قضايا

النّضال من أجل الحرّيّة أوّلا

madona askarسنة 1939 خاضت المرأة الإنكليزيّة غمار العمل دون راتبٍ لتثبت لنفسها ومجتمعها أنّها قادرة على تحقيق ذاتها واستقلاليّتها، ولتبرهن عن هدف بعيد عن الكسب الماديّ والحاجة المادّيّة. ومع مرور السّنين تمكّنت المرأة بشكل عام أن تثبت عن جدارة في مجالات العمل المختلفة وتبوّأت مناصب عدّة، ولا ريب في أنّها حقّقت بشكل أو بآخر جزءاً من طموحاتها. إلّا أنّها في ما بعد باتت وكأنّها مجبرة على العمل نتيجة الظّروف الحياتيّة، وطبيعة التّغيّر الاجتماعيّ الّذي فرض نفسه بحيث أنّها أصبحت ملزمة بالعمل بمعزل عن تحقيق الذّات وإبراز القدرات الشّخصيّة. فما عاد العمل وسيلة لتحقيق الذّات بقدر ما أصبح حاجة لتحسين الوضع الاجتماعيّ. ما يعني أن العمل ليس هو ما يتيح للمرأة تحقيق ذاتها، أقلّه في مرحلة متقدّمة من بلوغ المرأة حرّيّتها الظّاهريّة أو الحركيّة. فإن كانت قد خاضت غمار العمل، ووصلت إلى مبتغاها إلّا أنّها زادت من حملها ضمن هذه المنظومة الّتي أنهكت قواها. فهي ليست متفرّغة للعمل وحسب ويترتّب عليها الالتزام بحضورها المتعدّد المهام. من هنا أهمّيّة السّؤال في حقيقة تحقيق المرأة لذاتها ولحرّيّتها. لعلّها اليوم في مجتمعاتنا خاصّة أضاعت بوصلتها وتاهت عن الهدف الحقيقيّ الّذي يحدّد قيمتها وأهمّيتها.

من المهمّ أن تعي المرأة إبداعها الخاص وقدراتها الفكريّة والنّفسيّة والجسديّة، وتتبيّن موقعها من العالم وأهمّيّة حضورها الإنسانيّ كي لا تضيع قدراتها وسط المهام الكثيرة والمتعدّدة. وكي لا تفقد قدرتها على السّيطرة فتمسي مجرّد آلة منتجة لا أكثر ولا أقلّ. فتحقيق الذّات ينطلق من مبدأ معرفة الذّات وتحديد القدرات الّتي تحتاج إلى التّثقيف والصّقل. وفي هذه المرحلة المتقدّمة الّتي من المفترض أنّ المرأة بلغت فيها شيئاً من الحرّيّة، ينبغي عليها إعادة النّظر في ما تريد وما تهدف إليه حتّى لا تغرق في عبوديّة من نوع آخر، ألا وهي عبوديّة الذّات. وإن كانت المرأة قد تحرّرت نسبيّاً على الصّعيد الاجتماعيّ إلّا أنّها ما زالت مقيّدة من داخلها؛ إذ لم تصل بعد إلى تحقيق إنسانيّتها. وإذا كان العمل قد تحوّل في الوقت الحاضر إلى أمر إجباريّ فذاك يعني أنّه ليس العنصر الّذي يؤدّي إلى تحقيق الذّات. بعض المجتمعات المنغلقة تتدّعي السّماح للمرأة بالعمل بيد أنّها تقيّدها من النّاحية الدّينيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة. ما يستدعي من المرأة تمرّدا هادئا وصامتا لتتمكّن أوّلاً من التّحرّر من داخلها لتحدّد مرادها، ولتتحرّر من عبوديّتها الجديدة ذات القيود الذّهبيّة. ومجرّد الحديث عن سماح أو عدم السّماح للمرأة بالعمل هو بحدّ ذاته انتهاك لكرامتها الشّخصيّة وقلّة احترام لكينونتها. لذلك فالتّثقيف الشّخصيّ للمرأة وانتهاج تدريب على معرفة الذّات وقدراتها يتيح للمرأة أن تقرّر بنفسها أن تعمل أو لا.

عندما تصل المرأة إلى القدرة على القرار الشّخصيّ في إدارة حياتها ووضع أهداف خاصّة بها، وبالتّالي تحقيقها، يمكننا عندها الحديث عن تحرّر داخليّ أوّلاً ثمّ خارجيّ، وإلّا فإن كلّ الجهود الّتي تقوم بها النّساء ستبقيهنّ عند نقطة الصّفر.

 

مادونا عسكر/ لبنان

 

 

في المثقف اليوم