأسماء معروفة، فكم من الشعراء والكتاب والفنانين والرسامين قد إنتحروا على مر العقود، وخصوصا في القرن الماضي، ولا تزال مسيرة الإنتحار الإبداعي ماضية. وهناك أسباب للإنتحار، منها:

أولا: الجزع

المبدعون جزعون في زمن لا ينظر إليهم بعين التقدير والإحترام، وإنما ينابزهم العداء، ويسعى لإقصائهم وتعكير صفو حياتهم، وتحميلهم ما لا يطيقونه من المشاعر والإنفعالات.

فالجزع في أعماق المبدع عبارة عن تراكمات خيباوية تصل إلى ذروتها الجزعية فتقضي عليه، وتلغي صبره.

ثانيا: الرتابة

الإبداع يتصف بالرتابة بمعنى أن تكرر ذات السلوك يوميا، فالكاتب مثلا يجالس الورق والقلم، أو أجهزة الكتابة بأنواعها، وهو يعيد ذلك يوميا ووفقا لطقوس خاصة به، ومعظم المبدعين عندهم رتابة وتكرارية وطقوس ثابتة ومتأصلة فيهم، وعليهم أن يحققوا اللذة فيما يقومون به من نشاطات يومية رتيبة.

ثالثا: الغرائبية

المبدعون يتميزون بشيئ من الغرائبية في ما يقومون به ويتفاعلون معه، وبسبب دماغهم المبدع الذي يرى ما حوله على غير ما يراه الآخرون، فأن إنعكاساته وردود أفعاله تضعه في مواقف وحالات قاهرة تتجاوز قدراته في المواجهة والتحدي، مما تحصره في زوايا خانقة ومدمرة لوجوده الذاتي وربما الموضوعي.

رابعا: الشعور بالوحدة

الإبداع بحاجة لمجالسة الذات والوحدة، فالذي يريد أن يبدع يقضي معظم وقته بمعزل عن الناس من حوله، ويكون منشغلا بأفكاره وما يتوارد إلى وعيه من الصور والتأملات، والأفكار التي تستحوذ على مداركه وتتسيد على رؤاه، وهذه الوحدة تفقد المبدع الإحساس بالإنتماء إلى الواقع الحياتي القائم، وربما تزيد من تغربه وإنحساره.

خامسا: المادية

المبدعون يكابدون ويعانون كثيرا من العوز المادي والقهر المعيشي، ولا يمكن لإبداعاتهم أن تؤمن لهم لقمة عيش وحياة رغيدة، إلا فيما قل وندر، فالكتابة لا تطعم من جوع، ولا تساهم بتحقيق الرفاهية للكاتب، وإنما قد تتسبب له بمشاكل مادية وتفاعلات مناهضة لصناعة حياته الأفضل، بل وقد تؤدي إلى القضاء عليه.

سادسا: التفاعلية المتعثرة

الإبداع كغيره من العطاءات البشرية لا يمكنه أن يرضي الجميع، وإنما يكون له مَن يعارضه ويعاديه، ومَن يؤيده ويتبعه، وبين هذا وذاك يعيش المبدع في محنة عصيبة تضخ في نفسه المشاعر السلبية، وتغذي الإحساس بالقلق والندم والألم، وتدفع به إلى تفاعلات متعثرة وذات نتائج سيئة على نفسه وأمنه.

سابعا: الإسناد العائلي

المبدعون لا يجدون الإسناد العائلي في حياتهم، بل هم في صراع ما بين الإبداع والإلتزامات العائلية، والإثنان بحاجة لوقت وجهد، ومن الصعب على المبدع أن يوفق ما بين إرادة الإبداع المتأججة فيه، وبين ما هو مطلوب منه كمسؤول عن العائلة، مما يدفع إلى توترات عائلية تنعكس بسلبية قاسية عليه.

ثامنا: الخمر

معظم المبدعين يحتسون الخمر، بل ويدمنون عليه، وكأنه البلسم الذي يداوي جراحهم والمنجي لهم من همومهم ومعاناتهم اليومية، وبتعزيز أواصر العلاقة ما بين الخمر والمبدع، تتحقق مشاكل وتتطور وتتعقد للحد الذي تضع المبدع في مواجهات خاسرة مع نفسه وعائلته، وما يمت بصلة إليه، حتى لتجده وقد أفرد كإفراد البعير المعبدِ.

