قضايا

حضارية الدولة ام مدنيتها؟

الدولة كيان اعتباري، وشخصية معنوية، تعبر افضل تعبير عن انسانها؛ فالانسان الفاشل ينتج دولة فاشلة، والفاسد يقدم دولة فاسدة، والمدني ينتج دولة مدنية؛ وذلك لان الدولة بناء فوقي تعبر عن حراك اجتماعي وفعل انساني؛ لان الانسان يشكل البنية التحتية للدولة. قبل الحديث عن دولة ايا كان لونها، لابد ان تكون البداية من الانسان؛ لانه هو البداية وهو الغاية والهدف.

 المدنية والحضارة

قبل الحديث عن مدنية الدولة او حضاريتها، لابد من تحرير محل النزاع - كما يقولون - ولابد من تحديد المصطلحات، لكي تكون الامور جلية واضحة . مفردات: المدنية والحضارة والبداوة مفردات مرتبطة بالمكان، فالمدني ساكن المدينة، والحضري منسوب الى الحاضرة، والبدوي من يعيش حياة الصحراء التي لاتعرف الهدوء ولا الاستقرار؛ ولذلك فالاقلاع نحو المدنية والحضارية اقلاع من المكان .

تعريف المصطلحات وتحديدها

لا يوجد تعريف ماهوي للحضارة والمدنية والثقافة؛ ولذلك وقع الاختلاف في التعاريف بين الباحثين . والتعريفات - كما يقول المناطقة - على ثلاثة اقسام:

1- التعريف بالذاتيات: كتعريف المناطقة للانسان؛ فقد عرفوه بالجنس والفصل، وقالوا بانه: " حيوان ناطق"؛ لان الجنس والفصل " الحيوانية والناطقية " من ذاتيات الانسان .

2- التعريف بالعرضيات: كتعريف الانسان بانه: ضاحك، وهذا ليس تعريفا بالذاتيات وانما بامور عرضية كالضحك، الذي هو عرض، او خاصة كما يقولون.

3- التعريف بالمثال اواللفظ، كما لوقلت: " الضيغم اسد، فهذ ليس تعريفا بالذاتيات ولابالعرضيات، وانما فقط استبدلت لفظا بلفظ.

وتعريف هذه المفردات، هو من القسم الثالث؛ لذلك وقع الاختلاف في تعريفها بين الباحثين.

 هناك من يقول ان الحضارة تعبر عن الافكار والمعتقدات والفنون والعادات والتقاليد، والمدنية تعبر عن الجانب المادي، وهناك من عكس الامر، وهناك من جعل الحضارة جامعا وناظما للعناصر المعنوية والمادية.

والذي اميل اليه، ان المدنية هي الجانب المادي، والمكتسبات المادية للحضارة، والثقافة هي الافكار والمعتقدات والجوانب المعنوية، والمركب الجامع بين الاثنين هو مانسميه الحضارة .

الانسان المدني والانسان الحضاري

وبعد وضوح المفردات والمصطلحات نستطيع ان نقول: ان الانسان المدني: هو الانسان الذي يستخدم، ويحسن استخدام مكتسبات الحضارة المادية، فالانسان الذي كان يركب الجمل، واليوم يركب السيارة، نقول عنه: انه متمدن، ولانقول متحضر

فكل المجتمعات البدوية اليوم تستخدم الهاتف النقال، والسيارة والطائرة، والانترنت، وهذا يجعلها متمدنة، لامجتمعات حضارية. اما مفردة الثقافة: فهي التعبير عن الرقي في الافكار والفنون والذوق الادبي، وهذا هو الجانب المعنوي من الحضارة

فالانسان الذي يستخدم التكنولوجيا، ومكتسبات الحضارة المادية، انسان مدني؛ لانه ليس بالضرورة كل من يستخدم مكتسبات الحضارة المادية من تكنولوجيا ووسائط نقل حديثة، ووسائط اتصالات، يحمل ذوقا رفيعا، وثقافة عالية، وقيما سامية .

 نعم: الانسان المدني خطوة مهمة للوصول الى الانسان الحضاري، الذي هو الانموذج الامثل الذي يتطلع اليه انسان اليوم، الغارق في مشكلاته وازماته وحروبه وجشعه.

هناك منظمات المجتمع المدني، وهي خطوة مهمة باتجاه صناعة الانسان الحضاري، ولكن ليس من الضروري ان يكون كل من انخرط في منظمات المجتمع المدني، هو انسان حضاري، فهناك اناس يدعون الى المجتمع المدني، ولكن يفتقدون الاسلوب الحضاري في حواراتهم . المدنية استخدام لمنتجات الحضارة المادية، والحضارية هضم وتمثل لقيم الحضارة، ومعانيها النبيلة، من احترام الراي الاخر، وقبول الاختلاف.

 الدولة المدنية والدولة الحضارية

الانموذجات للدول المدنية في الغرب، ساهمت في تمدين الانسان، والارتقاء بتعليمه، ونمو معارفه ، وتدريبه على قيم التسامح، والحرية، ولكن يبقى انموذج الدولة الحضارية، هو الانموذج الذي يسعى اليه الانسان اليوم؛ لان الدولة الحضارية هي دولة الانسان بغض النظر عن لونه ودينه ومعتقده.

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم