قضايا

نقمة الوعي الزائف

ali almirhigالوعي الزائف هو مفهوم إستخدمه الماركسيون للدلالة على تضليل الرأسمالية ودُعاتها "البروليتاريا"، طبقة الشغيلة من المسحوقين، يحمل بين طياته الإشارة لهيمنة الوعي الطبقي وشيوع نزعة "الإستغلال" في الطبقات العُليا للطبقات الدُنيا.

ولن نُحاول الخوض في التفسيرات الماركسية لهذا المفهوم، ولكن ما نبتغيه، هو تسليط الضوء على "الوعي الأكاديمي الزائف" عند بعض الموهومين من أساتذة الجامعات العراقية ممن يعتقدون أنهم خرقوا نُظم المعرفة التقليدية، فأوهموا أنفسهم بأنهم مُفكرون بلا فكر، وعُلماء بلا علم، فبعض منهم يجتر كما نحن نجتر مقولات الأسلاف من المفكرين والفلاسفة والعلماء، وآخر يجتر مقولات مفكري الغرب وفلاسفته وعُلمائه، فظن بعضهم أنه فاربيُ زمانه أو غزاليُ التفلسف، ولربما إعتقد أنه إبن رشد العالم والفيلسوف والفقيه، أو إبن عربي، بوحدة الوجود، حيث لا وجود له ولا وحدة تُرتجى عنده لا مع نفسه ولا مع زملائه أو طُلَابه، فهوم موهوم لا يُدرك أنه دارس للفكر لا إبداع عنده، ولم يكن سوى مُتقن لتلقف التعريف من كتب المعاجم، ولا قُدرة له سوى الإكثار من الهوامش التفسيرية.

وإن كتب كتاباً عن رؤى هؤلاء الفلاسفة أو كتب عن تجريبية بعض المسلمين من العُلماء، فلا يعني ذلك أنه صار عالماً وفيلسوفاً لا يُجارى، ففضيلته الشرح والتوضيح إن كانت له فضيلة.

وهناك آخر مثله موهوم بتأليف وتوليف مقولات وآراء فلاسفة غربيين لا يُتقن التحدث بلسانهم، بل لا إستطاعة له للفظ أسماؤهم بما يكون اللفظ الصحيح، فبعضهم يُسمي أفلاطون، إفلوطون، وحين سماعك له لا تعرف أياً من الفيلسوفين يقصد: هل هو إفلاطون أم إفلوطين؟ ولكنك تجد فيه وقاحةً وإدعاءً يُشعرك بأنك لا تفقه شيئاً بلفظ الأسماء ولا علم لك بما علمه هو من فائض معلومات الأغبياء في عوالم الوهم، وأتذكر مرة أنني طلب من تدريسي تدريس نص إنكليزي للدراسات العُليا، فسألته: هل تعرف "grammar" أي "علم "قواعد اللغة الإنكليزية" "النحو"، فنظر لي شزراً، وكأني أهنته، وبعد نهاية الكورس، فحصت الأسئلة والدفاتر الإمتحانية، وأنا "أعرف بعض من الإنكليزية"، فوجدت الإسئلة فيها كثير من الأخطاء، وشككت بالتصحيح فراجعته، فوجدت هناك أخطاءً لا تُغتفر، وبعد إستشارة إستاذ مُحترف تبين ليَ مصداق ما وجدت، فذكرته بالحادثة، فحين ذاك إستحى حيث لم يكن يستحي لا من الله ولا من التاريخ، ولكنه يستحي حينما يجدك أدهى منه وأمر.

ومثلما ذكر صديقي د.صائب عبدالحميد للإشارة حول مثل هذا الموضوع، أقول هناك بعض من أساتذتنا لا يستحون الله ولا من أنفسهم ولا من التاريخ، حالهم كحال كثير من سياسينا، يستغلون جهل بعض من الطلبة من الذي قبلتهم الصدفة في الدراسات العُليا ممن لا يُتقنون القراء ولا الكتابة في المعرفة، كي يجعلوا منهم أتباعاً يقودونهم كما يقود الراعي غنمه.

ونحمد الله أننا بدأنا نتخلص شيئاً فشيئاً من هؤلاء الذين يجترون المعرفة، فيتصورا أنهم من أبدعوها، وللخلاص من هذا الوهم تماماً ينبغي على وزراة التعليم العالي والبحث العلمي أن تطلب من الأقسام العلمية ولجان الدراسات العُليا رفض كل رسالة أو أطروحة تتم الكتابة فيها عن أستاذ جامعي لا زال يعمل في التدريس الجامعي، تجنباً للحرج من زملائه في قسمه الذي يعمل به أو الأقسام العلمية المُناضرة، وإن كان له بعض إبداع فالأيام والسنون كفيلة بالكشف عن مواطن الإبداع هذه، بل ومكامن الخلل في فكره، إن كان فيه إنحياز أو تمذهب أو تملق لأحزاب وسياسات عصره.

وحينذاك نتمكن من تخليص الجامعة العراقية من نقمة الواعي الزائف الذي لا زال رغم سقوط الدكتاتور يُحيق بنا من كل حدب وصوب.

 

 

في المثقف اليوم