تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

النظريات الداعشية.. اسبابها ونتائجها

قبل القيام بعمل يقوم الانسان بالتفكير فيه. وكذا الحال مع المجموعات كالمنظمات والدول والجيوش. فالتفكيرالنظري يأتي قبل التنفيذ. وفيما يخص الدولة الاسلامية انها تنفذ اعمالها بالاستفادة من خبرة العسكريين البعثيين الذين انظموا اليها بعد احتلال العراق سنة 2003 وباستخدام بعض النظريات القديمة جداً، عمر بعضها اكثر من 1400 سنة، وذلك للتأثير على البسطاء واقناعهم بأن جرائمها مزكاة شرعياً. ان دراسة نظريات داعش ضرورية تجعلنا ان نفهم سر تصرفاتها التي تمتاز بالتوحش البعيد جداً من الحياة المتمدنة. فالمفروض من الانسان المتمدن ان يعتمد على العلوم الحديثة ويستخدمها لتطوير البشرية الى الرقي بدل التلذذ بالقتل او سبي النساء أوبيعهن بالمزلد العلني، كما حدث في الموصل بعد احتلالها في 10/6/2014 حسب تقارير الامم المتحدة. ليست هناك اية فائدة للبشرية عندما تحطم داعش الآثار التأريخية التي حافظ عليها المسلمون اثناء فتوحاتهم. اذ ليس هناك في العراق، اطلاقاً، من يؤمن بعبادة الاصنام. فالنظرية المعادية للاثار التأريخية لا تنقذ احداً من هذه العبادة لعدم وجودهم. وهناك ادلة تشير الى قيام داعش بتحطيم النسخ الجبسية للتحف او بهدم تلك التي لا يمكن نقلها بغية التغطية على بيعها لما يمكن نقلها الى الاسواق في الخليج.

لا فائدة في هذه النظريات للبشرية في القرن الواحد والعشرين حتى اذا ادعى البعض بأنها معجزات. انها لا تفيد الشعوب المظلومة في نضالها للتحرر من الاستعمار. انها نظريات عتيقة اثرت على عقول الاميين قبل اكثر من 1000 عام وانتهت مفعولها. انها افكار تعرقل المتعلمين والمتنورين من الاشتراك في حث الشعوب ولم شملهم وقيادتهم في الكفاح الشاق للتحرر والانعتاع من الاستعمار الانغلو امريكي المجهز بارقى وسائل الاعلام لفضح الافكار البالية. ثم ان الاحداث المؤلمة كعنف الحروب ومعاقبة المناضلين انتهت بتفتيت الشعوب وتشريد، بل قتل، الاعداد الهائلة من المثقفين والمفكرين ومنعهم من القيام بدورهم في حربنا ضد المستعمرين. ليس لنظريات داعش اي دور في تثقيف وتوعية الجماهير المنكوبة ولم شملهم واشراكهم في معمعة النضال الضروري للتخلص من الظلم الاستعماري السائد في بلادنا منذ نشوء الراسمالية الغربية وطغيانها على العالم.

فيما يلي بعض النظريات البالية التي تبثها داعش للضحك على ذقون البسطاء من المنظمين الى صفوفها بغية اضفاء الشرعية على جرائمها: قبل كل شئ تفضح داعش عن جهلها لأنها تؤمن ايماناً جازماً بنظرية تم الاثبات على انها خاطئة. انها تدعي بان الارض مستوية ومسطحة، عدا بعض الجبال والوديان. انها تعتمد في ذلك على نصوص ثابتة لا يمكن تبديلها. لا تشرح هذه النظرية الي اين تمتد الارض وهل لها حافة ؟ ولحد الأن لم يصل الانسان الى هذه الحافة وان حدث ووصلها فسيسقط من سطح الارض اذا حاول ان يتعداها الى مكان مجهول. انها تؤمن بهذه النظرية بالرغم من قيام العالم الرياضي المسلم ابو ريحان محمد البيريوني (973 – 1048م ) بحساب محيط الكرة الارضية ليكون 40000 كيلو متراً. وهذا يختلف عن القيمة المقبولة علمياً باقل من 1%. كما يشرحه العالم العراقي الفيزياوي الشهير البروفسور جميل الخليلي في كتابه

The Golden Age of Arabic Science. Pathfinders, في الصفحة 186. بالطبع تعتبرالدولة الاسلامية البريوني والخليلي كافرين يستحقان العقاب.

تؤمن داعش بان كلباً جاهلاً رافق اهل الكهف وبقي حياً معهم دون تناول الماء او الطعام لثلاث مئة سنة. وتؤمن ايضاً بوجود سبع سماوات يمكن طويها في حين اكتشف علماء الفلك، مستخدمين الاجهزة الحديثة بما في ذلك الاقمار الصناعية، بعدم وجود السماء وبخلو الفضاء الخارجي منها.

بل اكثر انها تؤمن بامكانية خرق السماوات السبعة عن طريق الركوب على حيوان مجنح. علماً بأن الانسان والحيوان يحتاجان الى التنفس والى الاوكسجين الذي يتلاشى ويقل كثافته كلما ابتعدنا من سطح الكرة الارضية. وفي علو حوالي 250 كيلو متراً من سطح الارض هناك الفضاء الخالي من الهواء ومن الاوكسجين فلا يستطيع الكائن الحي الاستمرار في الحياة فيه. تؤمن داعش ايضاً بأن شخصاً استطاع في ليلة واحدة ان ينتقل، دون استخدام أي واسطة من وسائط السفر، من المسجد الحرام في مكة الى المسجد الاقصى في فلسطين . بل ان الانسان تمكن من تنفيذ هذه العملية قبل اختراع الطائرات والصواريخ السريعة الموجودة في يومنا هذا.

ثم هناك نظرية داعشية تشرح قابلية النبي يونس في السباحة. فالمعروف ان الحيوان ( واللبائن بصورة خاصة ) يتناول الطعام عن طريق تقطيعه ثم ارساله الى المعدة لهضمه وسكب الانزيمات عليه الى ان يتحول الطعام الى مستحلب يمكن دفعه الى الامعاء لنقله من هناك عن طريق الدم لتغذية كافة خلايا الجسم.

ترفض النظرية الداعشية هذه الحقيقة وتؤكد ان حوتاً بلع يونس دون تقطيعه او هضمه. ولهذا تمكن يونس ان يسبح داخل جسم الحوت لأكثر من يوم ثم تمكن من الهروب منه لقابليته الخارقة في السباحة، ولو لا هذه القابلية لكان باقياً في بطن الحوت حتى يوم القيامة دون ان يموت او يموت الحوت. لنسأل ما فائدة سباحة يونس او عدمها في تطوير قابلياتنا الكفاحية في يومنا هذا؟ لقد توفى يونس قبل عدة قرون فما حدث به قبل وفاته لايؤثر قيد شعرة على ما يجري الأن في بلداننا المنكوبة.

في سنة 2010 تمكن العلماء في الولايات المتحدة من خلق الخلية الحية من مواد كيميائية لا حياة في اية منها . لقد تمكنت هذه الخلية المكونة من 80 جيناً الانشطار الي خليتين ثم الى اربع خلايا حية وهكذا، تماماً مثلما هو الحال مع الاحياء البدائية كالبكتيريا مثلاً. لقد تم نشر خبر خلق هذه الخلية الحية في المجلات العلمية بل حتى في جريدة الشرق الاوسط العربية في، العدد 11498 بتأريخ 22/5/2010. بالطبع يناقض هذاالاختراع العظيم نظرية داعش في الخلق، تلك النظرية التي تؤكد على عدم قابلية الانسان في خلق الحياة من مواد لا حياة فيها.

ترفض داعش كل ما انتجه العلم الحديث. فطبقاً لمبادئ علم الجينات، مثلاً، والتي تم تدريسه لطلاب الصفوف الاعدادية، العلمية، في المدارس الثانوية منذ نشوء الدولة العراقية في 1921 : تملك الامرأة كروموسومين ذا علامةX, X بينما يملك الرجل كروموسوم X واحد فقط وكروموسوم ثاني هو Y . لا يمكن نقل او تبديل هذه الكروموسومات من الرجل الى الامرأة او بالعكس. ان هذه الحقيقة العلمية البحتة تناقض نظرية داعش التي تبشر ان السيدة (حواء) ذات كروموسومان X , X تم خلقها من ضلع في القفص الصدري لزوجها (آدم ) الذي يملك الكرموسومين X , Y . وكذا الحال مع عيسى ابن مريم المالك لكروموسوم Y اكتسبه من ابيه (يوسف في احسن الاحوال) لأن امه مريم لا تملك كروموسوم Y .

اضافة الى هذه النظريات هناك لداعش قوانين تخص الاحوال الشخصية التي تضع الامرأة في مرتبة اقل من مرتبة الرجل. مثلاً انها تعتبر شهادة الامرأة في المحكمة نصف شهادة الرجل . فيستطيع القاضي ان يصل الى قرار قطعي في اية قضية اذا اكدته شهادة رجلين. لكن القاضي يحتاج الى شهادة اربع نساء او شهادة امرأتين ورجل واحد قبل ان يصل الى قراره.

وفي قضية الميراث تنال بنت الفقيد نصف ما يناله الابن. وبصورة عامة تعامل نظريات داعش الامرأة كمخلوق ثانوي بالنسبة للرجل في كثير الاحوال. فالرجل مثلا يستطيع ان يخطب فتاةً ولكن الفتاة لا تستطيع خطبة الرجل. ثم انه يستطيع ان يتزوج اربع نساء في حين ان الامرأة لا تستطيع الزواج بأكثر من رجل واحد. وهو يستطيع ان يطلق زوجته بحضور شاهدين بينما الزوجة لا تستطيع طلاق زوجها الا في حالات خاصة على ان يوافق القاضي الشرعي على طلبها. على الامرأة ان تتحجب بالرغم من تأكيد شيخ الازهر بعدم وجود الحجاب في القرآن. اما الرجل فلا يحتاج الى الحجاب. والاتعس من كل هذا فرضت داعش الزي الافغاني والباكستاني على المدرسين في الانبار العراقية في حين ان الديانة الاسلامية ظهرت في الحجاز العربي وكان المسلمون يلبسون الملابس العربية ، لا الافغانية، منذ ظهور الاسلام.

والمعروف ان المرجعية السنية ، بما في ذلك الوهابية والنقشبندية وهيئة علماء المسلمين، بل حتى الشيعية في قم والنجف، وهم اعداء الداء لداعش، يؤمون بكل النظريات الداعشية المدونة اعلاه ولا يختلفون معها قيد انملة في شرح وتطبيق هذه النظريات. علماً ان النظرية، حتى وان كانت سماوية، مرفوضة الى ان يتم البرهان عليها رياضيأ او مختبرياً . فليس هناك اي خلاف بين المذاهب الشيعية والداعشية حول هذه النظريات. انما الخلاف هو حول من كان له الحق، قبل اكثر من 1400 سنة، في استلام الخلافة والحكم لتطبيق هذه النظريات. فهل كان لابي بكر الصديق وعمر الخطاب وعثمان ابن عفان بل معاوية وذريته الحق ليحكموا المسلمين ويقودوهم في الفتوحات التي تلت، ام كان الحق لعلي ابن ابي طالب واولاده؟ علماً بان علي هو ابن عم النبي محمد بن عبدالله ومن اول المسلمين وان اولاده هم احفاد النبي. ينعت داعش المنحازين لعلي بـ (( الروافض الكفرة )). لنتذكر بأن الخلاف بين الشيعة والسنة لم يأت الى الوجود بعد احتلال داعش لموصل فى 10/6/2014 . بل انه حدث قبل 1400 من هذا التاريخ، فمن الصعب جداً الاعتماد على ماحدث حينذاك لاقناع الشعوب للنهوض لمقاومة الاستعمار الامريكي الذي يحطمنا كل يوم.

من الضروري السؤال عن سبب التمسك بهذه النظريات في يومنا هذا بعد ان تمكن الانسان من تطوير العلوم الحديثة الى مابعد اكتشاف الكهربا والفيزياء الكمية والنووية واختراع الحاسوب الالكتروني والاقمار الصناعية والصواريخ التي تستطيع الوصول الى المريخ.

انني اقترح بان ظلم الاستعمار الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، اعاد المنطقة الى القرون الوسطى، فظهرت الافكارالخاصة بتلك القرون الى الوجود من جديد. ذلك لأن الافكار انعكاس للواقع المادي الذي يعيش فيه الانسان. فاذا تأخر المحتمع الى الوراء تظهر الافكار البالية التي تعكس واقع الظروف السائدة حينها . فاستخدام الطرق الوحشية كالقتل الجماعي وسبي النساء وتحطيم الاثار التأريخية، كانت مفقودة لقرون. انها ظهرت من جديد لأن المجتمع تقهقر الى الوراء. ثم ان الظلم الاستعماري مازال مستمراً ويلعب الدور الرئيسي في اجبار الكثيرين الى النهوض لمحاربة المستعمرين بالاعتماد على الافكار والنظريات المتوفرة. وفي يومنا هذا اختفت معظم الافكار النيرة وبقيت بل سادت البدائية منها. بالتأكيد هناك الأن الحاجة الماسة للتخلص من شرالاستعمار الغربي. لكن المظلومين حرموا من استخدام الطرق المتمدنة، كالديمقراطية والعدالة وحرية الاحزاب العصرية، غير الدينية، وحرية الكلام والعقيدة والصحافة، فلم يبق لديهم سوى الطرق البدائية. لتأخرها الفكري لم تختص داعش في محاربة المستعمرين، انها تجنبت محاربة اسرائيل بصورة كلية. انها اختصت في قتل المسلمين الذين يختلفون معها. ان هذا التخصص كان احد اسباب انشقاقها عن القاعدة التي يقودها الدكتور ايمن الظواهري.

ان احتمال النجاح في تحقيق الحرية بهذه الطرق البدائية يكاد يكون صفرأً، لا لأن المستعمرين يملكون الاسلحة المتطورة فحسب بل ايضاً لأن قسوتهم ووحشيتهم اشد من قسوة ووحشية الداعشيين. وكلما ظهرت حركة، داعشية كانت او غيرها، في منطقة من المناطق يعمل المستعمرون القضاء عليها ومنعها من الانتقال الى المناطق الاخرى. بل اتعس من ذلك لقد تمكن المستعمرون من نقل ساحة المعركة الى منطقة الشرق الاوسط لكي تبتعد من الغرب، حيث يقتل الناس بعضهم البعض ولمدة طويلة، قد تطول لعشرين سنة حسب بعض التقديرات الغربية. هكذا تنتهي الحرب الظالمه بارجاع الشعوب المقهورة الى الوراء اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً وتنظيمياً دون التأثير على النفط المخزون تحت الارض.

 

البروفيسور كمال مجيد

 

 

في المثقف اليوم