قضايا

الأخلاق والدين.. معضلة إيوثيفرو وأعمال الشر

ترسم محاورة افلاطون أيتيفرون Euthyphro صورة سقراط رافضا نظرية الأوامر أو الأحكام الالهية إلى حد كبير أنطلاقا من أساس السؤال الثاقب، الذي علي رسول الربيعيترجمه لين كوبر "هل ما هو مقدس مقدس لأن الآلهة توافق عليه، أم أنهم يوافقون عليه لأنه مقدس؟" (Idziak, Janine (ed.) (1979) Divine Command Morality: Historical and Contem­ porary Readings, New York: Edwin Mellen.: 41).

سوف أضعه بالصيغة التالية: لنفترض أن الله يرغب في كل الأعمال الخيرة. فيمكننا حينئذ السؤال: هل يعتبر عمل ما خيرا لأن الله يريده؟ أم هل يريد الله ذلك العمل لأنه خير بذاته؟

نفترض أن اللطف خير وأن الله يريد ذلك. فايً منهما يقوم على الأخر؟ هل اللطف خير لأن الله يريد ذلك؟ أم هل يرغب الله في اللطف لأنه خير بالفعل؟

سقراط ومعظم الناس سوف يأخذون بالخيار الثاني. يريد الله اللطف لأنه يعلم أنه خير. فليس ارادة الله هي من تجعل اللطف خيراً ، فلو لم يكن هو خير بذاته لما أراده الله. فاللطف خير قبل ارادة الله ومستقل عن هذه الارادة. هذا الخيار مرفوض من قبل نظرية الأوامر الالهية

يعتقد سقراط بوجهة نظر الواجبات المستقلة. فالقواعد الأخلاقية الأساسية مثل"اللطف خير" و "الكراهية سيئة" هي حقائق ضرورية: مثل "2 +2 = 4 ، "إنها حقيقية بطبيعتها. وليس حقيقية لأن شخص ما أوشيء ما جعلها حقيقية. إن الله يعلم هذه الحقائق وإرادته تتبعها؛ لكنه لم يجعلها حقيقة فهي مثلها مثل "2 +2 = 4"

تأخذ نظرية الأوامر الالهية الخيار الأول: اللطف خير لأن الله يريد ذلك.( فبعض الباحثين يأخذون مثل غبريال بييل (14: z.5 - 95) - (72). آخرون الذين قالوا أشياء مشابهة تشمل بيير ديلي (64) وجان جيرسون (66) ومارتن لوثر (95) وجون كالفن (101) والعديد من المفكرين البيوريتانيين (104-5). أرقام هذه الصفحات هي لـ Idziak (1979).) يأخذون بالخيار الذي يقول: ليس لأن شئ ما خير أو عادل فأن الله يريده، ولكن لأن الله يريده فهو خير وعادل. أما الخيار الثاني فيقول أن اللطف خيرُ حتى إذا لم يرده الله و قبل أن تتعلق به ارادة الله ، أما محاولة الإجابة عن السؤال بأن اللطف ليس خيرا ولا سيئًا، رغم أنها تبدو ممكنة الا أنها غير معقولة لأنها تجعل الأخلاق تعسفية وأعتباطية.

أو افترض أن الكراهية سيئة أو شر وأن الله يمنعها. هل الكراهية شر لأن الله يمنعها ( لذلك إذا لم يمنعها، فإنها سوف لاتكون شر)؟ أم هل يمنعها الله لأنها أبتداءً هي شر بالفعل؟ يبدو الخيار الثاني أكثر قبولا لكنه يتطلب التخلي عن نظرية الأوامر الالهية.

إن الأعتراض على الأعمال الشريرة على النحو التالي:

إذا كانت الأعمال خيرة أو جيدة فقط لأن الله يريدها، فكراهية الأخرين ستكون جيدة اذا اراد الله ذلك.

إذن الأعمال جيدة فقط لأن الله يريدها.

لكننا هنا نسأل كل من يزعم أن كلمة "جيد" أو " خير" تعني "مقبولة اجتماعيًا"،هل "إذا كانت الكراهية مقبولة اجتماعيًا، سيجعلها هذا جيدة؟" ونسأل من يزعم أن كلمة "جيد" تعني "ما يعجبني أو ما أحب"، هل "إذا كنت تحب أن تكره الآخرين، سيجعله هذا الكراهية جيدة؟" وبطريقة مماثلة، يمكننا أن نسأل القائلين بنظرية الأمر الإلهي: "إذا كان الله يريد الكراهية، فهل هذا سيجعلها جيدة؟" يمكننا أن نكرر السؤال باستخدام أي عمل شرير من شأنه أن يصبح جيدا إذا كان الله يريد ذلك. إذن، نظرية الأمر الإلهي، بعيدة كل البعد عن جعل الأخلاق موضوعية، بل تجعلها اعتباطية. عارض رالف كودورث (1617-88): قائلا أن ما " لا يمكن تجنبه ، تخيل أي شيء شرير بشكل فظيع ، أو حتى ظالم أو غير صريح ، ويفترض أن أنه أمر من قبل الإله القاهر ، يجب أن ... يصبح مقدسًا وعادلا وصحيحاً " "(ldziak 1979: 158).) يمكن أن تستجيب نظرية الأمر الإلهي هنا بطريقتين. ينفي وليام أوكام (1287--1347) الفرضية الثانية ويقول، نعم، أي شيء يريده الله حتى الكراهية ستصبح جيدًة او خيرة (Idziak 1979: 55-57).). يبدو هذا الموقف متطرفًا، حتى لو قلنا أنه من غير المحتمل أن يأمر الله بمثل هذه الأشياء السيئة؛ لكنه يبقى رد محتمل.

يرى العديد من مؤيدي نظرية الأمر الإلهي بأن الله لا يستطيع أن يأمر بأمور شريرة، لأنه خير بطبيعته. ولكن ماذا يعني هنا أن نسمي الله وأفعاله "خيرة"؟

 

الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ

 

 

في المثقف اليوم