قضايا

نظرية التطور وأثرها في الفكر العربي الحديث

ali almirhig"كُن شديد التسامح مع من يُخالفك في رأيك،

فإن لم يكن رأيه كل الصواب

فلا تكن أنت كل الخطأ يتشبثك"

شبلي شميل: فلسفة النشوء والإرتقاء.

كان شبلي شميل (1850ـ1917) من أهم الدُعاة لتبني نظرية التطور بنزعتها المادية المُتطرفة، وهي السبيل لتحقيق النهضة المرجوة في فكرنا العربي الحديث. درس الطب في الجامعة الأمريكية في الشام أو الكلية العلمية السورية، وهذه الجامعة تعتمد على المناهج الحديثة بالإضافة، ومن ثم إنتقل من بيروت إلى مصر فشارك في بلورة التيار العلماني الذي بدأ بالتشكل بعد تواجد الشخصيات السورية واللبنانية أمثال يعقوب صروف اللذين أحدثوا تطوراً في النزوع نحو العلمانية في مصر، فقد كان الفكر العربي في حالة من السبات والسكون. وشبلي شميل مُعم بحيوية تحولات التنوير في الفكر الغربي التي إطلع عليه في باريس، فكان يعتقد أن الحركة هي من أساسيات التطور الاجتماعي وأن النقطة الأساسية في التيار العلماني هي فصل الدين عن الدولة. وأكد على  ضرورة عدم التفريق بين شخص وآخر من حيث العرق والجنسية والقومية وغيرها ويجب أن يعامل الجميع بنفس المعاملة.

تأثر بنظرية التطور الدارونية وبشُراحها وأهمهم: البريطاني هربرت سبنسر 1820ـ1903) الذي طرح مفهوم "البقاء للأصلح" الذي عُرف أنه لدارون المعروف بفيلسوف الدارونية الاجتماعية، والبريطاني الآخر (توماس هكسلي 1825ـ1895)، والأماني عالم الأعصاب لودفيغ بوخنر (1824ـ1899)، الذي مزج بين الدارونية والمادية، فتأثر به شميل أيما تأثير فترجم له كتاب "فلسفة النشوء والإرتقاء"،

تبنى فكرة وحدة الكائنات الحية وتكونها من المادة بطريقة عفوية، وهذه المادة وُجدت منذ الأزل وستبقى إلى الأبد.

يُمثل الإنسان في فكره قمة تطور المادة، ولا يزال يسعى لإستكمال قواه الذاتية، وتنمية قواه العقلية، والإستعاضة عن النزاع بالتعون والإكراه بالتنظيم الإداري، والسعادة الخاصة إلى سعادة عامة.

إقترح شميل أن يكون تديننا للعلم الطبيعي بديلا عن الديانات القديمة، وأن يكون دين العلم هو الدين الجديد الذي تُبنى عليه معارفنا وعلومنا الإنسانية. 

دافع شميل عن الفلسفة المادية والعلم المادي متأثراً وهذه طبيعي وفق تأثره بنظرية دارون في التطور ووحدة الكائنات الحية التي تؤكد أن الإنسان مثله مثل الكائنات الحية تطور بمرور الزمن وتطور من كائنات وحيدة الخلية الى كائنات ثنائية الخلية ويُشارالى أن الإنسان حسب نظرية التطور هو و القرد من فصيلة واحدة، ولكنه مر بمرحلة أكثر تطوراً، فصار هذا الكائن الحي (الإنسان) في شكله اليوم.

ان الحياة كما يراها شميل في ضوء نظرية التطور محكومة بالصراع ثم البقاء للأصلح، مع إمكانية أن يتحول الصراع الى تعاون، مخالفاً في ذلك أستاذه دارون، متأثراً بالفكر الماركسي وتحديداً بمفهوم الإشتراكية.

ولكونه من الأقلية المسيحية مثل بطرس البستاني (1819ـ1831) وسمير مراش (1846ـ1874) ويعقوب صروف (1852ـ1927) لأنهم عانوا مُعاناة شديدة في ظل حكم دولة الخلافة العثمانية وفي مجتمع أغلبيته مسلمة تحكمه حكومة إسلامية. لذلك كان جلهم من دعاة تبني العلمانية وضرورة الفصل بين الدين والدولة، فضلاً عن تأثر البعض منهم بدعوة الماركسية إلى الاشتراكية التي يتساوى فيها الجميع إقتصادياً وسياسياً ولا تمييز بين المواطنين فيها أمام القانون، لذلك نقد شبلي شميل دولة الخلافة العثمانية التي كانت تسمى بـ (الرجل المريض) وإنتمى لحزب "تركيا الفتاة". وفي الوقت نفسه كان رافضاً وناقداً للاستعمارالغربي.

أهم منطلقات شبلي شميل النهضوية:

1ـ دعوته لفصل الدين عن الدولة، وتأكيده على أهمية مبدأ المواطنة.

2ـ نقده للفكر الميتافيزيقي والغيبي واللاهوتي بكل أشكاله وتمظهراته لأنه برأيه فاقد للمعن أو لا يمكن التحقق من صدقه أو كذبه كما أكدت الوضعية المنطقية.

3ـ نقده للفلسفة: إذ لم يكن شميل يميل لها بوصفها بحثاً في الميتافزيقا، إذ يقول"أن الفلسفة إن كان لها بعض معنى اليوم، فإنها ستصبح مبتذلة في مستقبل الأيام، فالمستقبل اليوم للعلم، وللعلم العملي وحده فقط "، بمعنى أن شميل يرفض كل فكر ليس له إمكانية للتحقق من صدقها في ضوء التجربة والاختبار و(نسي شميل أن غاية العلوم الطبيعية ـ والقول لمظهرـ هي إنتاج فلسفة طبيعية ولو سقطت أهمية الفلسفة لما شرح  شميل فلسفته ليدعوها هو ذاته فلسفة.

4ـ نقمته على العلوم الإنسانية لا سيما علوم اللغة والأدب والرواية والقصة والشعر ونظر لها على أنها كلام فاقد للمحتوى يهتم باللفظ دون المعنى، وعلى ما في هذا النقد من وجهة نظر تحتمل القبول لسيادة هذا النمط في حياتنا الثقافية والفكرية، إلا أنها في الوقت نفسه تهذب النفس والخلق وتمنحنا القدرة على تذوق الجميل والتمتع به وكا قال علي حرب " لا برهان من غير بيان" فالعلوم الطبيعية والتطبيقية تحتاج للغة سليمة حتى تصل للمتلقي، وهو في هذا المنحى يختلف عن مُجايليَه، بطرس االبستاني الذي كان موسوعة في الأدب العربي الذي ألف قاموس "مُحيط المُحيط" وهو قاموس في اللغة العربية يُفسر معاني الألفاظ بلغة حديثة. كذلك هو يختلف عن سمير مراش الذي كان شديد التأثر بالأدب الرومانسي وبعلوم اللغة والشعر الذي كتبه وهو في مُقتبل العمر، على الرغم من ميوله العلمية وعمله في الطب.

5ـ يؤمن بٍضرورة اللحاق ومواكبة التقدم والتطور الحاصل في أوربا وضرورة الحوار مع الإفادة من علومها ومما وصلت إليه من تقدم في مناحي الحياة المدنية الأخرى.

6ـ موقفه السلبي من المرأة: فهو يعتقد بأنها أقل من الرجل من الناحية الفسيولوجية وبذلك تكون أقل منه علمياً. وهذا مما يُنقد عليه كثيراً لتمييزه بين الرجل والمرأة وتأكيده أفضليته عليها.

7ـ نقده للدين بكل تمظهراته ودعوته الصريحة للخلاص من الدين بوصفه عقيدة "ثيولوجيا لاهوتية"، والسعي لتغيير مسار التدين الشائع عند الإنسان لتغيير مسار تدينه ليُدين بدين العلم لا بدين العقائد ورجال الكهنوت، بل بدين العلم الطبيعي والسير بخطى رجالاته.

نقد اسماعيل مظهر لشبلي شميل

تأثر شبلي شميل كما ذكرنا بالفلسفة التطورية، فضلا عن تأثره بالروح العلمية وفلسفة التنوير التي سادت أوربا في القرن الثامن عشر وبعد الثورة الفرنسية، إلَا أنه كان ناقماً على الشعر وكل ما يمت للأدب بصلة لأنه كما يعتقد "بعيد عن الحقيقة، قريب من الخيال" فثار ضد الآداب والفلسفة الكلامية، "لأنها لا تستند الى شيء مما يقع تحت الحس، ونقم من المباحث اللاهوتية لأنها مثار لجدل عقيم من المناقشات ولأنها الباعث على التعصب...".