تاسعا: عدم الإهتمام بالصحة

من الملاحظ أن المبدع يهمل صحته، وينكر معاناته البدنية وآلامه، ويتخذها وسيلة للإبداع أو يجدها من المحفزات القوية لتأمين إبداعه، فهو يميل للمقاساة لكي يصل بإنتاجه إلى ذروته التعبيرية وقوته الإبداعية المؤثرة في الآخرين، خضوضا عندما يصل به الأمر إلى إعتبار أن الإبداع هو الحياة وبدونه تنتفي الحياة وتغيب.

عاشرا: التدخين

التدخين آفة مرعبة تفترس المبدعين وتقضي عليهم، والعجيب في أمرهم أنهم يدخنون بشراهة وتواصل غريب، رغم وعيهم لمضار التدخين السيئة، لكنهم يبررون سلوكهم بمنطق آخر يقنعون به أنفسهم، وأكثرهم يموتون من التدخين، أو أنهم ينتحرون بالتدخين، وتنتهي حياتهم بمضاعفته كالسرطان أو أمراض الجهاز التنفسي المعروفة.

حادي عشر: الإدمان

الإبداع سلوك إدماني، ويمكنه أن يتسع حتى لتجد المبدع قد أدمن على الأدوية والمخدرات والكحول وغيرها من المنشطات والعقاقير، وما أن يدمن المبدع حتى ينحدر في متاهات التقريع الذاتي والإجهاز العدواني على نفسه، ويمضي في مسيرة التداعي والإنهيار، فلا يجد بدا من الإنتحار للخلاص من مآزقه الناجمة عن الإدمان الشديد.

ثاني عشر: الإصابة بالكآبة والقلق

الكآبة والقلق من الأمراض النفسية التي تصيب المبدعين، والكآبة أكثر شيوعا وأخطر أثرا لأنها تؤدي إلى حالات سلوكية قد تدفع للإنتحار، ومعظم المبدعين الذين إنتحروا كان للكآبة دور كبير وفعال في نهايتهم، خصوصا عندما يمعنون بكآبتهم وعزلتهم بعيدا عن الإستشارة النفسية والعون العاطفي من ذويهم وأقاربهم وأصدقائهم.

ثالث عشر: وعي الحقيقة وإدراك المعنى

من أقسى ما يواجهه المبدع أن يكون في صلب الحقيقة وجوهر المعنى، فتجده يرى ويعرف ما يدور بصدق ويقين لا يستطيع البوح به، لأنه لا يُسمع ولا يُدرك من قبل الذين تبرمجت أدمغتهم وتقولبت نفوسهم، وفقا لآليات الإستعباد البشري وأخذ البشر في متواليات القطيع المتناطح المتدافع، وهو في طريقة إلى الجزر الإفتراسي الفظيع.

رابع عشر: الإنهاك الفكري

الإبداع عمل فكري مُجهد يحتاج إلى قدرات وظروف كفيلة بتيسيره وتسويغه وإسناده لكي يتواصل، والمبدع يصاب بالإنهاك الفكري والتعب العقلي والكسل الدماغي، مما يتطلب منه الراحة والإستجمام لإستعادة النشاط والحيوية، والتمتع بالإبداع والشعور بجمال عطاءاته واهميتها في المشاركة بصناعة الحياة.

خامس عشر: التناقض ما بين الرؤية الذاتية والواقع المعاش

هذه محنة شرسة تنشب مخالبها في قلب المبدع فترديه على قارعة دروب الويلات، والتداعيات العاصفة بمجتمعه وقيمه ومعاييره وهويته وجوهر صيرورته، فحالما يبلغ المبدع مستوى الوعي الساطع، يكون في مأزق الصراع الطويل بينه وبين ما هو عليه في نشاطاته اليومية، وبسبب ذلك تتراكم فيها أحاسيس ومشاعر قد تعزز إنقضاض ذاته عليه.

سادس عشر: الإحساس بعدم التأثير وفقدان القيمة والهجرة

العديد من المبدعين يعبرون عن الإحساس بعدم التأثير وفقدان القيمة، مما يدفع بهم للإنحسار والخمود والندم، والتقليل من قيمة عطاءاتهم وإنجازاتهم المعرفية، خصوصا عند الذين إنقطعوا عن مجتمعاتهم وعاشوا في المنافي، ليزدادوا ألما وحسرة وهجرة من الهجرة.

وقد تسببت هذه الحالة بإنتحار عدد من المبدعين خصوصا من البلدان الشديدة النواكب.

سابع عشر: الإنفعالية العالية

المبدعون منفعلون خصوصا عندما يتعلق الأمر بالإعتداء على إبداعهم أو النيل منه، وأكثرهم لا يتحملون النقد وينفرون منه، ويفضلون المديح الذي يغذي ما فيهم من تصورات ذاتية، وتطلعات خيالية تأخذهم إلى آفاق الفنتازيا التي توهمهم بأنهم غير ما هم عليه، وتتناسب شدة إنفعالية المبدع مع درجة رؤيته لذاته وموضوعه الإبداعي.

ثامن عشر: الشعور بالمسؤولية

الكثير من المبدعين يشعرون بالمسؤولية الكبير تجاه ما يصيب مجتمعاتهم وأوطانهم، ويملأهم الإحساس بالتقصير وعدم القدرة على التفاعل الإيجابي مع المجتمع الذي هم فيه، فعند إجتياح لبنان في ثمانينيات القرن العشرين إنتحر الشاعر خليل حاوي تعبيرا عن المسؤولية والإحتجاج على ما يجري في وطنه.

تاسع عشر: الشعور بالعجز عن الإتيان بجديد

عندما يعجز المبدعون عن الإتيان بجديد تجتاحهم المشاعر الإنتحارية، لفقدان القيمة والدور وعدم الشعور بطعم الحياة وحرارتها وقوتها التفاعلية، فالمبدع الذي لا يأتي بجديد يختنق ويموت ويكون من واجبه أن يقرر مصيره، كما فعلها العديد منهم، فالكاتب الأمريكي همنغواي حالما استراح انتحر.

عشرون: الآلام النفسية والبدنية

المبدعون في مأزق الآلام النفسية والبدنية التي قد تكون شديدة، فما يحل بمجتمعاتهم يورثهم ما لا يمكن تصوره من الأوجاع النفسية والمعاناة اليومية، التي تنعكس على ابدانهم وتتسبب لهم بآلام مبرحة، قد يلجؤون بسببها إلى تناول الأدوية المروحة للآلم، كما يدفعههم إلى الإدمان عليها أو التعود على تناولها، ودخولهم في دائرة مفرغة من السلوكيات الإدمانية المضطربة.

حادي وعشرون: النقد السلبي

المبدعون يتأثرون جدا بالنقد السلبي، وتنبجس عواطفهم وتثور ثائرتهم ويتعكر مزاجهم ويتعثر سلوكهم، فيصابون بردود أفعال إنفعالية مدوية تؤثر على صحتهم، وتساهم في تعزيز مشاعر القلق والكآبة والتضئيل الذاتي والموضوعي، مما يدفع إلى سلوكيات متوافقة مع هذه المُدركات السلبية وتداعياتها المتراكمة.

ثاني وعشرون: تنامي مفردات العناء اليومي

متطلبات الحياة اليومية تتزايد مع الأيام، وقدرات المبدعين على الكسب المادي المريح تتضاءل، خصوصا عندما تكون عندهم عوائل تتوقع منهم ما تتوقعه أية عائلة من رب البيت، ومعظم المبدعين يعيشون في ضنك، وأبرز المبدعين هم الذين عاشوا لوحدهم أو تسببوا في فشل حياتهم الأسرية، وغالبا ما ينتهي المبدع في براثن الوحدة والعزلة والهُجران.

ثالث وعشرون: عدم الإيمان وضياع الغاية

الإيمان ضرورة من ضرورات التواصل والبقاء، وطاقة ديمومة وإرتقاء، ومن غير الإيمان تتحول الحياة إلى محنة أو نقطة سوداء، وحالة جوفاء لا تستحق الإنتماء والتضحية والعناء، ويغلب على المبدعين قلة الإيمان، مما يفقدهم الغاية الحياتية، ويحرمهم من المعاني السلوكية الكامنة فيما يقدمونه من إبداع، فيتحول العطاء إلى غثاء.

رابع وعشرون: الشعور بعدم الإنجاز

المبدعون لا يقنعون وتجدهم يطاردون سرابات الوصول إلى الأمثل والأحسن، ويبدو عندهم أي إنجاز أقل مما يجب أن ينجزون، وهذا الإحساس مبذور في جوهر السلوك الإبداعي، ويدفع بالمبدع إلى الغوص العميق في قيعان ما يدرك، وكلما أمعن الغوص أدرك أنه لا يزال يعوم فوق الماء المعرفي، وأن الكون الإبداعي يزداد إتساعا وتمددا، فيشعر أنه لم يقبض على مناه.

خامس وعشرون: الصراع ما بين الحقيقة والضمير والواقع القائم

الذين يبصرون الحقائق يتألمون كثيرا وربما يجزعون، خصوصا عندما يتوقد ضميرهم وتتحفز حواسهم وينطلقون نحو رؤاهم وتفاعلاتهم مع واقعهم، فالمسافة تزداد إتساعا بين ما يتحسسونه ويعونه وبين ما هو قائم فيهم ومن حولهم ، وهذا يتسبب بأوجاع نفسية وعذابات ضمير قاسية قد تلقيهم في أتون الإنقضاض على ذاتهم.

سادس وعشرون: إهمال الجمهور للمبدع

إهمال الجمهور للمبدع من المعاناة القاسية التي يواجهها في مسيرته الإبداعية، وتلقي بظلالها على شخصيته، لأنها تعني بأنه مهما أعطى وإجتهد فأنه محسوب على المنبوذين الذين لا يؤثرون في الآخرين، وإنما هم بلا دور وقيمة.

والكثير من المبدعين يصيبهم الإهمال بسكتة إبداعية وتدهور سلوكي وإنفعالي، يتسبب بتداعيات مرضية وتصورات إنتحارية.

سابع وعشرون: تقدم وسطوع وعاظ الكراسي

المبدع الأصيل في المجتمعات المتأخرة يعيش في محنة الإقصاء القصري من قبل ذوي الكراسي، والقابضين على الإعلام الذي يسوق وعاظ الكراسي ويُبرّزهم لتمرير البرامج والقرارات السلطوية، وترويج التضليل والخداع لإدامة السلوكيات المنحرفة والمحسوبية والنوازع الإستحواذية بأنواعها، مما يؤذي المبدع ويرميه على قارعة طريق الحياة.

ثامن وعشرون: إنكماش المصادر التمويلية وتغاضي دور النشر

المبدعون بحاجة إلى إصدارات ودور نشر تتولى طباعة كتبهم، وأكثر المبدعين يعانون من هذا الإهمال الكبير، ففي السابق كانت الحكومات تتولى نشر الإبداعات المتوافقة مع هواها، واليوم صار البمدعون يطبعون نتاجاتهم على حسابهم الخاص، ولا يجدون سوقا رائجة لبضائعهم، فيكون ما يقومون به مشروعا إقتصاديا خاسرا، لا يقدر عليه إلا ذوي القدرات المالية الفردية.

تاسع وعشرون: الأزمات العاطفية والعلاقات الزوجية القاسية

الإبداع يترافق مع سلوكيات غرائبية، خصوصا فيما يتعلق بالمشاعر والعواطف، ومن الصعب تفسير ذلك، وكأن المبدع بحاجة إلى منشطات ومحفزات للوصول إلى ذروة التعبير عما فيه من الأفكار، وهذه المنزلقات الغرائبية تؤدي إلى تداعيات أسرية ومشاحنات ما بين المبدع وأقرب الناس إليه، خصوصا زوجته، مما يترتب عليه المقاسات والتداعي في دروب التخاصم والإفتراق.

ثلاثون: الإحباطات المتوالية

الإحباطات المتوالية مقصلة المبدعين، وجهنم وجودهم ورماد كينونتهم ودخان ما فيهم، فالإحباطات من ألد أعداء المبدعين، وأكثرها تأثيرا على واقعهم النفسي والسلوكي، بل والبدني، وبسبب الإحباطات تتآكل الروح المبدعة وتتهاوى في أتون اللامبالاة ونكران قيمة الحياة ومعانيها الأخرى، خصوصا عندما تخيم العزلة على المبدع.

إحدى وثلاثون: الشعور باليأس

لا يُعرف لماذا يخيم اليأس على المبدعين وخصوصا في مجتمعاتنا، التي تسود فيها العطاءات اليائسة، مما يساهم في إشاعة الروح القانطة الخائبة، ويبدو أن المبدع يعيش في دوامات من المواجهات مع ذاته وموضوعه، تدفعه إلى الدخول في دوائر مفرغة من الياس والتيئيس، ربما لتوقعه من إنتاجه أكثر مما يجب، أي أنه يفقد التقدير الواقعي.

إثنان وثلاثون: الأفكار السلبية

من المُلاحظ أن السلبي سائد في أفكار مبدعينا، فهم ينظرون إلى النصف الفارغ من القدح ويتجاهلون النصف الملآن، فكل مجتمع فيه خليط من الحالات السلبية والإيجابية، ولا يمكن إغفال الإيجابية بسبب الطاقة الإنفعالية والعاطفية للموضوعات والحالات السلبية، وهذا يدفع بالمبدع إلى السقوط في دوامات العدمية والضياع.

ثلاثة وثلاثون: النرجسية

الإبداع له علاقة قوية بالنرجسية، وكأن النرجسية ركن مرافق للإبداع، وهذه الصفة الشخصية تتسبب بتفاعلات صعبة مع الآخرين وتحجب الرؤية الموضوعية، وتعزل المبدع وتوهمه بأنه الأوحد الذي لن يجيد الزمان بمثله، مما يدفعه إلى إستجابات إنعكاسية عدوانية على الذين يبدون رأيا فيما ينتجه.

أربعة وثلاثون: عدم الإستشارة النفسية

المبدعون يعانون من أمراض نفسية متنوعة، لكنهم يأبون الإستشارة النفسية والعلاج، وقد عاينت الكثيرين، ولكن بعد أن يصل حالهم إلى " لا يصلح العطار ما أفسد الدهر"، أي أنهم يهملون حالتهم النفسية، التي تتفاقم وتتسبب لهم بمشاكل صعبة تدفع بهم إلى مآزق متنوعة التأثير والنتائج، وبتفاقمها يكون المبدع قد تورط بذاته وموضوعه وانغلقت أمامه الأبواب.

خمسة وثلاثون: القسوة العائلية

عائلة المبدع تكون قاسية عليه لأنه سيكون منطويا ومنغلقا وملتصقا بنشاطاته الإباعية، فالمبدع لا يمكنه أن يكون كغيره من الآباء و الأمهات، لأن الإبداع بحاجة لوقت وعزلة وجلسات مع الذات والكتاب والورق والقلم، وغيرها من منافذ وآدوات الإبداع المتوفرة في عصرنا.

ستة وثلاثون: الشعور القاسي بالذنب

المبدعون ينتابهم شعور وخيم بالذنب على ما يدور حولهم من التداعيات والتفاعلات القاسية، فمبدعونا يشعرون في كثير من الأحيان بالمسؤولية على ما أصاب المجتمعات التي عاشوا فيها، وتجدهم في صراع أليم وتأثر كبير بمناظر المآسي والويلات المحتدمة.

سبعة وثلاثون: الإنكسار الذاتي

الإبدع عطاء أصيل ولا يعني أن المبدع عليه أن يُلزم مجتمعه والأخرين بأفكاره وعطاءاته، وإنما هو سيؤثر ومدى تأثيره لا يمكن تقديره بسهولة، لكن العديد من المبدعين يحسبون أن على إبداعهم أن يؤثر ويتصدر ويسود، وهذا غير ممكن، لكن الإبداع يبقى له تأثيراته حتى بعد حياة مبدعه، فالأفكار لا تموت وتحيا في عقول الأجيال.

ثمانية وثلاثون: عدم القدرة على المواكبة المعاصرة

الزمن الذي نعيشه يتحرك بسرعة فائقة ويفقد المبدعون فيه قدرات التواكب مع معطياته وقدراته، التي تؤثر في سلوك البشر وترسم مناهج صيرورات مختلفة تماما عما إعتاد عليه المبدعون، وهذا الإحساس بالعجز عن المواكبة يدفع بالمبدع للشعور بأنه قد صار خارج عصره ولا يستحق البقاء فيه.

تسعة وثلاثون: إضطرابات الشخصية

الشخصية المبدعة قد تكون ذات إضطرابات في تفاعلاتها مع ذاته وما حولها، وتبدو هذه الإضطرابات فيما يتم إنتاجه، ومن المعروف إن الإضطرابات الشخصية تتسبب بمشاكل سلوكية كثيرة ويزداد فيها الميل لإيذاء النفس، وربما الإنتحار بإستجابات إنفعالية إنعكاسية خطيرة.

أربعون: إرادة الإحتجاج

الإحتجاج جذوة الإبداع، لأن المبدع يريد أن يغير ويأتي بحالة متقدمة عن الحالة القائمة أو التي عاشها، وبسبب الإبداع تتقدم الدنيا وتتطور البشرية وتعاصر زمانها ومكانها، وقد يكون الإحتجاج شديدا وقاهرا مما يعرض المبدع لحالات قاسية وتفاعلات مزرية، ويدفع به إلى دروب العناء والبلاء، وهذا يتسبب في تنمية دوافع الإنقضاض على الذات.

وفي الختام، هذه صورة إقترابية لعلاقة الإبداع بالإنتحار، قد تكون غير جامعة لكل ما يدفع للإنتحار، لكن الذي تقدم ربما يعطي صورة مختصرة عن الواقع التفاعلي ما بين المبدع ومحيطه ، الذي يحاول أن يترك عليه بعضا من بصماته الفكرية والروحية، لكنه قد يعجز ويفشل في حياته وقد ينجح بعد مماته.

لكن الإبداع يبقى من الضرورات الجوهرية لإستمرار النماء والرقاء الحضاري في الأرض.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم