قضايا

شبابنا .. وظاهرة الإلحاد

abdulsalam faroqتزدحم مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات هذه الأيام بأخبار ومناقشات تشير إلي تفشي ظاهرة الإلحاد بين شباب الأمة العربية، علي نحو دفع البعض إلي الصراخ والقول بإننا أصبحنا علي مقربة من نهاية الكون، نظرا لتفشي هذه الظاهرة التي تعني نكران أو نفي وجود الله.

وفي ظني أن هذه المشكلة تعود في الأغلب الأعم، إلي أن بعض هؤلاء الشباب صغير السن، قليل التجربة، يتصورون أن عقولهم الغضة، قادرة على فهم وإدراك واستيعاب، ومن ثم تفسير كل شىء في الكون تقريبا.

الأغرب من هذا وذاك، أنه يري أن هذا الكون بسماواته وأراضيه التي لا يعرف عنها سوي أقل القليل، أن القوانين الطبيعية هي الخالق له. ثم أنه لا يكلف عقله بسؤال بدهي يفترض أن يسأله وهو: ومن خلق الطبيعية، ونظم قوانينها لتكون بهذه الروعة والدقة، ولكي تكون قادرة علي أن تخلق بالتالي كونا شاسعا بهذا الحجم والاتساع، الذي لا يدرك علماء الفلك حتي يومنا هذا سوى (10 %) منه، رغم أن هذه المعرفة البسيطة بحد ذاتها، تقتضي أن يكون علماء الفلك على علم يقيني بكل ما في الكون، وهو ما لم ولن يدعيه أحد من العلماء قط. ولعل معرفة النسبة تقتضي معرفة الكل على وجه الإجمال دون الحاجة إلى التفصيل.

في هذا السياق يخبرنا العلماء أن القوانين الطبيعية تؤكد أن المادة لاتفنى ولاتستحدث من عدم، فمن أين أتت تلك المواد الهائلة شديدة التنوع في الأرض.خاصة وأن الأرض تكاد تكون صفرا بالنسبة لمجرة درب اللبانة التي تكاد تكون صفرا بالنسبة للكون.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ومن خلق القوانين الطبيعية التي أوجدت تلك الكمية الهائلة من الماء في كوكب الأرض؟. خاصة إذا علمنا أن جزىء الماء يتكون من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأوكسيجين. فلو أن الطبيعية هي التي أوجدت الماء من اختلاط الهيدروجين بالأوكسيجين، وهذا مستحيل عمليا، إذا أن اختلاط ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأوكسيجين، ينتج عنه انفجارات مروعة، تستخدم في إطلاق صواريخ المركبات الفضائية والصواريخ العابرة للقارات.

كذلك الحال فلو أن الطبيعية هي التي أوجدت كميات الحديد الضخمة الموجودة في باطن الأرض، وهذا بالطبع مستحيل منطقيا وعلميا، خصوصا أن تكوين تلك الكميات من الحديد، يستدعي بالضرورة قدرا من الطاقة لا تتوفر في كل أنحاء مجموعتنا الشمسية، ولذلك تفتق ذهن أحد الخبثاء، ليتوهم أن الحديد الموجود في باطن الأرض، أنزل إنزالا من خارج مجموعتنا الشمسية. وذات المسألة تسري على الكثير من المواد شديدة التنوع في الأرض، فما بالنا بالمواد في كوننا اللا محدود بالنسبة لعقولنا الهزيلة الضعيفة؟.

لكن بعض شبابنا الغض يظن أن المخلوقات في الأرض برا وبحرا وجوا، وجدت طبقا لنظرية داروين، استنادا إلي بضع عمليات عشوائية استمرت على مدار ملايين السنين، أدت بدورها إلى ارتقاء الخلية الواحدة الحية (Unicell) لتصبح مخلوقات أكثر تعقيدا من عدة خلايا، وهكذا توالت العمليات على مدار السنين، وأنتجت كائنا آخر أكثر تعقيدا ليكون كائنا ذكيا فأكثر ذكاء، حتى ما نراه الآن من كائنات رائعة في البر والبحر والجو. فمن إذن خلق أول خلية حية ومن خطط قوانينها الدقيقة المحكمة؟.

يمكننا هنا أن نسأل علماء الرياضيات هذا السؤال البسيط وهو: هل يمكن طبقا لنظرية الاحتمالات، أن يتكون كائنا ذكيا من خلال ارتقاء الخلية الواحدة الحية على مدار ملايين السنين؟. أعتقد أننا ستتلقى إجابة واحدة تقول ,إن هذا مستحيل عمليا، وحتى إذا حدث مرة فلن يتكرر بهذا التنوع الهائل لما نراه الآن من كائنات رائعة في البر والبحر والجو، فما بالنا بالكائنات والمواد في كل الكون؟.

أعتقد أن التفكير السليم والمنطقي سوف يؤدي بنا تقائيا إلى الوصول إلي حقيقة مفادها وهي:أن هناك قوة قاهرة قد خلقت كل شىء طبقا لمشيئئها و إرادتها وحدها.

كما يمكننا أيضا أن نسأل علماء الرياضيات حول: هل يتسع الكون، وهل سيظل يتسع على مدار بلايين السنين؟. المؤكد أننا سنتلقي إجابة واحدة: نعم يتسع الكون منذ بلايين السنين، وسيظل يتسع. فالكون يتزن طبقا لقوانين نيوتن التي تقول إن قوة التجاذب بين كتلتين تتناسب طرديا مع حاصل ضرب الكتلتين وتتناسب عكسيا مع مربع المسافة بين مركز الكتلتين.

تعالوا بنا نتصور أننا أبدعنا منظومة آلية تتكون من حاسبات عملاقة خيالية وبقدرات حسابية أسطورية وشبكات لنقل البيانات لانهائية تنقل سلاسل البيانات (Data Streams) بسرعة الضوء البالغة (ثلاثمائة ألف) كيلو متر في الثانية الواحدة.

لنسأل ههنا أيضا أحد علماء الفلك عن المسافات بين المجرات وعن أقطار المجرات. سوف تكون الإجابة كالتالي:أن المسافات بين المجرات وعن أقطار المجرات تصل إلى بلايين و تريليونات السنين الضوئية. علما بأن السنة الضوئية هي (المسافة التي يقطعها الضوء في سنة) = (ثلاثمائة ألف) كيلو متر في الثانية الواجدة × (60) (ثانية في الدقيقة) × (60) (دقيقة في الساعة) × (24) (ساعة في اليوم) × (366) (يوم في السنة) = (9486) مليار (بليون) = (9.486) تريليون كيلو متر.

وأنه لكي تنتقل هذه البيانات من الكواكب إلي مركز المجرة للحاسبات الخيالية المزودة بالقدرات الحسابية الأسطورية والشبكات لنقل البيانات ليتم إجراء العمليات المطلوبة على النماذج الرياضية للمجرة سيحتاج الأمر إلى بلايين السنين، وعندها تصبح تلك البيانات عديمة القيمة، لأنها تعبر عن حالة مر عليها بلايين السنين، ولم تعد تعبر عن أوضاع ومسافات الكتل في المجرة. كما أنه من المستحيل أن تصل القرارات التي توصلت لها الحاسبات العملاقة إلى كل المجرة التي تنطلق بسرعات أسطورية فيتغير مكانها في كل لحظة. هذا دون أن ننسى أن القرارات التي توصلت لها الحاسبات ستحتاج إلى بلايين السنين لتصل إلى كل المجرة.

علي هذا النحو يمكننا أن ندرك أن الكون يتزن كله كوحدة واحدة، وبالتالي يلزم أن يتولى حاسب مركزي تلقي البيانات من جميع مكونات الكون وأن يصدر الأوامر والتعليمات لكل مجرات الكون.

