قضايا

التصوف الاسلامي.. محمد اقبال نموذجا

محمد فتحي عبدالعال(يا أيها العربي انظر لعصرك في دنيا يفوز بها من أحكم النظرا ..بالسلم بالعدل تبني ما تؤمله إن شئت للارض عمرا فكن عمرا) في هذه الكلمات البسيطة التنظيم وعميقة المعني اوجز شاعرنا محمد اقبال كيف تبني الاوطان الاسلامية وكيف تستلهم بقاءها من السلم والعدل ..

يعتبر اقبال حالة فريدة حظيت بها دولة باكستان فنادرا ان تجد وطنا نشأته كانت حلما لشاعر كما قدر لباكستان فقد كانت افكار اقبال هي الملهمة لضرورة وجود وطن مسلم مستقل في شبه القارة الهندية الا ان القدر لم يمهله ليشهد تحقق حلمه وانفصال باكستان عن الهند غير ان اقبال بقي حيا في وجدان الشعب الباكستاني حتي يومنا هذا ...

كانت نشأة اقبال في بيت صوفي فقد حرص اباه علي تربيته علي الصوفية منذ نعومة اظافره..فكان اقبال يعكف علي قراءة القران يوميا وكان والده لا يكل ولمدة ثلاثة سنوات عن سؤاله : ماذا تفعل فيرد اقبال اقرأ القران ..ذات يوم دفع الفضول اقبال لسؤال والده عن الحكمة من سؤاله اليومي له فكانت اجابة الاب انه يريد ان يطمئن ان ابنه يعيش مع القرآن ويستشعر لحظات نزوله ...كانت هذه بداية اقبال الصوفية النزعة ومع تعليمه الاوروبي اصبح اقبال اكثر قربا من الداء الاسلامي العتيد وهو الجمود فرفض اقبال فكرة ان الاسلام قد تجاوزه الزمن ولم يعد له مكان وسط الحداثه فأعاد صياغة المعرفة الدينية ببعديها الروحي والدنيوي لتكون انعكاسا لما يفرضه الواقع في العصر الحديث من تجديد وتطوير وفي سبيل تأصيل ذلك تبني اقبال نموذج الانسان الفاوستي (الباحث عن المعرفة) وهو جوهر الاسلام الذي بدأ بنزول الوحي علي النبي بكلمة اقرأ...

كان المعول الذي اعتمده اقبال في فلسفته هو تعرف الانسان علي ذاته ومن ثم علي ألهه فيقول اقبال (اخرج النغمة التي في فطرتك يا غافلا عن نفسك اخلها من نغمات غيرك) ويقول (الانسان الذي يعرف نفسه جيدا يخلق المنفعة من الضرر) ثم يعقب خطوة التعرف علي الذات بالعروج الروحي للامة بأعتبارها ذاتا جمعية

كانت دراسة اقبال في اوروبا محطة فارقة في حياته فقد رأي كيف اودت فكرة القومية باستقرار البلدان ودفعتهم في اتون حربين عالميتين اجهزتا علي المثل والقيم ..رأي اقبال في الاسلام القوة القادرة علي توحيد البشر جميعا وقيادتهم الي الحب والاخلاق وتحقيق الامنيات شريطة ان يتخلص من اغلال الجمود والقيود علي العلم ..

كانت خطوات اقبال تقوده الي مسار الصوفية باعتبارها المنظومة الاسلامية الجامعة للبشر برباط وثيق من الحب والمثالية لكن الامر لم يخلو من انتقاد شديد لخلود الصوفيين الي البعد عن الدنيا واعتزال التفاعل مع الواقع وعمران الكون

فبعث اقبال في الصوفية روحا جديدة تجعل من الصوفية قوة جامعة للبشر وفي الوقت ذاته فاعلة ومؤثرة في مجتمعها فالنبي صلي الله عليه وسلم في رحلة الاسراء والمعراج لم يطلب من ربه البقاء وعدم العودة الي الارض وقد شاهد الجنة ونعيمها بل عاد النبي ليكمل مسيرته في الارض هاديا وداعيا ...

 

د. محمد فتحي عبد العال - كاتب وباحث مصري

 

 

في المثقف اليوم