قضايا

ترجمة الابداع بين الضرورة والمصالح الفردية

صبيحة شبرفي ظل وجود قلة من الحريات النسبية، يتمتع بها المبدعون من كتاب وشعراء وفنانون، في عالمنا المتخلف، يسعى بعض الكتاب الى تمكين فئات واسعة من الناس،من الاطلاع على نتاجهم الأدبي والفني، وان يحظى بالوصول الى الامم التي تتكلم لغات اخرى، وتكتسب لغاتها العالمية، لأنها دول قوية استطاعت ان تترك بصماتها في احداث العالم، وان تساهم مساهمة فعالة في سير الاحداث، وجعل الناس متأثرين وفاعلين،لما تقرره هي من سياسات، يسعى المبدع العربي او الناطق بالعربية من القوميات الاخرى، الى التعريف بنتاجه الابداعي، لان الكاتب يتطلع الى قراءة ما يكتبه من قبل القراء، ورغم ما يشوب عملية الطباعة والنشر والتوزيع، في دنيانا من متاعب كثيرة، يعاني منها المبدعون، الا ان قضية ترجمة ذلك الابداع، من اللغة العربية الى اللغات الحية، مشكلة ماثلة في اذهان الكثيرين، الذين يتطلعون الى ان ينال ابداعهم ما يستحقه من اهتمام، فأي الكتابات العربية تحظى بترجمتها الى اللغات الاخرى ؟ أليست المسألة خاضعة الى العلاقات الشخصية، والرغبة في الربح التجاري السريع، على حساب القيمة الفنية والأدبية، التي يتمتع بها النتاج الادبي، ومن هؤلاء الذين يحصلون على فرص كبيرة في الترجمة ؟ يمكن ان يكونوا كتابا كبارا، استطاعوا ان يحفروا وجودهم في الصخر، معلنين عن نجاحهم الكبير، والذي تمكنوا من احرازه، بعد معاناة طويلة وسهر متواصل، ودأب لا يكل على قول الكلمة، والنضال من اجل حرية الانسان، ولكن الدارس لأحوال الترجمة في النصف الثاني من القرن العشرين، يلاحظ بوضوح ان الاديب كان متمتعا، بنصيب كبير من ترجمة اعماله الى اللغات الاخرى، اكثر من نصيب ادباء اليوم، الذين يجدون أنفسهم في معاناة طويلة ودائمة، بين التفكير في تحقيق وسائل العيش، وايجاد الوقت المناسب للكتابة، والجري بين المطابع المختلفة، للحصول على فرصة ذهبية قد لا تتوفر، على ثمن مناسب للطباعة، ثم الجري بأقدام سريعة لاهثة، خلف دور التوزيع، وقد يفشل الكثير من الكتاب، في العثور على دور تحقق الجودة في الطباعة، وتقوم بالتوزيع، وقد لا يفكر جل المبدعين، بما يجدونه ضروريا لنشر ابداعهم عن طريق الترجمة، لانها تشكل عبئا ينظر اليه الكثيرون وكأنه من الكماليات التي لا تتوفر الا للمحظوظين.

فما الكتاب الذي يتمتع بالترجمة؟ في ظل انعدام الحريات، والرغبة في ارضاء العالم الذي يطلق عليه وصف المتطور، في تسويق مواقف الميوعة، والاهتمام بالمسائل الهامشية، ومن هم الكتاب الذين يمكن ان يحققوا للترجمة ارباحها، بان يدفعوا لها لقاء أتعابها، وهم (اي الكتاب) يعانون الامرين في توفير مستلزمات العيش الكريم، وهل استطاع الاديب المبدع باللغة العربية، ان يجد القراء العرب لكتاباته، قبل ان يفكر بالعثور على قراء من لغة اخرى، قد لا يحبذون كتاباته، لأنه ينطلق من وجهة نظر، قد تكون متناقضة لما يحملون من رؤى ووجهات نظر، أليس التخلف الذي تعاني منه جماهيرنا الشعبية، سبب قوي لهذه الازمة الخطيرة، كما انه نتيجة حتمية لها ؟، وهل عرف عن انساننا حب القراءة والاقبال عليها، في هذا الوقت بالذات، الذي قل الاهتمام فيه بكل امر يعتني بالوجدان الجمعي، ويدعو الى تكوين راي عام، تجاه القضايا المصيرية التي يجب ان يهتم بها المواطن اليوم، ام ان عالمنا يشهد انعدام الاهتمام بالقضايا المصيرية، في ظل الدعوة المستمرة،كي يكون الناس كلهم على شاكلة واحدة في الفكر والعاطفة / والشكل ايضا، ؟

فمن يمكنه ان يقوم بهذه المهمة العسيرة، وهو نقل الحضارة العالمية الينا كي نستفيد منها، وتعريف العالم المتمدين بما يكتبه الكتاب العرب من ابداع يستحق بعضه ان يحظى بالاهتمام، واظن ان الشق الاول، يتمتع بما هو جدير به من العناية، واي الدول تسعى الى ترجمة ما تجود به اقلام مبدعيها؟ القضية متشعبة، وجديرة بالدراسة، وحياتنا اليوم تشهد تراجعا ملموسا، في مختلف الميادين يضع المثقفين امام مسؤوليات كبيرة، الخروج من الواقع الأليم الذي نحياه، والتفكير بطرق صائبة لهذا الخروج، الا يكفينا ما عشناه طويلا ونحن نقلد ما يقوم به الاخرون، ورغم ان الحضارة انسانية، وان الامم جميعا تكون متأثرة ومؤثرة معا، الا انه حان لنا ان نساهم في صنع ابداع جميل يحرص على جمال المعنى وروعة المبنى معا، من اجل المساهمة في تطوير حركة الابداع وان تقوم الترجمة بما هي جديرة به من نقل روائع الكتب من اللغة العربية واليها، وان يجد الكتاب المبدعون الاهتمام الذي يستحقون

 

صبيحة شبر

 

في المثقف اليوم