يعتقد إسماعيل مظهر (1891ـ 1962) المتأثر بنظرية التطور الدارونية، ومُترجم كتاب "أصل الأنواع" لدارون فيلسوف ومؤسس نظرية التطور، الذي لحقه بكتاب "ملقى السبيل" الذي لخص به مرامي نظرية دارون في التطور، في محولة منه للتوفيق بين العلم والدين، أي بين ما جاء في نظرية دارون العلمية من آراء فهمها البعض بر أيه على أنها مُخالفة للدين، والبعض الآخر فهمها بأنها تفنيد لك ما جاء به الدين ولميتافيزقاه المُغرقة والمُستغرقة في المثالية، بينما تجد في نظرية التطور نزوعاً مادياً بينَناً، وفيه سعي للخلاص من التفسير الديني للوجود. لذلك نجد مظهر قد ضمن كتابه "ملقى السبيل" بعض رؤاه وفهمه للفلسفة التطورية، وهو رغم ميوله العلمانية ونزوعه نحو الليبرالية، إلَا أنه لا يذهب مذهب شميل في نقده للدين، ويرى فيه نزوعاً نحو التحرر والحرية إن فهمنا مقصده وغايته الحقيقية، على الرغم من ميوله للإشتراكية ودفاعه عن الشيوعية، لكنه لا يظن فيها سوى أنها نزعة لتحقي المساواة بين بني البشر، وهو وإن كان من عائلة أرستقراطية إلا أن هذا كله لم يمنع جنوحه نحو التغيير والتجديد والإصلاح في مجتمعنا العربي والإسلامي، فكان يعتقد بأن الدين الإسلامي جاء لتحقيق المساواة بين البشر، فهو دين الرحمة والمغفرة ودين العلم والتعلم الذي لا يتحقق إلَا في الخلاص من الإستبداد والعيش في وسط نشعر فيه بالحرية.

إنتقد (مظهر) شبلي شميل في كثير من رؤاه ومُتبنياته، فقد عارضه في نقده للأدب "خطابة وشعر وموسيقى وقصة ورواية"، بل وحتى في رأيه بالفلسفة والمتافيزيقا، لأننا نستمد منهما نوعنا الأخلاقي الأنسني، لأن هذه الفنون هي من تدفع الانسان بإتجاه البناء الأخلاقي والروحي بوصفهما محركات للفكر كي يتطلع الى ما وراء المنظور، "فلكل أمة روحاً أدبية تظهر متجلية في كل دور من أدوار نشؤها وتطورها، فالعلوم الأدبية ربيبة الفكر الانساني...شأنها في ذلك شأن العلوم الطبيعية، ومحاولة إنكارها في الحقيقة إنكار لجهود الإنسانية طوال قرون عديدة ". وهنا نجد أن إسماعيل مظهر على النقيض من شبلي شميل فالآداب برأيه أساس العمران ومرجع الفضائل والإنسان يحتاجها كما يحتاج العلوم الطبيعية و"الإنسان بطبعه متوثب الى إستيعاب المعاني الخفية...إن المعاني الأدبية وحب الجمال صفات نفسية ثابتة وأنها الباعث على الانصراف الى العلوم والخيال الذي كثيراً ما ينقلب الى منطلق صحيح والفرض الذي كثيراً ما يصبح حقيقة واقعة"، و "الفضيلة هي ثمرة العلوم العقلية والآداب حرز المدينة وسياج الرُقي العُمراني" (ملقى السبيل، ص23)، فآداب برأ مظهر هي "الدعامة الأولى في بناء العُمران" (ملقى السبيل، ص24)، لذلك تجد مظهر مُدافعاً عن الخيال بوصفه الباعث الأول لتحقيق المُتمنى، الذي كثيراً ما ينقلب لواقع نعيشه بعد أن كان من من عالم الخيال والمثال. لذلك فللعلم الطبيعي حاجته كما للآداب حاجتها.

