تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

ماذا يعني مفهوم الحريات الفردية ومشكلة العرب؟

انور الموسويهو الاعتراف بالفرد ككائن خلاق وصاحب مبادرة، يمتاز بحرية التفكير، واختيار نمط حياته كيفما يشاء (حرية المعتقد، حرية الجمال، حرية الجسد.... الخ) دون أن يسبب ذلك النمط من الحياة انتقاص او ضرر على حرية الفرد الآخر بما يختار.

المشكلة لدى العرب، وادبيات الفقه الديني أين؟

منشأ التعارض الأول:

ان البيئة التي خرجت منها تلك الحريات ومفاهيمها تُعتبر مصادر دخيلة، ومنشأ غريب عن المفاهيم الفقية الراسخة ، لإنها لم تولد من داخل المنظومة الدينية بل أتت لهم من الخارج من مصادر غربية ، هذا أول أس جعل المنظومة الفقهية ترفض مبادئ الحريات الفردية.

المسألة الأخرى، الفهم العقائدي للفرد والجماعة من منظور ديني، فالمسلمون ينظرون إلى الأفراد كجماعة منضوية تحت قانون سمائي متحد وواحد، لا يعيرون أهمية للفرد كحرية مستقلة بالتفكير، إلا بحدود اتساقها واندماجها مع الجماعة وتوافق رؤاها مع الخطوط العامة لتلك الجماعة المستلة من النص المقدس، عدا ذلك يُعد خروج للفرد عن الجماعة، وفقاً لمعايير الدولة الحديثة والمذكورة في مقدمة الحديث، وتجعل منه منبوذ، مقصي، ومطارد او محارب، او حتى يُقتل عند مخالفته لمنظومة الجماعة وفقاً للنصوص التي تبيح تلك الاجراءات القمعية بحرية الفرد، منها (الرجم، والجلد، والتفسيق، والتكفير، والجزية، والاستتابة، والكفارة... الخ) وهذا ماعملته داعش بالضبط في نظرتها نحو الأفراد وجعلهم خارجين عن فكر الجماعة. اي أن الضابط بالتواصل والقبول في الجماعة هو على اساس ديني فحسب، اي اختلاف في هذا الأساس فهو اختلاف عن الجماعة، وبالتالي خروج عن الدين!. وهذا الأمر أيضاً ينسحب تماماً على جميع الأديان، في اوربا كماهو عند العرب، فحصل الصدام الفكري والدموي، بين أسس الشرعية الدينية، ومن يتطلع للشرعية المدنية لبناء الدولة، وخاصةً مايخص حرية الفرد واستقلاليته في مفهوم الدولة الحديثة.

منشأ التعارض الثاني : بالاضافة الى بناء انظمة عسكرية شمولية قمعية اتخذت للدين كواجهة لها من اجل تعويض الشرعية المفتقدة، وفي سياق بداية نشأة مفهوم الدول المدنية وفي ذات السياق بعد التخلص من الأنظمة الكولنيالية نشأة هذه الأنظمة لتعويض عن فقدانها للشرعية الديمقراطية، يضاف لها أن منظومة الفكر الديني، أيضاً فشلت في تحديث ادبياتها ونصوصها من داخل بيئتها اي من داخل منظومتها الفقهية ، اي أنها لم تعطي أي سياق حداثوي مرن من خلال نصوصها طوال تلك القرون، ماخلا بعض المحاولات الجريئة التي خذلت وتم التكتيم عليها، منها محاولات وافكار ابن رشد، وأحمد خان، وشبستري، ومحمد اقبال....الخ.عدا هذه المحاولات لم يشهد العصر الحديث أي مراجعة حقيقة لحاكمية النص الديني المقدس، ولم تجري أي استنتاجات جريئة في مسايرة عصر النهوض ومايتناسب مع برامج الدولة الحديثة، لا انكر كان هناك اراء سجلت جراءة تُحسب لمفتيها كتحديثات الشيخ الأنصاري عالم الطائفة الشيعية، لكن ضمن سياقات اليوم وضمن مانتحدث عنه لازال التعارض قائم وحاد، في عدم التناسق مع الفكر الديني، وارهاصات العولمة، ومباني الدولة العصرية.

من المؤكد أن هذا التعارض فضلاً عن الصدام الذي يسببه فهو سبب اكيد في تراجع تلك الأمم وعدم قدرتها على القفز على ازمة الهوية، ومن ثم الانطلاق نحو فضاء اوسع في تأسيس دولة تتسم بكل مقومات الحياة والتقدم كباقي الدول المتقدمة، وحتى لو كان في هذه الدول الف نوع من الخيرات ومن ضمنها البترول قد تكون هذه الخيرات مثارَ بؤسٍ لأنها ستكون في ظل التراجع العلمي والثقافي مدار اطماع لا غير، وتنتج الفساد، والسرقة، والحيازات الشخصية، أن لم تمتلك تلك الأمم مشروع حضاري نهضوي واسع غير مقيد بالمنظومة الدينية والقوانين المقدسة،وحسب ظني هذا ماشعرت به بعض تلك الدول العربية وغيرها، كالامارات، وحتى ايران لكن ضمن حدود معينة، لايمكن تعميمها بالمطلق،لكنها رغم ذلك قفزت قفزة نوعية في ذلك الاتجاه،لذلك نلحظ تقدم رمزي على مستوى الفرد وحرياته، وحالة متقدمة من الروح العصرية لدولهم وانظمتها.

 

انور الموسوي

المصادر/ الكاتب والباحث والخبير القانوني المغربي احمد عصيد في برنامج سؤال جريء

 

 

في المثقف اليوم