قضايا
الميتافيرز
كان العقل البشريّ وفي حقبة معيّنة من الزّمن عصيّاً على استيعاب مدى التّطور الّذي وصل إليه هذا الزمن. فعلى سبيل المثال، مسألة اختصار الوقت في عمليّة التّنقّل من مكان إلى آخر يبعد مئات الكيلومترات بدل الثّمان وأربعون ساعة أصبحت خلال ستّ او سبع ساعات. فلو اُستثير هذا الأمر بوقته مع توضيح سبل تقليص الزّمن وسرعة الوصول للوجهة المنشودة لاستطاع أن ٌيتفهّم الأمر. فأن تخبر أنّك ستنتقّل بواسطة آلة تشبه الصّندوق تحتوي على عجلات، لتساءل عن كيفيّة تحريكها. عندها يتعيّن على العقل أن يتفهّم الأمر بصورة تدريجية أي كيفيّة تحويل المادة النّفطيّة المستخرجة من باطن الأرض إلى بنزين وقدرة هذا السّائل على تحريك الآلة لذا ينبغي أن تستدرج الاكتشافات عبر الأزمان كي يستطيع العقل استيعاب الاختراع الحاضر أمامه بمنطقية كاملة. كذلك الكثير من الاكتشافات الحديثة المتعلقة بالتّكنولوجيا، فإنّ العقل السابق يستعصي عليه فهم كيفيّة تحويل إشارات غير مرئيّة في الهواء بما يحويه من طاقة وذبذبات وإشارات إلى صورة تنتقل عبر القارات بواسطة أنماط غير مرئيّة من الموجات الكهرومغناظيسية أو الاعتماد على اختلاف الضّغط الجوّي وكيفيّة التّحكم به في عمل الطائرات أو الوصول إلى الفضاء ودراسة الكوكب الأحمر وغيرها ..
وبعد أن مرّ العقل البشريّ بتجارب عديدة في قضيّة الاختراعات العلميّة وما ينبثق منها من تكنولوجيا حديثة سيطرت على أغلب مفاصل الحياة، أصبح قادراً على ربط العوامل المؤدية إلى أي اختراع حديث وفي ظلّ التّسارع العلميّ التكنولوجي والسّرعة المذهلة للاكتشافات بات العقل يحاول أن يجاري ما يحدث حوله خصوصاً في الدول المتقدمة تكنولوجياً. حتى تجاوزت التكنولجيا العقل البشري وأصبحت المتحكم بتفكيره وإرادته وذلك عن طريق اختراع ألعاب تتعامل بصورة مباشرة مع المخّ حيث تدخل المستخدم بمحيط وهمي يوفر له كافة احتياجاته الذهنية من أشخاص محيطين، من عمل وأجواء وأماكن وغيرها الكثير حيث أصبح المستخدم يعيش عالمه الوهمي الخاص ويتفاعل معه كما لو كان حقيقياً. ويتمّ ذلك عبر توصيل بعض الأجهزة الكهربائية التي تتفرّع إلى آلات صغيرة منها للرأس ومنها لليدين كي يستطيع المستخدم التّعامل مع مكونات العالم الوهمي بواقعية أكثر.. فيكون الشّخص شبه منعزل عن واقعه أي أنه يتعايش مع عالمه الوهميّ روحيّاً، ولكن يبقى الجزء المادي للإنسان وهو الجسد بحاجة الى الوظائف التي تساعده على البقاء والاستمرار بالحياة، حيث أنّه لايستطيع ان يستغني عن الهواء والغذاء والماء وهذه متطلبات أساسية لا يستطيع الحياد عنها. ولن يستطيع العلم مهما بلغ من تطور مذهل أن يعوض هذه العناصر في عالم وهمي.. وبعد أن توصل العلم إلى هذه الدرجة من التقدم يسعى الآن إلى إصدار نسخة جديدة من الجيل الرقمي أي أنه يحاول أن يجعل الجسم البشري بكلّه يخترق الزّمن ويصل إلى أية وجهة يتمناها خلال ثوانٍ وإلى أي مكان يشاء !
وهذا العلم يسمى الميتافيرز ( The metaverse) حيث يساعد على التواصل الكامل بين القارات خلال ثوانٍ!
هذا المبلغ العلمي من المستحيل تصديقه واقعياً من قبل العقل البشري ذلك أنّ الخلايا الجسدية لا يمكنها اختراق العالم الرقمي مهما بلغ من التطور، حيث أن المصفوفة الرقمية (matrix) المكونة لتكنولوجيا التواصل لا يمكنها أن تقرّب الأمكنة أو أن تحوي الجسم البشري وتنقله إلى مكان آخر خلال ثوانٍ! لا يفلح العلماء في كل ما يستعرضونه أو يروجونه. ذلك لأنهم يقومون في البداية بعمليّة دراسة أولية للقابليّة التكوينية على تقبّل أمر ما ولكنّهم لا ينظرون إلى الجانب الآخر من التكوين البشري وهو الرّوح ومكونها واستحالة الإحاطة بماهيتها. كما روجوا قبل مدة ليست بالقصيرة لعملية استبدال رأس برأس لجسد واحد! ذلك أنهم يتعاملون مع القضايا من النظرة المادية ومدى استجابتها للتقنية ولكنهم يجهلون مدى عِظَم التعامل مع التركيب البنيوي والروحي للانسان.
يحاول العلم الحديث بشتى الطرق الفصل بين الروح والجسد في محاولة منه للتحكم بهما كلياً كي يسهل على العلم اختراق البنية التكوينية للإنسان. فإن قُيّض الذهن واشتغل وارتبط روحياً بعالم رقمي ما فستواجه التكنولوجيا صعوبة في سحب الجسد بكله لعالمها كما في قضية العالم الوهمي! وإن تحكمت بالجسد واستطاعت تبديل أجزائه فانها تواجه صعوبة في التعامل مع الروح وانتقالها كما في قضية استبدال الرأس البشري!
يخط قلمي هذا المقال الآن، وبعد أجيال عدّة ومئات من الأعوام والتّطور التكنولوجوي في استمرارية كل يوم. فهل سيصل الى مبتغاه يا ترى؟ أكاد أجزم أنها لن تصل .
سجى الجزائري/العراق