قضايا

العبودية الجديدة

حسن زايدالعبودية لغة: الإسترقاق، وهو خلاف الحرية والإستقلال، ويعني وقوع الشخص تحت قهر داخلي أو خارجي. والعبودية اصطلاحاً: هي نظام يقضي بتملك الإنسان لأخيه الإنسان، بما يتبع ذلك من تحكم في حياته، وفي آراءه، وحريته، وتصرفاته، وقابليته للبيع والشراء، والعمل لحساب مالكه، سواء في الزراعة، أو التشييد والبناء، أو الأعمال المنزلية، أو للأغراض العسكرية أو السياسية أو الإقتصادية.

وتاريخياً رافق نظام العبودية الإنسانية لفترات طويلة من عمرها . ولم يتغير مفهوم العبودية ـ كما ورثته الحضارات والأمم عن بعضها البعض ـ إلا بقدوم الإسلام الذي حرر الإنسان من كافة صور العبودية، عبودية البشر للبشر، وقدم مفهوماً خاصاً لها، وهو العبودية لله وحده.

ولم تنتبه الأمم والشعوب غير الإسلامية إلي أهمية التخلص من هذا النظام إلا في أواخر القرن الثامن عشر، ومطلع القرن التاسع عشر ـ أي من مائتي سنة فقط ـ فكانت دولة الدنمارك من أولي الدول التي ألغت تجارة العبيد، تلتها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، حتي عقد مؤتمر فيينا، وانتهي إلي عقد معاهدة بوقف هذه التجارة .

والعبودية لم تنته بهذه الإتفاقية، وإن كانت قد انتهت في صورتها التقليدية، وهي امتلاك الإنسان لأخيه الإنسان . لأن للعبودية أبعاداً أخري . يقول البروفسور كاتاسونوف: " العبودية هي فعلاً، مفهوم متعدد الأبعاد " . فهناك البعد الإجتماعي / الإقتصادي، وهناك البعد الروحي / الفكري . وهي عبودية يجري فرضها علي الإنسان، من حيث يدري أومن حيث لا يدري، من خلال الهيمنة الإعلامية، والتأثير الدعائي النفسي . وقد صدر منذ سنوات كتاب مترجم إلي العربية، وصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة، معنون بـ: " المتلاعبون بالعقول "، وكتاب آخر في نفس السلسلة، معنون بـ: " قصف العقول "، وكلاهما يوضح كيفية تلاعب الشركات والكيانات الإقتصادية الضخمة في هذه المساحة، إلي الحد الذي ذهب فيه البروفسور كاتاسونف إلي القول بـ: " أن الرأسمالية والعبودية وجهان لعملة واحدة .

وقد ذهب الفيلسوف الفرنسي رجاء جارودي إلي القول أن: " السياسة الكبري هي كيفية إعداد شعب إعداداً جيداً للعبودية من اليمين أو من اليسار، عن طريق الشاشة الصغيرة وهو يبتسم في سعادة وغفلة ! وإذا كان من السهل حكم الشعب الجاهل فما أسهل ذلك عن طريق التلفزيون " .

ومن هنا يمكن القول أن العبودية الجديدة قد جاءت عبر التلفزيون من خلال برامجه الإخبارية أو الحوارية أو الوثائقية أو الترفيهية . ومن خلال الأفلام المنتقاة للعرض عبر الشاشة الصغيرة، أو الأعمال الدرامية، أو مسرح التلفزيون . الهدف الرئيس هو جعلك تلتصق بالشاشة طوال الوقت، أو معظم الوقت، بحيث يصبح ذلك أولي أولوياتك في الحياة، فتتخلق الهيمنة علي الإدراك والوجدان، من خلال الصور والظلال والألوان والموسيقي والصوت وسرعة الحركة وخلق التوقعات، ولا يبقي أمامهم سوي مرحلة النزوع، التي تأخذ بالإنسان إلي القول أو الفعل أو كلاهما .

وحين يصل من وراء الشاشات إلي هذه النقطة مع من هم أمام الشاشات، يكونوا قد وصلوا إلي بُعد من العبودية في غاية العمق، يمكنهم من خلاله الإنتقال بجمهور المشاهدين من اليمين إلي اليسار أو العكس، أو الإرتفاع بهم إلي أعلي، أو الهبوط بهم إلي أسفل . وذلك من خلال إعلام مخطط ومدروس، وله أهدافه ومراميه، وراءه خبراء في كل مجال .

فإذا عرجنا إلي إعلامنا العربي من خلال هذه الإطلالة، فحدث ولا حرج، عن مدي ما يعانيه الإعلام العربي من علل وآفات وعشوائية، جعلته، وجعلتنا معه، نقع ـ لا شعوريا ـ في براثن العبودية الجديدة .

 

حسن زايد

 

في المثقف اليوم