قضايا

هكذا استخدمت الإيديولوجية المرأة في عمليات التجسّس

علجية عيشإن عمل الجاسوس هو البحث عن المعلومات السرية دون أن يحس به أحد مثله مثل اللص الذي يتسلل إلى مكان ما ليسرق شيئا معينا ولأنه معرض للخطر المستمر من أجهزة مكافحة التجسس فهو في اثناء ذلك يفكر في أمنه وسلامته ووسيلة فراره، كما يكون قادرا على السيطرة على أعصابه، ولهذا تتصف أعمال الجاسوسية بالتعقد، والجاسوس أمامه عدو ضخم يتمثل في قوى مقاومة الجاسوسية بجميع أجهزتها وكثرتها وتخصصها، عليه تضليله وعدم السقوط في مخالبه، وهذه مهمة لا يستطيع تأديتها إلا من يسمونه بـ: الجاسوس النموذجي

كل دولة من الدول تقوم بأعمال سرية مستترة سواء كانت في وقت السلم أو الحرب، وذلك لضمان أمنها القومي، هذه الخدمة السرية ليست إلا معركة دهاء لها مراحلها الهجومية والوقائية وهي عبارة عن حرب خفية لها أساليبها وقواعدها، مما جعل هذه الكلمة تدخل في قاموس المصطلحات السياسية، حيث نجد أسماء جديدة مثل الحرب النفسية، وحملات السلام وحرب العصابات والحرب الأهلية وغيرها، فكل دولة الحق في أسرارها الخاصة وهي في نفس الوقت ملتزمة بالمحافظة عليها، كما لها الحق في أن تكشف أسرار الدول الأخرى، هذه الجملة قالها الجاسوس فرانزفون رنيلين وهو من أنجح الجواسيس الألمان في الحرب العالمية الأولى، فالجاسوسية تهدف إلى التفتيش السري على مجهودات الدول الأجنبية للتحقق من قوتها وحركاتها، ثم إبلاغ مثل هذه المعلومات إلى السلطات المختصة بواسطة طرق خفية، وهي تعدُّ واجبا مستقلا، فالجاسوسية قديمة قدم التاريخ عرفها الإنسان، ويعتبر الفراعنة أقدم من استخدم العمليات السرية، وكان طبيبا مصريا قد أرسل من طرف القائد المصري القديم سنوحي إلى بابل، وزوده بمقدار من الذهب ليباشر عمله كطبيب ويكتشف عن كثب خفايا شؤونها، في ذلك الوقت كانت سوريا جزءا من امبراطورية مصر، وكانت بابل وبلاد الحيثيين من أقوى الدول التي تهدد أمن مصر، وكذا بالنسبة لهانبال القرطاجي، فقد ستخدم هذا الأخير في حملة صقلية عميلا له فأرسله إلى صقلية متخفيا في ثياب جندي من أهل صقلية له تاريخ طويل في القتال وذلك للاستيلاء على صقلية، وبذلك ازدادت أهمية الجاسوسية وأخذت أساليبها تتطور، وهذا العمل يحتاج إلى قوة بدنية وذكاء خارق للعادة، كما يتطلب نفقات باهضة.

يثبت المؤرخ المعاصر أرنولد توينبي أن تسعة عشر (19) حضارة تقوضت من الداخل بواسطة شبكات التجسس والمخربين، فقد كانت هذه الأعمار وراء انهيار الإمبراطورية اليونانية والإمبراطورية الرومانية، ولعل الملك رمسيس الأول فرعون مصر أول من نظم شبكة جاسوسية، أما الإسكندر المقدوني فأول من استعمل البريد كوسيلة للتجسس، وعن المهلب أنه كان يوصي أولاده فيقول: عليكم بالمكيدة في الحرب فإنها أبلغ من النجدة، هكذا عرف العرب التجسس في الإسلام كشرط لتحقيق النصر على الأعداء، وسمّى العرب الجواسيس "عُيُونًا"، وكان من أشهر جواسيسهم نعيم بن مسعود الأشجعي الذي لعب دورا مهما في غزوة بدر والخندق، كما اخترق العرب الكتابة بالحبر السرّي من سائل البصل، كما استخدموا عصير الليمون كحبر سري، وفي هذا سبق كبير في فن وعلم التجسس، يقول الإمام الطبري عن الخليفة المنصور المؤسس الفعلي للدولة العباسية، أن المنصور كان يقول: الله توجني أن يكون على بابي أربعة أنفار: قاض لا تأخذه في الله لومة لائم، وصاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي، وصاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية، والرابع.. ثمّ عضّ على سبابتيه ثلاث مرات، يقول في كل مرة آه..آه..آه، فقيل له ومن الرابع يا أمير المؤمنين؟ فقال : صاحب بريد يكتب إلي بخبر هؤلاء من الصحة.

أما الانطلاقة الحديثة للتجسس كانت من الغرب، وكانت على يد الكاردينال ريشيلو الذي جعل من الاستخبارات ركنا من أركان الدولة وقد سمّاها بـ: "الجاسوسية الدبلوماسية"، كما أبدى نابليون اهتماما خاصا بالجاسوسية وهو القائل: " إن جاسوسا واحدا في المركز الملائم هو أفضل وأقوى فعالية من عشرين ألف جندي في ميدان المعركة"، أما الإنجليز فقد أطلقوا على الجاسوسية اسم الخدمة الذكية intelligence service، وسمّاها الفرنسيون اسم المكتب الثاني bureau2، وانطلق الأمريكان في وكالة الاستخبارات المركزية ( c.i.a ) التي أصبحت أقوى وأخطر مؤسسة في العالم وكذلك السوفيات الذين سموا مصلحة استخباراتهم بـ: ( k.g.b ) دون إغفال جهاز الاستخبارات الصهيوني (الموساد)، وليس اليابانيون حديثي عهد بالجاسوسية، فلما قررت اليابان إعداد منظمة كاملة للجاسوسية، أنشأت معاهد لتدريب الجواسيس في أرض اليابان، وفي أرض الصين وفي كوريا، وظهرت هذه المنظمات على أنها معاهد للثقافة الرياضية ومعاهد للمصارعة اليابانية وما شابه ذلك من المنشآت.

والجاسوس كما تقول الدراسات نوعان: الأول هو الجاسوس الذي يتجسس لصالح بلده وهو "الجنديٌّ المجهول" الذي ترفعه أمته إلى مصاف العظماء، وقصة رأفت الهجان خير مثال، و الثاني هو الجاسوس الذي يتجسس لصالح دولة أخرى اي الذي يسرب أخبار بلده لدولة أخرى، وهو الخائن ويسمى بـ: "العميل"، وهذا النوع من الجواسيس هو علامة من علامات الإنحطاط التي يجب التصدي لها في كل الجوانب الإقتصادية، السياسية والثقافية، فكثير من المسؤولين لا يعيرون اهتمام للصفقات والاتفاقيات التي يبرمونها مع دول أجنبية تحت أسماء عديدة ، مثل الاعتماد على خبراء أجانب لإنجاز مشاريع ضخمة قد تدوم سنوات، أو اتفاقات التوأمة باسم التبادل الثقافي، وإيفاد وفود أجنبية بحجة تعلم اللغات الأجنبية وغيرها من الأمثلة، وفي حالة ما إذا كان الجاسوس في مهمة خارج بلده، فمن الضروري أن يكون له مساعدين، يسند إليهم في عمله، فهناك مثلا عميل اتصالات وهو ما يطلق عليه الفرنسيون اصطلاح agent de liaison، كما أن هناك عملاء واجبهم استضافة الجاسوس، ويعدون لهم عناوين إقامة أو يبقى عندهم بعض الوقت لتمويه تحركاته وسترها وليواجه كل المواقف الحرجة التي يمكن أن تواجهه.

والجاسوس أمامه عدو ضخم يتمثل في قوى مقاومة الجاسوسية بجميع أجهزتها وكثرتها وتخصصها، وهنا يمكن الحديث عن "الجاسوس النموذجي"، ولتسهيل المهام فقد استطاعت الإيديولوجية أن تلعب دورا كبيرا في استخدام "النساء" في عمليات التجسس، عملا بالمقولة التالية: "مخدع الرجل مقر أسراره"، فقد رأى مسؤولي الاستخبارات أن أفضل مكان لاستخراج أسرار الرجل هو مخدعه عندما يكون بين أحضان امرأة، والواقع أن هذه العبارة صحيحة إلى حد ما، لأن الرجال تحت التأثير المباشر للعلاقات الجنسية يفقدون القدرة على الواقعية والحكمة، حيث تطغى هنا قوة عاطفية توحي بالثقة بالمرأة، وهي ثقة ليست في محلها، إذ أثبتت حوادث التاريخ أنها اصطناعية، وقد تحدث التاريخ عن نساء كنّ في مستوى الجاسوس النموذجي، نساء من نوع خاص مارسن عمل الجاسوس عن طريق العلاقات الجنسية مع كبار المسؤولين وحتى الحكام، بحيث لم يعد السؤال أيّ نوع من الرجال تتطلبه أعمال الجاسوسية؟ بل النساء أيضا، لأنه ثبت أن النساء أكثر مهارة في عمليات التجسس، تضير بعض الدراسات أن الجاسوس لا يعرف هويته وقد يموت وهو مجهول الهوية، وتعمل بعض الأحزاب السياسية والجمعيات الشبانية والطلابية وكذلك المؤسسات، والشركات الصناعية وعلى رأسها شركات النفط ضمن شبكات التجسس، وهي متعددة الجنسيات، وقد تحمل جنسيات وهمية، ولها فروع في كل بلد بقبعات اقتصادية وثقافية.

 

علجية عيش

للمقال مراجع

 

في المثقف اليوم