قضايا

كارل يونج والزمن النفسي!!

صادق السامرائيعالم معروف بنظريته عن الشخصية البشرية، وقد بدأ حياته مع (بلوير) و (جانيه) ومن ثم عمل مع (فرويد) لكنه إفترق عنه ومضى في تأسيس مدرسته التي رسّخ فيها نظرياته النفسية.

وقد إشتهر بجزء قليل مما قدمه من الطروحات النفسية الفكرية، أما الجزء الأكبر من عطاءاته الفكرية فليست ذات شهرة كنظريته عن الشخصية.

والعجيب في أمره أنه عندما كان يضع العالم في منظار ما يراه يجد أنه سينتهي إلى ما هو عليه الآن من إضطرابات تفاعلية دامية ذات منطلقات دينية وإعتقادية، فقد فرغ من الجزم بأنّ العدو الأكبر للإنسان هو الإنسان، وأن الجوهر الأساسي للعدوانية سيكون العامل الديني لا غير!!

ويبدو أن ما جاء به لا يمكن إخضاعه للتجربة العملية، لكنه ترجمة وعيوية لواقع سلوكي متكرر بين المخلوقات، وقد توصل إلى رؤيته لإهتمامه بالتنفيبات والتراث الإنساني المتنوع ومعرفته للغات أخرى تعمق بثقافات أهلها، وهذا يعني أنه وضع إستشرافاته الإدراكية في منطوقات نظرية يصعب إثباتها أو نفيها بالتجربة والبحث، لكنها قائمة ومتفاعلة في واقعنا المنساب عبر العصور، وما يحصل اليوم يؤكد ما ذهب إليه قبل أكثر من نصف قرن.

وقد خاض تجارب معرفية وعاطفية على المستوى الشخصي وكأنه أخضع نفسه للتجربة والبحث، لكي يحاول التوصل إلى وعي أفضل للسلوك ومنتهيات التفاعلات ما بين البشر، وربما المخلوقات كافة، لأن الجهاز التفاعلي واحد وربما يختلف بالدرجة فقط.

وفي ما كتبه وصرّح به، يؤكد على أن العالم النفسي يمكنه أن يساهم في صناعة الحاضر والمستقبل الأفضل، بما يثيره من أفكار ويكتشفه من آليات تفاعلية ضرورية لحياة إنسانية كريمة، فنظرياته أسهمت في فهم جديد وأثارت نشاطات بحثية في جميع المجتمعات، وأثّرت على الأدباء والشعراء والكتاب والرسامين، ومنحتهم رؤى ذات قيمة إبداعية أصيلة لعالم نمضي في متاهته نطارد سراب المجهول.

وهو طبيب سويسري قرر أن يمتهن الطب النفسي بعد أن عمل مع (بلوير)، وإنهمك بالأحلام، ويُحكى أن أول لقاء بينه بين (فرويد) في فينا إستغرق ثلاثة عشر ساعة، إذ ألغى (فرويد) مواعيد مرضاه في ذلك اليوم، وتواصلت علاقتهما لعامين وإنفرطت، لأسباب معروفة وموثقة في أدبيات العلوم النفسية.

وكلما تأمّلت حياته أجدني أدرك بأن الطبيب النفسي يمكنه أن يقدم خدمة متميزة لمجتمعه وللإنسانية، إذا إلتزم بالملاحظة السريرية وقراءتها بمنظار علمي بحثي يساهم في الإرشاد والتبصر السلوكي، وإكتشاف ما يمكن الإستثمار فيه لصناعة الحياة البشرية الأرضية الأفضل والأجمل.

ولنا به وبأمثاله قدوة في الجد والإجتهاد المعرفي!!

 

د صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم