قضايا

تأصيل فكر جلال العظم

ali almirhigبدأت ملاح الإتجاه النقدي بالظهور في الفكر العربي الحديث، ممثلة بالإتجاه الإحيائي الذي مثله "زعماء الإصلاح" مثل: الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده وخير الدين التونسي والكواكبي وقاسم أمين. كان أصحاب هذا الأتجاه أقرب لـ "الأصالة". من جهة أخرى كان هناك أصحاب الإتجاه الحداثي، الذين تأثروا بمعطيات الحضارة الغربية وتبنيهم فكرة نسخ التجربة الغربية ومحاولة إتباع أهم الخطوات التي إتخذها مفكروا الغرب لتحقيق التقدم الذي هم فيه، كان أغلب المفكري وأصحاب هذا الإتجاه الأوائل هم من بلاد الشام (سوريا ولبنان): أهمهم يعقوب صروف وشبلي شميل وفرح أنطون وسمير مراش وبطرس البستاني ونجيب عازوري وحتى أحمد فارس الشدياق رغم تحولاته. جميع هؤلاء المفكرين كانوا ميالين لتخليص الدين من السياسة، وفصل الدين عن الدولة، لأن رسالة الدين رسالة سماوية نقية والسياسة فيها من الأوحال ما يُشوه الأبعاد الأخلاقية والقيم التي جاءت تدافع عنها الديانات السماوية، لأن السياسة فن الممكن، لا يوجد فيها عدو دائم ولا صديق دائم، لا كافر ولا مؤمن. هي فن صناعة الدولة الوطنية التي يعيش فيها الجميع وفق القبول بمدأ المواطنة التي تقتضي القبول بالمشاركة في القرار السياسي والقبول بالمُغايرة والتنوع المجتمعي بوصفه الأساس في إثراء التثاقف والتفاعل المعرفي والقيمي والجمالي والعلمي.

دولة المواطنة هذه لا تُحققها بحسب رؤيا العظم سوى الدولة ذات الآيديولوجية العلمانية التي تجعل "ما لقيصر لقيصر وما لله لله" بمعنى، أن الدولة تدار وفق قوانين الأرض لا وفق قوانين الغيب، وأن علاقة الإنسان بربه هي علاقة لها طابع الخصوصية.

إن ما يحكم مسار أصحاب هذا الإتجاه، هو سعيهم لبناء الدولة الوطنية ذات النزوع الوحدوي العروبي، فقد كان أغلب هؤلاء يُعانون من هيمنة "دولة الخلافة العثمانية" التي كانت تحكم بإسم الدين، ودين الأغلبية هو الإسلام، الأمر الذي يعني ضياع حقوق الأقليات الأخرى، لأن مقياس الأفضلية في الدولة الدينية ليس "المواطنة" والإيمان بالمساواة، وإنما هو الإنتماء للدين.

كانت مشكلة الدولة الدينية، والدولة العثمانية، التي حكمت البلدان العربية آنذاك، هي أنها لم تكن تحكم بإسم الدين فقط، بل كانت، دولة تُعاني من التخلف والفساد وتفشيه في كل مؤسساتها ومفاصلها، فضلا عن إهمالها للتعليم وإصرارها على تفشي ظاهرة الأمية وشيوع التخلف في البُلدان العربية، وتغافلها الجاد للتجربة الأوربية الناجحة في مجالات عدة، أهمها: التربية والتعليم والإدارة والعلوم الطبيعية والرياضية، فبقي التعليم في حال وجوده أسير الطريقة المُلائية في التلقين والحفظ وأسير "الرٌبط" و"التكايا" الصوفية، لذلك بقي التعليم متخلفاً، ولم تُحاول الدولة العثمانية الإرتقاء به، لا سيما في البلدان المسيطرة عليها. لذلك كان هم رواد الإصلاح ورواد الحداثة هو الدعوة للإفادة من التجربة الغربية في كيفية تطوير التعليم والدعوة إلى السعي لأدخال المناهج الحديثة مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء، ولا يكون التعليم مقتصراً على العلوم الدينية والفقهية، وهذه الدعوة كانت من أسس الأصلاح في فكر محمد عبده الذي سعى جاداً لتحديث المنهج التربوي والتعليمي في الأزهر إنسجاماً مع تحديثه في المدارس الأوربية الحديثة آنذاك.

كان رواد الحداثة أكثر جديةً في الدعوة لضرورة بناء المدارس الحديثة على غرار المدارس في أوربا، لا سيما وإن جُلَهم قد درس العلوم الحديثة في المدارس والجمعيات التي كانت تفتحها البعثات التبشيرية في بلاد الشام.

تأثر رواد الحداثة العربية بالإتجاهات العلمية والسياسة الأوربية، فقد إطلع أغلبهم على الفلسفة التطورية ممثلة بـ "دارون" وبشروحات "بوخنر" لنظرية النشوء والإرتقاء التي بشر بها شبلي شميل في الفكر العربي الحديث وإسماعيل مظهر بترجمته لكتاب "أصل الأنواع" لدارون[1]. كان لنظرية دارون الأثر الكبير في خلخلة مقولات الفكر الديني في أوربا والعالم أجمع وكان لها صداها في الفكر العربي الحداثي وحتى الإصلاحي، فقد سعى محمد عبده في تفسيره للقرآن الذي أكمله تلميذه رشيد رضا للأفادة من النزعة التطورية في تفسيره لبعض آيات القرآن الكريم، فضلا عن سعيهم الجاد للتوفيق بين الدين والعلم، تلك النزعة التي نقدها العظم بشدة.

وللنزعة المادية حضورها وتأثيرها الفاعل في الفكر العربي الحديث والمعاصر، لا سيما المادية التاريخية والمادية الجدلية ووليدتهما النزعة الإشتراكية العلمية.

 وبفلسفة نيتشه وبنزعته للخلاص من سطوة الدين ببعده الأسطوري والغيبي الذي لا يصنع سوى الإنسان الجبان والخانع، والأجدر بنا أن نكون أقوياء وألا نكون ضحية فكرة الله المخيف التي خلقتها الديانات السماوي أو رجالاتها، لأن "الله قد مات" و"أن الله الذي مات في أوربا بدأ يحتضر في كل مكان تحت وقع المعرفة العلمية والتقدم الصناعي والمناهج العقلية في تقصي المعرفة والإتجاهات الثورية في المجتمع والإقتصاد".

وجاء زمن "الإنسان الأرقى" الذي يقلب القيم الدينية السائدة، مثل: العبودية والضعف والغفران والنجاة السماوية والخلاص التي قبل بها الإنسان المسيحي وهي قيم القوة الشجاعة والنجاة الأرضية التي يخلقها الإنسان بفعل إمتلاكه للإردة "إرادة القوة".

 كما شارك العظم برتراند رسل إيمانه بأن لا حياة بعد الموت لأن لا أساس علمي لمثل هكذا إعتقاد.

يؤمن العظم بصراع الدين مع العلم، وبإختلاف النظرة الدينية عن النظرة العلمية متأثراً ببرتراند رسل وإيمانه بأن النهاية المميتة لجميع الأشياء هي الفناء والعدم ولا أمل لكائن بعدها بشئ أنه من السديم والى السديم يعود.

و أيضا يشارك العظم لابلاس رأيه في الله حينما سأله نابليون ما المكان الذي يحتله الله في نظامك فأجاب لابلاس "الله فرضية لا حاجة لي بها في نظامي"[2].

تلخيص كتاب نقد الفكر الديني[3]

ركز العظم في نقده للفكر الديني على البعد الميثولوجي لأنه يعتقد أن الإنسان كائن ناطق هو قول صحيح، لكنه في الوقت نفسه ينسج الميثولوجيا، ويؤمن بها كما لو كانت حقائق واقعية فهو إذن كائن خرافي أيضا. العقل العربي عقل أسطوري وديني إن كان شكل أو صورة ضمنية.

كتابه هذا مناقشة علمانية علمية لهذا التصور لأنه وجد أن مهمة التفكير الديني السائد الدفاع عن الآيدلوجية الغيبية والتنظير لها والدفاع عنها وتبرير محتواها.

أخذ العظم على عاتقه تبني مهمة التفكير العلمي المتضمن النقد المستمر للآيدلوجية الغيبية السائدة على كافة المستويات. وكذلك نقد بعض القوى التقدمية وجدت في الدين عكازاً تتكئ عليه في تهدئة الجماهير العربية ولتغطية عجزها وفشلها.

الآيدلوجية الدينية هي السلاح النظري بيد الرجعية العربية في حربها المفتوحة ومناوراتها على القوى الثورية والتقدمية.

 يلعب الفكر الديني دورالسلاح (النظري) في تزييف الواقع وتزوير الوعي، تزييف حقيقة العلاقة بين الدين الإسلامي ـ مثلاًـ والعلم الحديث. تزييف العلاقة بين الدين والنظام السياسي مهما كان نوعه (إشتراكي، رأسمالي). فضلا عن تزييفها لحقيقة الصراع الإجتماعي القائم في الوطن العربي بين قوى إجتماعية ثورية صاعدة وقوى رجعية معطلة، بين  قوى مسيطرة وقوى متمردة مستغلة.

لم ينتقد العظم الدين بوصفه ظاهرة روحية نقية وخالصة، بل ينظر الى الدين بوصفه مجموعة عقائد وتشريعات التي تحيط بحياة الإنسان. لكنه يرفض العظم ظاهرة التسليم الساذج للدين. لذلك هو يؤمن بوجود نصوص لا تخضع للنقد الموضوعي ولدراسة التجربة.

قصة إبليس

يميز العظم في قصة إبليس بين الإرادة الإلهية والمشيئة الأرضية، الإرادة ممكن أن يطاع وممكن أن يرفض، لذلك فأمر السجود لآدم هو أمر إبتلاء وليس أمر مشيئة (63).

إن جحود إبليس لأمر السجود وربط خطايا البشر به، أمر يحتاج لإعادة نظر لأنه يبرأ الإنسان من فعل الخطيئة لأنها من فعل إبليس، فتضعف بذلك محاسبة الذات ونقده. لا يوجد شك في جحود إبليس وعصيانه، ولكن هذا الجحود من وجهة نظر العظم كان أعظم تقديس للذات الإلهية وأكبر مثل على تمسكه بحقيقة التوحيد. "أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" (69)، وهنا تكمن مأساة إبليس بإعتبارها مزيجاً من المأساة والإثم، من الجمال والقبح من الخير والشر من الحق والباطل.

يتناول العرض قصة خلق آدم من طين وأمر الله للملائكة بالسجود اليه مستعرضا موقف ابليس الذي رفض السجود الأمر الذي دعى الله الى طرده من الجنة. يرى العظم أن في هذه الآيات التي تحدثت عن هذه القصة بعد إسطوري . يتسائل العظم ألا يعد وجود كائنات مثل الجن والملائكة وابليس وهاروت وماروت وإجوج ومأجوج، وجودا حقيقا غير مرئي أحيانا قريبا من الإسطورة؟

توقف العظم أمام صورة إبليس ومن كتاب "تلبيس إبليس" الذي وصم فيه مؤلفه الفرق والمذاهب المخالفة بأن لبسها إبليس مثل السفسطائية الدهرية الطبائعية وأديان الشرق الأقصى والمسيحية وعلم الكلام وتأكيده أن فرقة المعتزلة هي من أعمال إبليس ونتيجة لتلبيسه على المفكرين والعلماء (ص29ـ44). وهذا الحكم ينسحب حت على الفلاسفة وحتى المسلمين منهم "ارسطو وأصابه لإدعائهم كمال العقل" ( 164ـ165).

كانت دراسة العظم لقصة إبليس منصبة على التركيز على البعد المثيولوجي، ولا يدخل بحثه في مسألة الإيمان الديني القرآني.

يرى أن قصة إبليس هي عبارة عن "مأساة" هي مزيج من مأساة الغربة بالإنفصال عن وضعه الذي خلق عليه بوصفه من الملائكة والغربة عن الحبيب أي الله والسجود للعبيد وهو آدم، لذلك كان إبليس في محنته هذه مسيراً في جميع خطواته وفقاً للقدر الذي عليه الله (70ـ71). وهو يخاطب ربه "كما أغويتني لأزينن لهم في الأرض". فهو ليس مسؤلاً عن مصيره ومآله (72)، بدليل مرجعية آدم لربه وطلبه المغفر، لكن إبليس لما كفر الإنسان بربه خاطبه قائلاً "إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين" وحينما خاطب إبليس ربه قائلاً "فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين" قد بين أن لا شئ أعز عنده من عزة ربه حتى بعد أن نزلت آية اللعنة 73.

من وجهة نظر العظم نجح إبليس في التجربة الإلهية، لأنه علق مفعول واجبات الطاعة الجزئية ليذعن للمشيئة الإلهية ويمسك بواجبه المطلق في التوحيد والتقديس  (75). وأذعن إبليس للمشيئة المطلقة لممارسته التامة للواجبات الجزئية وواجبات الإبتلاء بالنسبة للواجب المعلق، لو أمتثل لها لفشل في التجربة (76).

لم يسلك إبليس سلوك الملائكة بالنسبة لواجباته الجزئية نحو الله بل سلك سلوك القديسيين والصالحين والمقربين(76).ولو دار في خلده يوماً أن لعنته ليست أبدية وأن خاتمته النهائية ليست جهنم وبئس المصير لأنقلبت محنته من تجربة مفعمة بالمأساة الى مسرحية هزلية، (77). لأن التجربة بحد ذاتها تتطلب ذلك، فلو إعتقد إبليس مثلاً أن اللعنة التي نزلت به كانت مؤقتة فأمل بالعودة للجنة لفقدت التجربة مغزاها ومعناها، ذلك لأن تمسكه التام بحقيقة التوحيد بالرغم من يأسه التام من النجاة، هو دليل إجتيازه التجربة بنجاح، تماماً كما يأس إبراهيم من إنقاذ إسحاق، قول الإمام المقدس على لسان إبليس "خلقني كما شاء وأوجدني كما شاء وإستعملني كما شاء فقدر على ما شاء فلم أطق أن أشاء إلا ما شاء، فما تجاوزت ما شاء، ولا فعلت غير ما شاء  ولو شاء لردني الى ما شاء. وهداني مما شاء ولكنه شاء. فكنت كما شاء. فمن يكون على القضاء عوني. ومن يطق من القدر صوتي. ولكن كل ما يرضيه مني، رضيت به على رأسي وعيني. يا هذا ما حيلة من ناصيته في قبضة القهر وملكه بيد القدر. وأمره راجع الى حكم القديم. وقضى الأمر وجف القلم". نقله عن كتاب "تفليس إبليس" ص13، في نقد الفكر الديني (78).

ظهور العذراء

الذين يقولون بظهور العذراء وقعوا بسقطة دينية من حيث  هم لا يدرون لأن كل ما ليس له وجود مادي لا تسجله الحواس ولا تلتقطه العدسات ولا ينطبع على الإسلام  (102).

إن من يرى بقعاً من الضوء عبر صور الكاميرا للسماء بأوقات مختلفة سيجد صوراً عجيبة غريبة في أشكالها وخطوطها، وإذا كان لديك خيال واسع فبإستطاعتك أن ترى في الصور كما تريد (102). تناول العظم بالنقد المفصل لما شاع حول ظهور العذراء على واجهة إحدى الكنائس في مصر بعد هزيمة 1967م، وتبني الترويج لها من قبل مؤسسات إعلام الدولة الرسمي، منكرا الحال بشواهد علمية، رابطا بينها وبين الهزيمة ومحاولة النظام السياسي التغطية عليها، عبر التلاعب بعقول عامة الناس الميالين للإعتقاد بالبعد الغيبي والأسطوري واللجوء له والركون عليه في ساعات الهزيمة والإحساس بإنسداد أفق الحل في الواقع المعاش. فعادة ما يربط اللجوء للإيمان في المعجزات واللجوء للغيب في عصرنا بالعجز الكامن في نفوسنا (وإستجداء النصر من السماء)

أكد العظم أن الفكر المسيحي المعاصر إعترف بأن العالم يستطيع الإستمرار والحياة دون أي عائق بدون رجال الدين المسيحي وبدون مؤسسات...

و أن العالم الحديث تمكن من إفراز أنظمة ونظريات تصلح لحياة المجتمع والإنسان المعاصر بدون أن تأخذ بعين الإعتبار الرسالة المسيحية ومعتقداتها ومؤسساتها.

الموقف السياسي

بقي العظم معارضاً لنظام البعث في سوريا، مع حافظ الأسد وحتى بشار الأسد، وهو يعتقد أن الحل في سوريا يكمن في الخلاص من الهيمنة العلوية على السلطة،  فطرح مصطلح "العلوية السياسية"[4]في محاولة منه للفصل بين النظام السياسي بأصوله العلوية وبين العلويين من المواطنيين السوريين، الذين هم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، وبين وهو طرح كان له حضوره في العراق في التمييز بين "شيعة السلطة" وباقي الشيعة، "سنة السلطة" في مقابل باقي السنة، كما جاء في أطروحات (حسن العلوي)[5].

يعتقد العظم أن ما يحدث في سوريا اليوم هو ليس حرباً طائفية كما حصل في الحرب الأهلية في لبنان وكما حصل فيما بعد في العراق، ويعتقد أن ما يجري في سوريا إنتفاضة بالتأكيد، أخذت تشبه في كثير من ملامحها الحروب الشعبية طويلة الأمد ضد السلطة. ويبدو لي أن كُره العظم لنظام البعث جعله أكثر تعاطفاً مع الحركات المُسلحة، وكان ينبغي أن ينتقد العنف الذي مارسته القوى السورية المُسلحة بالقدر ذاته الذي ينتقد به نظام البعث، فكما إنتقد نظام البعث بوصفه نظاماً أحادي السلطة يُمثل مرحلة زمنية قاهرة من زمن حُكم الطُغيان والإستبداد، كان ينبغي عليه التمييز بين حركات التطرف والإرهاب الكثيرة المنضوية تحت صفوف المعارضة السورية، وإن أبدى بعض  تخوف من داعش لأن الحرب في سوريا اليوم ليست حرب كر وفر، بل هي حرب أكلت الأخضر واليابس، وكان الضحية فيها ليس النظام، بل الشعب. 

 يبقى الحل الأفضل عند العظم لتحقيق الألفة هو في الوقوف على أرضية علمانية في مواجهة المشكلات التي تطرح منها على البلد، وأن تكون هذه الأرضية (وطنية لا دينية) ولا تكون هذه الأرضية ولا يمكن تحقيق هذا التآلف إلا على أسس صريحة وواضحة حول نقاط الخلاف والإتفاق بدلاً من تزييف الموقف على أنه إتفاق فحسب. هذه كانت نظرته لحل مشكلة الحرب الأهلية في لبنان، فلماذا لم يستمر في البحث عن مثل هذه الحلول لإيقاف الحرب في سوريا؟!! وهو داعية العلمانية والنزعة الإنسانية التي خصص كتابا مستقلا لشرح رؤيته هو كتاب "الإسلام والنزعة الإنسانية والعلمانية"[6]. الذي تصالح فيه مع الدين والنظر إلى بعده الإصلاحي، فصار أقرب لفكر "زعماء الإصلاح" وصار ينظر إمكانية ألا تتقاطع العلمانية مع الدين حينما ننظر كونها نصوصا لها طابع "تاريخي" محكومة بزمانها ولا ينبغي النظر لها وكأنه قوالب جاهزة تصلح لكل عصر. صار في هذا الكتاب أقرب لليبرالية منه للماركسية.  

 

د. علي المرهج – استاذ فلسفة

...................

[1] ينظر: ألبرت حوراني: الفكر العربي في عصر النهضة، ترجمة: كريم حسقول، دار نوفل، بيروت ـ لبنان، 2001، ص77 وما بعدها.

[2] العظم: نقد الفكر الديني، ص19.

[3] هوامش هذا الموضوع مأخوذة من كتاب نقد الفكر الديني وقد ثبتت أرقام الصفحات بين قوسين داخل المتن.

[4] في حوار معه على قناة الأورينت الفضائية. بتاريخ 7/10/2015. موجود على  اليوتيوب. وقبل ذلك في جريدة الحياة الندنية إستخدم مصطلح "العلوية السياسية" في سوريا و"المارونية السياسية" في لبنان، مأخوذ من شبكة النت عن مقال لزياد ماجد في 30/4/2014.

[5] ينظر: حسن علوي: شيعة السلطة وشيعة العراق، دارالزوراء ـ لندن 2009.

[6] ينظر: صادق جلال العظم: الإسلام وانزعة الإنسانية والعلمية، تعريب: فالح عبدالجبار، دار المدى، بغداد ودمشق وبيروت، ط1، 2003. ة

في المثقف اليوم