قضايا

"دين ضد دين".. قراءة نقدية في فكر علي شريعتي

ali almirhigعلي شريعتي مفكر إسلامي إيراني "إشكالي"، تأثر بأيديوجيته الشيعية، ونظر لها بوصفها مُعتقد يمكننا تبنيه في حل كثير من مشكلات مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لأنه يعتقد أن ما طالب به آل البيت "المعصومين" إنما هو عين الصواب، ولو إتعضت الأمة بمرامي الأمة وبمقاصدهم، لما كان حال الأمة التشرذم والتخلف، لأنهم الممثلون الحقيقيون لمقاصد الرسالة الإسلامية والورثة الشرعيين لعلمه الإلهي.وهذا لا يعني أن علي شريعتي ينتقد زمن الخلافة الراشدة، إنما هو يرى أنه هو الزمن الحقيقي لتطبيق الرسالة وإن حصل فيه بعض إختلاف في كيفية إدرارة أمور المُسلمين بعد موت خاتم الرُسل.

جعل من أبي ذر مثاله في الحياة، حتى قال "عليَ أن أُقلد ـ وهو الرافض للتقليد ـ أُستاذي الحبيب أبا ذر الغفاري الذي أخذت منه إسلامي وتشيعي وألمي ومحنتي وشعاري وأُشاركه في صرخته التي هزت المدينة والشام وفي تطرفه الذي لم يُراع فيه "المصالح" فلم يجلس أبو ذر جلوس أهل العلم والتحقيق والنقد ليطرح "الحقائق" في لفيف من العبارات الغامضة وأمام العلماء والخواص فقط رعاية للمصالح، بل نراه يحمل يذهب إلى خليفة رسول الله ويصرخ بوجهه:

"يا عُثمان أنك أنت السبب في فقر الفقراء وغنى الأغنياء" ويصرخ في وجه كعب الأحبار صاحب الجلالة والاحترام والرجل العالم بالدين عند اليهود والذي كان مرجعاً للصحابة في تفسير القرآن وفهم الإسلام "يا إبن اليهودي أتُريد أن تُعلمننا ديننا؟!" ثم يضربه بعظم البعير، ويشج به رأسه، ليُنفى إلى الشام حيث مُعاوية وقصره الأخضر ليصرخ بوجهه هو الآخر: يا معاوية إن كان هذا القصر من مالك فهو إسراف، وإن كان من مال الناس فهو خيانة! ويذهب إلى المسحجد فيقرأ "والذين يكنزون"...(شريعتي: دين ضد دين/175ـ176).

وليس ببعيد عن دفاعه عن الفقراء نجده متأثر بالماركسية، وكان يرى أن ماركس "دوَن في ظل الظروف التاريخية والاجتماعية الحساسة، الأُسس الأيديولوجية لنهضة إنسانية ثورية مناوئة للنظام الطبقي الاستثماري" (شريعتي: دين ضد دين/148).

لذلك أصبح الإسلام اليوم هو غير إسلام محمد، فصار الدين دينان، دين محمد ودين القرشيين من الأرستقراطية القرشية المتمثلة ببني أمية الذين أستحوذوا على السطة، بعد إنتهاء مرحلة الخلافة الراشدة، فكان محمد يبغي تجديد الأمة وتخليصها من جاهليتها، فإذا بأمويين يعودون بالدين القهقري، ليعود بنو أمية وأتباعهم للعصبية القبلية لتكون بديلا عن العصبية للدين، فصار هناك موالي"عبيد" هم العجم، وهناك سادة هم العرب والقرشيين على وجه التحديد، فصرا الدين، إذن دينان، دين المغلوبين والمقهورين والمُستضعفين ودين الأغنياء والمُترفين، إستمر الصراع بين هاتين الفئتين في تاريخ الحضارة الإسلامية، فصار الصراع صراع "دين ضد دين" بعبارة شريعتي، صراع دين المُستضعفين في البحث عن المساواة مع دين المُترفين، فصار هناك إسلامان، أو "إسلام ضد إسلام" بعبارة الصادق النيهوم. وبعبارة شريعتي "لقد لعبت الأديان الرسمية دائماً دوراً طبقياً قذراً ضد الناس وضد الإنسانية ولصالح الطبقات الحاكمة" (شريعتي: دين ضد دين/152)، ولم شاء الفحص لتطابق آراء شريعتي مع آراء الوردي فاليقرأ بحثنا "موقف الوردي من الدين".

وكما كان الكفر بمثابة دين بالنسبة لمُعتنقيه، فالإيمان دين بالنسبة لمُعتنقيه، وهو أيضاً بمثابة صراع "دين ضد دين"، فكل أنبياء الأديان السماوية وحتى أنبياء الأديان الوضعية، أو التي يدعي أصحابها أنها سماوية، ولكن رُسلها لم يأتوا بنصوص مُقدسة، إنما كانت تعيش ذلك الصراع، أي "دين ضد دين"، فالكفر ـ بحسب شريعتي ـ "هو نوع من أنواع الدين أيضاً، يًطلقه أهل الأديان عادةً على من لم ينتحل نحلتهم ولا يُدين بدينهم" (شريعتي: دين ضد دين/27)، وكل أصحاب دين أو مُعتقد يرى أصحابه أنهم على حق وغيرهم على باطل، وكل فريق منهم يُكفر الفريق الآخر.

إنه صراع دعاة  التغيير و"التجديد" ضد دعاة "المحافظة" والتقليد، فأصحاب الدين التجديدي هم الذين يحلمون ويسعون لتحقيق حلمهم بالتغيير، فهم نقديون، يتسمون "دائماً بنزعة التمرد والإنكار والرفضوالمواجهة" (شريعتي: دين ضد دين/53)، فيما نجد أصحاب الدين التقليدي تبريريون، يحاولون تبرير الوضع "الطاغوتي" القائم، "وهم المُترفون الذين يملأون العين ويشغلون المناصب وامواقع المُهمة في مُجتمعاتهم ولا يلتزمون بواجباتهم ومسؤلياتهم، والدين الذي حكم التاريخ هو دين الملأ والمُترفين، وكانت حكومة هذا الدين تتراوح بين الحُكم المُباشر والصريح، والحكم تحن غطاء "دين الله ودين الإنسان"( شريعتي: دين ضد دين/54).

ميز شريعتي كما هو واضح، بين "الدين الثوري" الذي يُغذَي أتباعه ومُعتنقيه برؤية نقدية حيال الوضع القائم بكل ما فيه من تردٍ وتراجع، لذلك ينزع أصحابه نحو نحو تبني النقد ورفض الرضوخ للأمر الواقع، وهو منزع أنبياء الدين التوحيدي في بداية صراعهم مع أنظمة الفساد ودعاة النزعة التبريرية التي يتبناها أصحاب "الدين الأفيوني" الذي يميل كهنته لتخدير الناس وتنويمهم اجتمماعياً بعبارة علي الوردي، كي يكونوا أسرى للتقليد و المحتافظة على الوضع القائم الذي يروم الإبقاء عليه "الطاغية" و سدنته وحرَاسه ـ بعبارة عبدالجليل الطاهر في كتابه أصنام المجتمع ـ هؤلاء السدنة الذين يعتاشون على فتات ما يرميه لهم سيدهم من فُتات، الذين يحرقون المجتمع بغلواء ولائهم في تبرير وضع اجتماعي طبقي فاسد يُسوغ لبعض الطبقات إستغلال الطبقات الأُخرى. لذلك فمقولة "الدين أفيون للشعوب جاء ليُخضع الناس للذل والهوان والجهل والتخلف والمصير المجهول، وهو قول صحيح برأي شريعتي ولا يُمكن إنكاره"(شريعتي: دين ضد دين/ 47 وص66). وقد سماه شريعتي بـ "الدين التبريري والدين التخديري والدين الرجعي والدين الذي لا يهتم بأمور الناس" (شريعتي: دين ضد دين/50)

 حاول دُعاة "الدين الثوري" الثورة على هذا الوضع و"إستبداله بوضع آخر مثالي وتحقيق هدف مُحدد للحياة وهو تحرير قومٍ من الأسر وإرشادهم إلى الأرض الموعودة وتأسيس مُجتمع يعيش على دعامة العقيدة والرسالة الاجتماعية الرافضة لعبادة الطاغوت، والقضاء على الطواغيت الذين يُبررون شتى أنواع العنصرية والتمييز، ومن ثم إقرار مبدأ التوحيد لكي تتجلى فيه الوحدة البشرية والعدالة الاجتماعية" (شريعتي: دين ضد دين/41ـ42).

سمات الدين التبريري أو ما سماه الوردي في كتابه اللمحات "الدين الكهاني".

ـ التأكيد على البعد الغيبي في الدين وإستحضاره عبر الأكيد على مقولتي "القضاء والقدر"، لقتل روح المبادرة عند المؤمنين، وإقناعهم بأن كل ما يحدث إنما هو بقضاء الله وقدرة، ولا قدرة لنا نحن البشر في تغييره أو تبديله، وكأن كل ما يحصل من باطل ومن فواحش نركتبها نحن أو يرتكبها "الطاغية" هي سنة إلهية، ولا قدرة لمن يشعر منا ببطلانه على تغييرها على قاعدة "ولن تجد لسُنة الله تبديلا".

ـ جعل قاعدة "الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر" من مهام السلطة الحاكمة حتى وإن كانت جائرة، فحسابها على ربها، وليس مستطاع لنا نحن البشر محاسبة الحاكم بأمر الله "خليفة الله" لأنه مصون غير مسؤول.

ـ تأكيدهم على المشيئة الإلهية في جعل بعض البشر أضعف من الآخرين، وجعل بعضهم أقوى من البعض الآخر، وإقناعهم بأن إنتماء الفرد لطبقة، إنما هو بمشيئة إلهية وليس بمقدور أحد تغيير مشيئته، فقد كان "الجبابرة يستخدمون العُنف في مواجهة الناس وإخماد ثوراتهم. لكن الدين كان ينتهج ىطريقة أُخرى في وأد النهضة ورد الانتقاد وإخماد ثائرة الغاضب والحتجاج وهي تبرير الموقف بطريقةٍ كهذه "أن كل ما حصل بمشيئة الله، فأي إحتجاج وإعتراض بمنزلةالإحتجاج على الله ومشيئته" (شريعتي: دين ضد دين/71ـ72).

ـ سعي "المحافظين" من سدنة السلطة وكهنتها، أو من سماهم الكواكبي في كتابه طبائع الإستبداد بـ "المتمجدين" الذين لا مجد لهم إلَا ببقاء المستبد أو الطاغية، ولتثبيت مجدهم ينبغي الحفاظ على الوضع القائم بكل خرابه وفساده وإنحلاله، لذلك تجدهم منافحين عن السلطة، يمنحونها ألقاب سماوية مثل المنصور والحاكم بأمر الله والمُقتدر والقادر، وغيرها من الألفاظ المرادفة للوجود الإلهي. كل ذلك للحفاظ على وجودهم كطبقة من طبقات علية القوم. ليكون "عيال الله" الطبقة المُقلبة لهؤلاء السدنة المُترفين دُعاة التمييز الطبقي والعرقي ممن يدعون تمسكاً بدين الأنبياء التوحيديين، لكنهم يأتمرون بأمر "الطاغوت" ويجعلون من "الطغاة" أرباب لهم من دون الله. هم يُفرغون الدين التوحيدي من محتواه ليجعلون من "الشرك الاجتماعي" بديلاً له في المعبودية، ليخلقوا أرباباً آخرين، هم الجبابرة ليجعلوا الناس أسارى لقول فرعون ومن شابهه "أنا ربكم الأعلى".

1190 aliلكنه بعد كل هذا الطرح يضع إعتقاداته "الطائفية" موضع المسلمات لتأكيدها بقوله "إني المدعو علي شريعتي المُتهم بجميع الإتهامات التي يقدر اللسان أن ينطق بها، اعتقد اعتقاداً كاملاً بـ:

1ـ وحدانية الله.

2ـ حقانية جميع الأنبياء من آدم (ع) حتى محمد (ص),

3ـ رسالة النبي محمد (ص) وخاتمية نبوته.

4ـ ولاية الإمام علي (ع) وإمامته ووصايته.

5ـ العترة الطاهرة بصفتها باب العصمة الوحيد للوصول للقرآن والسُنة. (!!)

6ـ إن إعلان النبي (ص) عن إمامة علي (ع) ووصايته لم يتم في غدير خُم فحسب، بل في واحد وعشرين مكاناً آخر إستخرجتها ودرستها جميعاً.

7ـ إن الشورى (البيعة والاجماع والديموقراطية) هو مبدأ إسلامي إلَا أنه لا يُعمل به إلَا في حالة عدم وجود المبدأ الأهم وهو الوصاية...

8ـ كانت للنبي رسالتان: الأولى هي إبلاغ الوحي والثانية هي بناء الإمامة التي تستمر تحت قيادته هو وأوصيائه الأثني عشر.

9ـ إنقسم الإسلام بعد السقيفة إلى قسمين: التسنن وهو الإسلام الذي سيَرته الطبقة الحاكمة وترعرع على أيدي الحُكام والأئمة التابعين لهم، والتشيع الذي أخذ مجراه بين الأوساط المحرومة والناس المظلومين الناشدين للعدالة. فأصبح الإسلام الأول إسلام الخلافة والتمييز والإستبداد والإستغلال، وظل الثاني إسلام الإمامة والعدالة والحرية والمساواة.

10ـ الخلافة (بطبابعها السُني) هي التي إنتصرت في التاريخ، ولم تتحقق الإمامة على الصعيد الجتماعي فحصلت الغيبة.

11ـ عصر الغيبة هو عصر مسؤولية الناس في القيادة الاجتماعية للعصر الذي يختار قائداً لهم تحت عنوان "نائب الإمام".

12ـ يؤمن شريعت بمدأ الإنتظار، لا بمعن إنتظار ظهور الإمام، بل بمعنى ثورة الناس على الظلم المُهيمن على العالم، لأن الإمام المهدي هو الذي ينتظر ثورة أتباعه ومريديه ليخرج للعلم كي يملأه عدلاً بعد أن مُلأ جورا.

13ـ يُرادف شريعتي بين التشيع وبين الإسلام، فـ "التشيع لا يعني شيئاً سوى الإسلام أي القرآن والسنة وأن هذه المُعادلة هي المُعادلة الصحيحة" عنده:

التشيع العلوي = التسنن المُحمدي = - (الخلاة السياسية + لاأنواع التمييز العرقي والقومي والطبقي).

14ـ يؤمن بالتقليد، أي تقليد الناس للفقيه المُتخصص في الفروع العلمية والأحكام الفقهية أ والتقليد الفني والتخصصي والعلمي لا التقليد العقي والفكري ولا التقليد في أصول الدين.

15ـ يؤمن بالتقية لا بسبب الخوف حسب قوله، بل حفظاً للإيمان ولا تشبهاً بالبطَالين الذين لا يشعرون بأيَ مسؤولية بل تشبهاً بالمؤمنين الذين يُجاهدون سراً من أجل إنتصار الحق والعدل والإمامة (مبدأ الكتمان في النضال). عجيب أمر هذا الرجل، كيف تجده يُناقض نفسه بنسه، فهو يدعي أن أبا ذر مثاله الذي يُقلده، ولم يكن أبو ذر يتقي الإعلان في رفض الظلم وقولة الحق بوجه حاكم ظالم!!.

16ـ يؤمن بالاجتهاد، حينما يكون معناه "الجهد العلمي الحُرَ الذي يبذله المتخصصون والواعون في البحث الدائم عن الحقائق الإسلامية والتكامل في فهم الإسلام. وعجيب أمر شريعتي هنا أيضاً، فهو يرفض التسنن ويربط بين التسنن وبين الخلافة بوصفها تسلطاً، من جهة، ومن جهة أخرى يدعو للتكامل الإسلامي!!، وكيف بالواعين في بحثهم الدائم عن الحقائق الإسلمي إن توصلوا لمسلمات هي خارج مُسلمات شريعتي هذه؟!!. هل يقبلها شريعتي بوصفها حقائق؟ أم ستكون مجرد توهمات، لا لشيء إلَا لأنها لا تتطابق ومسلماته!!.

17ـ يؤمن بالمرجعية العلمية ونيابة الإمام لتصدي القيادة الفكرية والاجتماعية...، وما هو موقف ممن يرفض الإيمان بوجود هذه المرجعية وال‘تراف بها، وهو يعتقد في قرارة نفسه أنه مُسلم ومؤمن بدين الإسلام بمرجعياته الخارج شيعية، وربما يكون رافض للسطة وناقماً منه وهو مع الفقراء ومُدافع عنهم، فما هو حُكمه في ضوء مُسلمات شريعتي هذه!!.

18ـ يؤمن بدفع الزكاة وسهم الإمام، وما حكم من يؤمن بدفع الزكاة ولا يؤمن بدفع سهم الإمام وفق تفسيره وفهمه للنص القُدسي؟!!.

19ـ يؤم بإقامة مراسيم العزاء في شهر محرم وعاشوراء وإحياء ذكر الأئمة. وما هو رأي شريعتي بطرُق التعبير عن هذه المراسيم وه الناقد للتشيع الصفوي؟ وما هو موقفه من المسلم الرافض لمثل هذه الشعائر ويعتقد بأنها بدعة ولا أصل سُننس لها؟!!.

20ـ  يؤمن بشفاع النبي والأئمة الأطهار. ولم يُبين لنا موقفه من القائل  "لا شفاعة إلَا لله" "من ذا الذي يشفع عنده إلَا بإذنه" (البقرة/ 255)؟!!.

21ـ يؤمن بالدعاء لا بوصفه وسيلة للتخدير وبديلاً عن العملـ بل طريقاً لتنمية القيم الإنسانية.

22ـ يُفرَق بين تشيعين: التشيع العلوي، تشيع الشهادة الأحمر، والتشيع الصفوي، تشيع العزاء الأسود. (شريعتي: دين ضد دين/178ـ183).

       

 

 

في المثقف اليوم