قضايا

الفكرة والحياة!!

sadiq alsamarai"الفكرة ينبوع القوة وجوهر الإقتدار".. الفكرة تلد الحياة والحياة تلد الأفكار، والعلاقة ما بين الفكرة والحياة ذات أبعاد سرمدية وطاقات مطلقة، ولا يمكن فصل الفكرة عن الحياة إطلاقا.

وفي المجتمعات التي تعطي أهمية للأفكار ومهارات تطويعها وتدجينها وتصنيعها وتنميتها وإستثمارها والتعبير عنها، تتحقق صياغات متميزة ومؤثرة للحياة.

وفي واقعنا الأرضي هتاك العديد من المجتمعات التي خبرت فنون التعامل مع الأفكار وصياغة دلالاتها وتحقيق معانيها وإراداتها، ولهذا تمكنت وتقدمت وأبدعت في أساليب عيشها وآليات وجودها النفسي والثقافي والإجتماعي والحضاري.

وفي مجتمعاتنا العربية هناك إخفاق واضح في التعامل مع الأفكار، بل أن الفكرة مهملة ولا قيمة لها أو معنى، وأنها ذات تأثيرات سلبية أو عاطلة، لفقدان مهارات التعامل معها، لهذا فأن المجتمع يسعى إلى وأد الفكرة ومطاردة المفكرين لأنهم يضعون المجتمع أمام موقف العجز والضعف أو الجهل.

أي أن المجتمع يجهل الفكرة وآليات التفاعل معها، ولا يبحث في المعرفة والخبرة ولا يتجشم عناء المحاولة والتعلم، ولهذا يميل إلى الإهمال والتسفيه وتحقير الحالة ومحقها في أكثر الأحيان.

وبسبب غياب مهارات التعامل مع الأفكار وصناعة مدلولاتها، ترى المجتمع في حالات إضطراب متواصلة تدفع به إلى تداعيات خطيرة وضارة بحاضره ومستقبله.

ونجد الكثيرين يتحدثون بلغة لا تقترب من الفكرة أيا كانت، وإنما يحاولون تأكيد وجودهم الذاتي العنيف المفروض على الواقع بالقوة المدمر لكل هيكلية حضارية معاصرة.

وفي أكثر الأحيان يجنح مجتمعنا إلى تدمير الأفكار وإقصاء المفكرين ومحاربة أي جديد، لأن الدماغ العربي وعبر متوالية الأجيال الراكدة المقولبة في قوالب الرؤى البائدة، صار يمتلك جدرانا صلدة وطاقات سلبية هائلة، ونمطية مرعبة من الصعب تجاوزها والتحرر من قيودها الثقيلة.

وفي كل ما نقرأه ونسمعه تعبيرات إندحارية ومواقف سلبية تدين الأفكار وترميها بما ليس فيها، وتتخذ موقفا حُكميا مسبقا تجاهها، مما يمنع قدرات التواصل والتلاقح وإتساع أفق الرؤية والنظرة.

وهذا هو السائد في الصحافة والإعلام العربي.

فلا توجد ميادين مطلقة لرعاية الأفكار وتحرير طاقات الإبداع العربي، وإنما الميل دائما نحو الخنق والمحق والإلغاء.

فقوة الحركة العربية ذات إتجاهات مركزة نحو نقطة مركزية، بينما مجتمعات الدنيا ذات قدرات خلاقة منطلقة من المركز نحو محيط الوجود الحضاري الشاسع.

وهذا يعني أن الجهود العربية جهود إنكماشية وإندحارية، والجهود المعاصرة في المجتمعات الحرة إنفتاحية مطلقة لا تعرف الحدود، وتؤمن بأن قدرات العقل البشري كونية متنامية الإتساع ولا تنضب.

فهل من دور للفكرة وللمفكرين المعاصرين في بناء الحياة العربية؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم