قضايا

المخدرات الرقمية.. من الموسيقى ما يقتل

hany jarjisayadلا أحد ينكر ما للتقدم التكنولوجي من فوائد، لكن الحقيقة أنه للأسف كثير من المستحدثات التكنولوجية قد تم توظيفها ليس لإسعاد البشرية ولكن للأسف لاستعبادها، ومن ضمن تلك المستحدثات ما يُعرف باسم المخدرات الرقمية أو بالإنجليزية Digital Drug.

بدأت المخدرات الرقمية عند اكتشاف Heinrich Wilhelm العالم الفيزيائي لها عام 1839 عن طريق تسليط ترددين مختلفين او ما يطلق عليه binaural beats وهى طريقة تم استخدامها لعلاج بعض الامراض النفسية مثل القلق والتوتر والاكتئاب البسيط وكان ذلك في عام 1970 حيث بدأ بتعريض المخ لذبذبات كهرومغناطيسية ينتج عنها زيادة في افراز الدوبامين والبيتا اندروفين مما يمنح المستمع للشعور ببعض الراحة والاسترخاء وبالتالي المساعدة على النوم.

المخدرات الالكترونية أو الرقمية عبارة عن ملفات سمعية غير ملموسة قلما يرافقها بعض الاشكال والحركات التي تعمل على خداع العقل، وبالتالي تستنفر المخ ليعمل على توحيد الترددات التي تختلف عن بعض، وهذه العملية التي تهلك المخ لفهمها وبرمجتها قد تحاكى الشعور بالنشوة الذى ينتاب مدمني المخدرات.

كل نوع من أنواع تلك المخدرات، أي كل نوع من الأمواج الصوتية والترددات تقوم باستهداف نمط معين من النشاط الدماغي، ويتعلق الأمر بمدة التعرض والظروف المواتية له وأحيانا يتم الاستعانة بالبصر لزيادة تحفيز الدماغ.

هذه المخدرات الرقمية عبارة عن ذبذبات صوتية تتراوح أمواجها ما بين ألفا ثم بيتا و ثيتا وصولا إلى دلتا ويؤدي الاستماع إليها لفترة طويلة لأحاسيس متنوعة مثل النعاس أو اليقظة الشديدة أو الدوخة أو الارتخاء أو الصرع والانزعاج.

والفكرة الأساسية في المخدرات الرقمية أن تلك الملفات محملة بأطوال موجية مختلفة بين الأذنين، مما يترك المخ في حالة من الحيرة، ليوحد بين تلك النغمات أو الأطوال الموجية المختلفة، والذي يجعل المخ يفرز مادة الدوبامين المسؤولة عن تحسين المزاج.

توجد المخدرات الالكترونية بعدة أسعار وجرعات حسب الشعور الذي تود الحصول عليه، هناك ملفات قصيرة طولها ربع ساعة ومنها يصل إلى ساعة، كما هناك بعض الجرعات تتطلب منك الاستماع إلى عدة ملفات تمت هندستها لتسمع وفق ترتيب معين حتى تصل إلى الشعور المطلوب.

هناك عدة مقاطع للمخدر الرقمي على موقع اليوتيوب وبلا رقابة من الدولة أو الأسرة منها المجاني الذى هدفه تدمير الامة وشبابها ومنها المدفوع بقصد الربح.

ويوجد أنواع من المخدرات الرقمية واستعمالاتها مثل المخدرات التقليدية، وهي تحمل أسماء تلك المخدرات كل بحسب مفعولها، كالماريوانا والكوكايين وغيرها، إلا أن المخدرات الرقمية تقدمت على سابقتها بالاستخدامات، فبالإضافة إلى هذه الأنواع، نجد من بين استخدامات المخدرات الرقمية إنقاص الوزن، ومسميات أخرى كـ”أبواب الجحيم” والمتعة في السماء”.

تعتمد المواقع الإلكترونية التسويقية لهذا المخدر لجذب وإقناع الشباب ببعض الحجج الصحيحة، ككون هذه المخدرات لا تحتوي على مواد كيميائية قد توثر فيسيولوجيا على الجسم، وأنها تؤثر إيجابا على الجسم، حيث تشعر متعاطيها بالاسترخاء أو بالحركة المفرطة والنشاط.

وتنشر هذه المواقع قصص أشخاص تعاطوا المخدرات الرقمية، فيكتبون عن تجربتهم الناجحة لها وعدم تأثرهم سلبا بها، وتعرض منتجاتها بأسعار تنافسية تشجيعية على عكس المخدرات التقليدية، ما يجعلها بمتناول الجميع.

إن تأثير المخدرات الالكترونية قد يعادل التأثير الذي تحدثه المخدرات التقليدية على عمل الدماغ والتفاعلات الكيميائية والعصبية والحالة النفسية للمتعاطي. ويشجع خلو هذا المخدر من أي مواد كيميائية المدمنين الجدد على تعاطيها ظنا منهم أن لا تأثيرات سلبية لها.

وتزيد الخطورة من المخدرات عن المخدرات الرقمية، إلا أن المدمن التقليدي لن يستطيع الاستعاضة بها عن المخدرات، وذلك لحاجة جسده الفيسيولوجية للمواد المخدرة، ما يعني أنها لا تشكل حلا، بل خطرا إضافيا يتنامى معه عدد المدمنين في المجتمعات, ولكن تسبب المخدرات الرقمية لمتعاطيها نفس الضرر التي تسببه المخدرات التقليدية التي تؤثر على ردة فعل الدماغ بخلق حالة من القوة أو الاسترخاء عند الإنسان، بعدما تتسبب في إفراز للمادة المنشطة للمزاج، والتي قد تؤدي إلى الإصابة بالتشنجات وتدمير الخلايا العصبية، والإعاقة العقلية، كما أنها تؤدى إلى الانعزال والسعي لنشوة زائفة، وكذلك حدوث خلل بالجهاز السمعي.

أن الفئة العمرية التي يمكن ان تتأثر بهذه النوعية من المخدرات تكون غالبا في السن الذي يحب التجربة والمغامرة (بداية سن المراهقة حتي 20 عاما) حيث إن الفترة الأولي من المراهقة يكون لدي الشباب حماس شديد لتجربة كل شيء بدءا من السجائر وصولا للإدمان، وبما أن المخدرات التقليدية لها أثار جسدية واضحة من فقدان للوعي أو رائحة زاعقة للسجائر تعرض الشاب للوم من الأهل أو احتجاز الشرطة له حال تفتيشه بحيازته للمخدرات، يلجأ الشباب لـ”ديجتال دراجز” عن طريق تحميل ملفات صوتية في حجرته المغلقة دون النزول للشارع؛ لتعطيه لذة المغامرة والتجربة دون خوف من فضح أمره.

وهناك علامات يجب الانتباه لها حتى لا يقع اولادنا فريسة للمخدرات الالكترونية وهي جلوس الأبن لساعات طويلة داخل غرفته منعزلا عن العالم، ويضع سماعات فوق أذنه لسماع موسيقي غير معتادة مثل الميتال والروك، موضحا أن لكل مخدر أضرار سلبية بالضرورة منها الجسدي، حيث تؤثر المخدرات الرقمية على الجهاز السمعي للشباب، فضلا عن الصداع الشديد، وانخفاض في كفاءة الذاكرة الخاصة بالاسترجاع السريع للمعلومات.

وعن الأضرار الاجتماعية للمخدرات الالكترونية، تتمثل في انفصال الشاب عن كافة الأنشطة الإيجابية وانعزاله عن أدواره الاجتماعية، ومن ثم يقضي وقتا طويلا بعيدا عن متابعة دراسته أو عمله، وهو ما يترتب عليه أن يصبح تقدير الإنسان لذاته ضعيف جدا، حيث لم يعد مشتركا مع الآخرين في أي شيء.

وقد عرف العالم العربي المخدرات الرقمية عام 2012 وانتشر تحديدا في دولة لبنان والمملكة العربية السعودية، حيث تناقلت الأوساط السعودية خبراً عن تسجيل أول حالة وفاة جراء تعاطي "المخدرات الرقمية" على رغم أن المملكة العربية السعودية رفعت مستوى التأهب للحد من وصول هذه المخدرات إلى المجتمع عبر الانترنت، إلا أن وزارة الصحة أقرت بعجزها عن إمكان الوصول إلى معلومة من هذا النوع في وقت قياسي، كما نوهت الحكومة اللبنانية بضرورة زيادة وعي الأهالي لمثل هذه الأنواع من المخدرات، ومراقبة ما يقوم به أولادهم على الانترنت كما دعت جهات حكومية لبنانية مختلفة لحجب المواقع الإلكترونية التي تقوم بتسويق وبيع هذه الموسيقى.

وهناك وسائل لمكافحة المخدرات الرقمية، مثل:

1- يجب عدم وضع جهاز الحاسوب في غرفة الأطفال الصغار، بل يجب أن يكون في مكان مفتوح سهل الرقابة.

2- يجب تشجيع الأبناء على الاندماج في أنشطة اجتماعية و تطوعية تفرغ طاقاتهم بشكل إيجابي و تمنحهم شعور بتقدير الذات.

3- يجب بناء روابط إنسانية مع الأبناء خاصة في فترة المراهقة بما يضمن مصارحتهم لكم لتجاربهم الغير أمنة بدون خوف من العقاب.

4- يجب توعية الشباب بان موضوع المخدرات الرقمية هو مجرد وهم يؤدي لفقدان المال وإضرار الجهاز السمعي ليس أكثر .

5- يجب تشجيع الشباب على الاندماج في أنشطة بناءة على أرض الواقع بدلاً من الغرق في بحور العالم الافتراضي، لا سيماً في الجانب المظلم منه.

وبوجه عام، فانه يجب مراقبة الشباب في سن المراهقة، وعلي الأهالي الجلوس مباشرة مع ابنهم المراهق وفتح حوار واضح معه عن هذه الملفات الموسيقية الخطيرة دون أي هجوم عليه أو التسفيه من رأيه، بل الاستماع إلي وجه نظره ومناقشتها بموضوعية دون إملاء أبوي يفرض للنصائح والتوجيهات دون نقاش.

وضرورة تقديم الآباء للدعم النفسي للأبناء وهم ينتقلون إلي مرحلة المراهقة، نظرا للتغيرات التي تحدث لهم في هذه الفترة فسيولوجيا ونفسيا، ومن ثم فهم في أمس الحاجة لإعطائهم مزيد من الثقة وتقوية الصحة النفسية لديهم، وحثهم علي ممارسة أنشطة تطوعية اجتماعية لتفريغ الطاقة السلبية لديهم واستبدالها بأخري إيجابية.

وفى النهاية فعلى الدولة أن تسهم في وضع قوانين خاصة بمواجهة الجرائم والانحرافات الإلكترونية، فيجب أن يتطور السياق القانوني وفقاً للتطورات التي تحدث في المجتمع والمجتمعات الأخرى، وذلك لمواجهة أي تطلعات غير منضبطة في أي وقت، فوضع قوانين لتلك المخاطر ومواجهتها بالتأكيد يحد من خطورتها وتأثيرها مع الوقت.

وما دام الأمر ارتبط بالشباب فعلى منظمات المجتمع المدني، والمنظمات الاجتماعية ان تقوم بحملات توعية ضد أي مخاطر من شأنها أن تؤثر على سلامة المجتمع، فدورها هام جدا في مواجهة أي مخاطر تحيط بالمجتمع وأفراده.

 

د. هاني جرجس عياد

 

 

في المثقف اليوم