قضايا

رأي في الحملة ضد تعديل قانون الاحوال الشخصية

amira albaldawi2لقد اثار تعديل قانون الاحوال الشخصية  ضجة كبيرة ليس فقط بين النساء بل جمهور المثقفين والناشطين فضلا عن ذوي الأختصاص وبقدر ماكانت الضجة كبيرة وعنيفة بقدر ما انتجت احتجاجات متنوعة ومختلفة  منها ايجابية ومنها سلبية، منها موافقة ومنها رافضة ومنها موضوعية تحليلية ومنها صراخ  وتندر وسخرية  لافائدة  علمية منها .ومن هنا أود ان ابين رأيي بكل شفافية وذلك لأختلافي مع الكثير مما قيل وسأبين وجهة الأختلاف  بعد الأتفاق على المباديء الآتية :-

1- انني  ضد التعديل  من حيث التوقيت الذي يقترب من الأنتخابات  حيث يشم من تقديمه الأن تسخيره للحملات الأنتخابيه لطالبي التعديل وقانون له علاقة بالمرأة والاسرة والمجتمع  لابد ان يتم تجنيبه  اي محاولات للتسييس او التوظيف الأنتخابي بل  ينبغي ان يدرس بعناية وهدوء ومن قبل كافة شرائح المجتمع  ويأخذ وقتا طويلا لحصول قناعة الجميع .  ومن جانب آخر كونه يستند على تطبيق مادة 41 من الدستور وهي مادة خلافية تنتظر تعديل الدستور للبت فيها، واننا كمجتمع عراقي احوج مانكون للأبتعاد عن النقاط الخلافية والتجمع حول المشتركات ومايمكن ان يقوي اللحمة المجتمعية ويعضدها

2- لابد من التفريق الكامل مابين قانون الاحوال الشخصية الجعفري الذي الغى القانون ساري المفعول وحدد سن الزواج وقدم شرحا تفصيليا لم يقبل به اتباع المذهب الجعفري ولم يستطع المروجين له  ان يحصلوا على موافقة المرجعية العليا للشيعة في العراق، وبين التعديل الحالي الذي قام بأجراء تعديلات  لعدد محدود من مواد قانون الأحوال الشخصية الحالي  الخاصة بالمسلمين  (السنة والشيعة)، وبعض هذه التعديلات  مقبول بل في صالح  المرأة كما سنبين  لاحقا،ولم يلغي القانون  الحالي او يفرض بديلا عنه .وعليه ليس من حق احد ان يستشهد بالقانون الجعفري  او يضرب الأمثلة عليه او يقيس عليه لأن الفرق جلي وكبير

3- أن لاتكون حملة الرافضين للقانون جملة وتفصيلا مبنية على عنوان خطأ هو (زواج القاصرات)  لأنه لم تتم الاشارة الى هذا العنوان لا من قريب ولا من بعيد، واذا كان  المقصود ماجاء في المادة الاولى من التعديل  وهو (3-أ -  يجوز للمسلمين الخاضعين لأحكام هذا القانون تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة، لتطبيق الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية وفق المذهب الذي يتبعونه) فهو نص يقوم على مبدأ  التخيير وليس الأجبار او الفرض، فالتعديل يتحدث عن تخيير المسلم بتقديم طلب باتباع مذهبه في احواله الشخصية فأذا شاء قدم طلبا واذا رفض فسيبقى على أحكام القانون الحالي، وهذا مايحصل الأن في المحاكم فعلا  بطلب  الشيعة عقد قرانهم على المذهب الجعفري وطلب السنة عقد قرانهم على المذهب الحنفي  دون اجبارهم على تزويج بناتهم  القاصرات، وقد أجاب  النائب حسن الشمري (القيادي في حزب الفضيلة التي تبنت القانون الجعفري في الدورة السابقة للبرلمان)  مفسرا مادة التعديل فقال (ان سن البلوغ يختلف عن سن الزواج  حيث الأخير يتطلب ظهور الادراك والفهم الكافي للحياة الزوجية ) ومن هنا علينا تصور كم من الاعتراضات التي ستضعف امامها حجة مدعي زواج القاصرات  ستظهر ومنها  التساؤل لماذا لم تثار ضجة ولم يطلب الألغاء للمادة  (8) من قانون  188 لسنة 1959  الحالي التي تسمح بنص قانوني واضح  بزواج القاصر بعمر (15) سنة، لماذا (باء) القانون الحالي تجر و(باء) القانون المعدل لاتجر فأذا نتحدث عن زواج قاصرات فالمادة الثامنة تتحدث صراحة عن زواج القاصر التي عمرها دون 18 سنة .

أعتقد ان الحملة ضد التعديل يجب ان تركز ليس على ماجاء في المادة الأولى (3-أ) بل ماجاء في نفس المادة في الفقرات (3-ب،ج،د) حيث تسحب هذه الفقرات السلطة من محكمة الأحوال الشخصية لتسلمها الى مجلس  غير علمي بل حددت اختصاصات  وصلاحيات المجلس العلمي في  قانون ديوان الوقف الشيعي رقم 57 لسنة 2012 بأمرين  هي النظر في كفاءة الموظفين الدينيين، والمصادقة على تعيين المتولين. فهو ليس مجلسا فقهيا استشاريا، والوقف الشيعي مؤسسة حكومية لاتختلف عن باقي المؤسسات من خضوع تعيين موظفيها الى المحاصصة الحزبية والسياسية وهذا يتفق ويتطابق مع  وصف واختصاصات المجلس العلمي والافتائي في ديوان الوقف السني  مما يؤكد ويدعم مخاوف ورفض كل المعترضين  على التعديل ويصلح ان يكون الشعار الرئيسي لرفض  التعديل الذي سيؤدي الى تسييس الحياة الشخصية والاجتماعية للعراقيين

نرفض المادة الثالثة  من التعديل التي  تجيز عقود الزواج خارج المحكمة  وتشترط بأن يتم  تأييد تلك العقود  في محكمة  الأحوال الشخصية خلال 60 يوم . وهذا يعني منح مكاتب الزواج اجازات رسمية حيث هي الان تعمل خارج اطار القانون، وأود الأشارة الى ان  الزواج خارج المحكمة حاصل الآن مع تحري الأسرة ومسؤوليتها  على العقد الشرعي (خارج المحكمة) و دون تقنينه  بمنح  فرصة طويلة (60 يوم) ليست في صالح الزوجة، أنتم أعلم بمدى التلاعب وانتهاز الفرص  في ظل ضعف  الدولة وتراجع فرض سلطة القانون  فضلا عن الصراعات او الخلافات  بين العشائر او العوائل التي غالبا ماتدفع المرأة ضريبتها وان منح فرصة شهرين لتسجيل الزواج في المحكمة يمكن ان يحصل فيها الكثير من الأمور تصل الى الطلاق مما يضيع حقوقها وصولا الى  حد عدم الاعتراف بالجنين اذا حصل وكم من الحقوق ضاعت مع وجود القوانين

اما المادة الرابعة  والخامسة والسادسة  والسابعة  من التعديل  فقد اتت في صالح المرأة  حيث منحتها  حق تطليق نفسها واعتبرت عقد الزواج بالأكراه باطلا و اعتبرت نفقة الزوجة غير الناشز ديناً في ذمة زوجها من وقت امتناعه عن الانفاق عليها  فضلا عن منحها حق الأعتراض اذا تضررت من سكن احد والدي الزوج  او كليهما  في بيت الزوجية، كل مواد التعديل هذه  منحت حقوقا جديدة للمرأة  الا ان الحملة  التي شنت على التعديل لم تشر الى الأيجابيات في حين ركزت على السلبيات  فقط   خلافا للتحليل الموضوعي  المحايد

ملاحظة  لأصحاب الحملة  : لقد تطرقوا في  وسائل الاعلام الى الأحكام الشرعية للمذهب الجعفري بالذات  دون المذاهب الأخرى  وذهبوا بعيدا في امور فقهية  مما يشي بأستهدافهم للشيعة  حصرا (طبعا بسبب ان النائب الذي قدم التعديل من كتلة برلمانية شيعية)، ولكن هذا  يخالف مانصبو اليه من خلق رأي عام  ضد قانون لايناسب كل العراقيين  في هذه المرحلة بالذات، ان القانون الحالي لا يخلو من الأخطاء والهنات والضعف  مما يتطلب الحث على التطبيق الصحيح للكثير من بنوده المعطلة  فضلا عن  تعديل بعض مواده، ولكن  بمشاورات موسعة وفكر مفتوح وفهم للمبررات  والموجبات وتقبل البدائل الجامعة غير المفرقة .

 

 د.عامرة البلداوي

 

 

في المثقف اليوم