بلا ريب أن التفكير العقلاني سيؤدي بنا إلى إدراك حقيقة لا مجال للشك فيها، وهي أن هناك قوة عالمة وقادرة تدير هذا الكون، وقد أبقته متزنا على مدار بلايين السنين لحظة بلحظة.

مرة ثالثة ورابعة فلنسأل علماء الرياضيات، عما إذا كان اتساع الكون يؤدي إلى تغير قوى اتزان الكون مما يؤدي في نهاية المطاف إلى انفراط عقد الكون وانهياره تماما؟. ثم كيف اتزن الكون الذي يتسع بصورة دائمة منذ بلايين السنين؟.

وهناك سؤال أظن أنه الأكثر تعقيدا في هذا السياق وهو: هل تفنى الكواكب والمجموعات الشمسية والمجرات على مدار بلايين السنين؟. أم هل تبتلع الكواكب والمجموعات الشمسية والمجرات على مدار بلايين السنين بواسطة ما أطلق عليه الثقوب السوداء نهائية الكثافة و الإظلام؟.

طبعا سوف تكون الإجابة هي: نعم تفنى الكواكب والمجموعات الشمسية والمجرات على مدار بلايين السنين وتبتلع الكواكب والمجموعات الشمسية و المجرات بواسطة ما أطلق عليه الثقوب السوداء نهائية الكثافة والإظلام.

أظن أن التفكير العقلاني سيؤدي بنا تلقائيا إلى الوصول ومعرفة أن هناك قوة قاهرة تدير الكون، وأبقته متزنا على مدار بلايين السنين. وأنه لابد أن تكون تلك القوة في لحظة واحدة بغير إطار زمني مهما كان ضئيلا، خصوصا وأن الكواكب والمجموعات الشمسية والمجرات في الفراغات التي تنشأ في الكون نتيجة الفناء أوالابتلاع للكواكب والمجموعات الشمسية و المجرات التي تحدث دائما في الكون.

فيا أيها الإنسان الضعيف، عليك أن تعترف بتلك القوة العالمة التي تستطيع أن تخلق من العدم في لحظة واحدة بغير إطار زمني مهما كان ضئيلا.

هذا لأن العقل البشري بطبيتعه، ضعيف وعاجز، فقد أرسلت الرسل من قبل تلك القوة التي تستطيع أن تخلق من العدم في لحظة واحدة، بغير إطار زمني مهما كان ضئيلا. الرسل أعلمونا بأسماء تلك القوة وصفاتها وهدتنا إلى صراط مستقيم يحقق سعادة بني البشر. أتي الرسل بالكتب من عند الله ليعلمونا بمنظومة القيم التي تحقق سعادة بني البشر. الرسل أعلمونا بما يتخطى حدود إدراكنا مثل المخلوقات التي لا يمكن أن نراها مثل الملائكة والجن. الرسل أعلمونا بما يتخطى حدود إدراكنا مثل البعث والحساب والجنة والنار.

أيها الإنسان الضعيف، لتعلم أن الله الذي يستطيع أن يخلق من العدم في لحظة واحدة بغير إطار زمني مهما كان ضئيلا، هو الذي أرسل لنا الرسل لنعلم أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، ولنهتدي إلى الصراط المستقيم، لنكون من سعداء في الدنيا والآخرة.

فلقد بحث فلاسفة الرومان والإغريق، وأعملوا عقولهم سنين عدة ولقرون طويلة فتوصلوا لتصوراتهم عن الله، فكانت أفكارهم سخفا وعبثا وحماقة. حيث تصور هؤلاء الفلاسفة أن الآلهة الذكور يحبون الآلهة النساء، ويعشقون الجميلات من الآلهة، ويتنافسون في الفوز بأكبر عدد من الحسناوات. بل تصور هؤلاء الفلاسفة أن الآلهة تنام وتغفل وتتحكم فيها الغرائز والشهوات. فما أضعف العقل. ولو ترك الإنسان لعقله لهلك.

 

عبد السلام فاروق

 

 

في المثقف اليوم