موقف شميل من الأديان

يُفسر شميل نشوء الديانات في ضوء تأثره بالنظرية الدارونية، إذ يرى أن "الديانات المختلفة كالأنواع تنشأ من أصل واحد وتتحول بعضها من بعض وتنازع نظيرها، وكما ان الفائز في هذا التنازع هو الانسب للاحوال الخارجية، هكذا الفائز من الديانات ايضا هو الانسب لأحوال الزمان".

أحد أهم أسباب نشوء التدين، كما يرى شميل، هو حب الإنسان لذاته هذا الحب دفعه للبحث عن خلوده "وطالما أن الإنسان مدرك أنه جسد والجسد مصيره الفناء والموت، فإنه سمع همسا يقول له "لن تموت فإتبعني" فتصور أن هذا القول مصدره قوة عاقلة لها عليه سلطان مطلق فبعثه هذا الخوف على أن يتذلل لها، ثم تطرف إلى أن جعل هذه القوة روحاً ثم جعل الروح إلها ثم تصور إلهه كنفسه يغضب لما يغضب ويرضى لما يرضيه فنحر لها الهدايا وقرب القرابين، وتقرب لها بالمناسك والمشاعر وحلل وحرم ثم تأصل فيه هذا الميل بحكم الوراثة الطبيعية وإنتقل هذا التقليد الى نسله بحكم التقليد".   

سبب آخر من اسباب نشوء التدين يراه شميل كامناً في طبيعة البناء النفسي والعقلي للناس اذ الغريب في هذا التكوين "أن الناس لا يصبرون على بيان الحقيقة بالأدلة والبراهين اذا كانت مخالفة لآرائهم غايرة لأهوائهم ،بل ينقضونها بالقوة".

والنحل والديانات وماشاكلها أصلها واحد وقيامها في الدنيا إنما هو لعاملين حب الرئاسة في الرؤساء وإرتياح المرؤوس الى حب البقاء وكلاهما لما في الانسان من محبة الذات، فسطا دهاة الناس على ساذجي العقول فتسيد البعض وسيد على البعض الآخر.

لا يخفى أثر النظرية الماركسية أو حضور بعض رؤاها حتى وإن كانت بشكل غير مباشر لاسيما في موقفه من الدين بوصفه ممثلا للنزعة الأرستقراطية ومُكرساً لروح الطبقية إذ يقول شميل" الشريعة ألَا تقبل من أيدي الآلهة، بل من أيدي البشر، أي يجب ألَا تُقبل من أفواه الرؤساء والأمراء، ولكن من لسان الصعاليك والفقراء حتى تكون أقرب الى الإنسانية أي الى إقامة العدل الصحيح منها الى تنقيذ الأهواء والأغراض النفسانية".

فضل شميل العلم على الفلسفة التأملية التجريدية والدين لأن العلم "هو الذي يحرك العقول ويهزها ويوقضنا من سباتنا الذي نحن فيه". لذلك نجده منكراً للقول بوجود علاقة بين الإنسان والغيب، لأن جميع العاناصر المؤلف منها الإنسان موجودة في الطبيعة وجميع القوى التي فيه تعمل على حكم قوى الطبيعة. وما تمسك الإنسان بقوى غيبية سوى خضوعه لنوع من أنواع الأوهام، التي إن قويت وتمكنت من الإنسان سقطت قواه وفقد أسباب العمل. لهذا السبب نجده يقول "لا يصلح حال الأمة إلا كلما ضعفت فيها شوكت الديانات، ولا يقوى شأن الديانة إلا كلما إنحط شأن الأمة" ..."ولو نظرنا إلى التاريخ برأينا من الدم سطوراً لو جُمعت لكانت بحوراً وما سببها إلا العداوات التي أثارتها الأديان". 

في ضوء موقف شميل هذا من الدين نجده يحاول تفنيد أهم أركانه، فهو يُنكر أن تكون هناك قوة عاقلة مُدبرة للكون والعالم، الأمر الذي يترتب عليه إيمانه بقوة المادة والطبيعة على الإيجاد اذ يقول شميل "أن الإنسان هو وكل ما فيه مكتسب من الطبيعة، وهذه حقيقة لم يبق سبيل الى الريب فيها اليوم ولو أصر على إنكارها من لا يزال مفعول التعاليم القديمة في ذهنه رسوخ النقش في الحجر. فالإنسان يتصل إتصالا شديداً بعالم الحس والشهادة وليس في تركيبه شيء من المواد والقوى يدل على إتصاله بعالم الروح والغيب"، ونجده في موقع آخر نجده يتسائل بالقول : كيف جاء تصور القول بوجود قوة أبدعت العالم من لا شيء، وهذا التصور لا تبرره الحجة الكبرى بأن لكل علة معلول، وقد فاتهم أن في هذا الدور المتسلسل لا بد لهم من الوقوف عند نقطة يثبتون فيها الوجود بمعجزة"، وإذا كان من المقرر أن القوة لا تقدر أن تظهر إلَا بالمادة، فلا تكون القوة اذاً سوى الصفة المتصلة بالمادة وكل صفات المادة كائنة فيها جوهرياً".

الموقف من الدين بين شميل ومظهر

من خلال ما تقدم يمكننا أن نستنتج موقف كل من شميل ومظهر من الدين، فموقف شميل هو الرفض للدين وإن كان يعترف بأن الإنسان كائن اجتماعي، أما مظهر فإنه وإن كان يتفق مع شميل في أن الإنسان كائن اجتماعي، إلا أنه لا يتفق معه في  الموقف من الدين إذ يرى مظهر أن الإنسان كائن مُعتقد بفطرته،(ملقى السبيل، ص35) أي أنه ذو عقيدة بصحة شيء وبطلان ما يُنافيه، فالإعتقاد الفطري كما يرى مظهر"تكأة الدين، كما أن الخوف والجهل منشؤه" (ملقى السبيل، ص36) والجهل بأسباب حوادث الطبيعة يدفع بإتجاه بناء معتقد أزاء كل حادث من حوادثها و"أصل الدين ظاهرة مرتكزة على الإعتقاد" (ملقى السبيل، ص41)، و هو "ضرورة من ضرورات الإعتقاد" (ملقى السبيل، ص39). لذلك يرى مظهر في الدين قوة مؤلفة بن عقلة الفرد الأنانية وعقلية الجماعة ومطامعهم لصالح الكل الاجتماعي، و "أن الدين في ذاته ضرب في ضروب المُعتقد الديني يُهيء الإنسان بوازع مما بعد عقليته يضبط سلوكه نحو المجموع، إذا تعارضت مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة" (ملقى السبيل، ص52ـ53).

من هنا يتبين لنا أن مظهر يتعامل مع الدين بوصفه ظاهرة اجتماعية صرفة بعيداً عن أبعاده الغيبية واللاهوتية وهو ضرورة من ضرورات الفكر الإنساني وجزء أساسي من طبيعة الوجود البشري لذلك نجد مظهر يعطي أولوية للدين بوصفه شريعة أدبية ويهمل فكرة أن الدين قائم على الاعتقاد بقوة مدبرة حكيمة عاقلة سرمدية لا تدرك حقيقتها العقول البشرية، ويرى أن هذه الفكرة هي ليست جوهر الدين، وإنما جوهره مثلما ذكرنا سابقا التمييز بين الخير والشر وتنمية القوة المؤتلفة التي تقوي الصلة بين الفرد والمجموع.        

ختاماً: يتبين لنا أنه قد حملت الأفكار العلمانية أفكاراً جديدة في ميادين الاجتماع وتنظيم الحياة، فضلا عن إضفاء طابع فلسفي شمولي يشرح تطور الكائنات الحية. نعني بذلك الأفكار الدارونية حول نظرية النشوء والإرتقاء التي دافع عنها كل من شبلي شميل وإسماعيل مظهر بقوة. كما دافعا أيضا عن الإشتراكية التي إعتبراها مذهباً اجتماعياً قائما بذاته. فجعلا الإشتراكية مطابقة لتحقيق الأمان والسعي للعمران. لأنها لا تُعَرف عندهما إلَا بوصفها مفهوم رديف للمساواة بين الناس التي بوجودها تتحقق سعادة البشر التي لطالما كانت هدف من أهداف الفلاسفة، فقد كتب الفارابي (260هـ ـ 339هـ، 951م) رسالة "في تحصيل السعادة" ولحقه أبو الحسن العامري (913 ـ 992 ) والمتوفي في عام (381هـ) في كتابه عن "السعادة والإسعاد  في السيرة الإنسانية".

 

د. علي المرهج – أستاذ فلسفة

شبلي شميل: فلسفة النشوء والإرتقاء

في المثقف اليوم