قضايا

لا للتعايش.. لا للتسـامح.. لا للأختلاف.. لا للأعتراف

علي رسول الربيعيتوطئة: إن الثقافة السياسية الشعبوية التبسيطية السائدة تكرر كثيرا كلمات تفتقد المطابقة التاريخية في هذه المرحلة التاريخية المشخصة في عالمنا العربي، كلمات مثل التعايش ، والتسامح ؛ ولكن ايضا ألأكثر عمقا وسعة ودقة منها هو مصطلح الأعتراف، فهناك فلاسفة ومفكرون يدعون الى سياسة الأعتراف. نحن هنا نقدم نقدا صارما وقويا لحق الأختلاف وسياسة الأعتراف هذه من موقع المسؤولية الفكرية والسياسية والأخلاقية أزاء الدماء الزكية التي تسيل والضحايا الابراياء في منطقتنا العربية.

مقدمة

إنً أحدى السّمات الأكثر بروزا للسّياسة في عصرنا هي تنامي طلب الجماعات الثّقافيّة المختلفة على الاعتراف لها بهويّة خاصّة مميّزة. فمطلبها الأساس أن ينفتح النّظام السّياسيّ الدّيمقراطيّ تجاهها ويتخلّى عن السّياسات والإجراءات التي تضرّ بها أو تتجاهلها، وأن يتمّ الاعتراف بها على قدم المساواة مع الهوّيّة الثّقافيّة للأغلبيّة أو الهوّيّة السّائدة.

وترد هنا عند الوهلة الأولى جملة من الأسئلة من مثل:

ـ ما هو حجم الاعتراف المطلوب؟

ـ كيف ينشأ؟

ـ وهل هو مُبرّر طبقاً لشروطه الخاصّة؟

ـ وهل سيكون الاجماع عليه متوافقًا مع الشّروط السّياسيّة للدّيمقراطيّة النّاجحة؟

سأتناول هنا العلاقة بين الهوّيّات الجماعيّة والهوّيّة الوطنيّة في إطار ديمقراطيّ، لكنّي سأقدم أيضا نقدا لفلسفة أو سياسة الاعتراف من وجهة نظر جمهوريّة.

سياسة الاعتراف

تتجاوز سياسة الاعتراف التّسامح كما فُهمَ في المجتمعات اللّيبراليّة، فسياسة التّسامح تنطوي على قدر من حرّيّة الجماعات في تأكيد هوّيّاتها والتّعبير عن قيمها الثّقافيّة خاصّةً. بحيث يكون دور الدّولة هنا سلبيًّا أي لا ينبغي لها إجبار الأقلّيّات على التّكيّف وإطاعة الثّقافة السّائدة ولا أن تُقيم الحواجز التي تُعيق ازدهار ثقافات تلك الأقلّيّات. إضافة إلى ذلك، تقع على الدّولة مسؤوليّة إيجابيّة أيضا هي حماية ثقافة الأقلّيّات عندما يجد أعضاؤها أنفسهم في منافسة غير متكافئة مع الثّقافة السّائدة.( الذين يمثلون هذا الموقف:

Raz,J,. Ethics in the Public Domain (Oxford, Clarendon Press, 1994); Kymlicka, Multicultural Citizenship (Oxford, Clarendon Press, 1995(.

لكن هذا يعتبر غير كافٍ بالنّسبة لمؤيّدي سياسة الاعتراف لأنّه يحاصر الجماعات في مجالها الخاصّ، ولا يوفّر لهوّيّاتها فرصة الحصول على تأييد الفضاء العامّ. هذا الفضاء الذي يخضع – طبقا لرأي مؤيّدي الاعتراف - لقواعد تبدو عامّة ومحايدة ثقافيّا، ولكنّها في حقيقة الأمر تعكس القيم الثّقافيّة للفئات الاجتماعيّة المهيمنة. تقول آرز موران يونغ بوصفها من أبرز المدافعين عن سياسة الاعتراف في كتابها العمدة "العدالة وسياسة الاختلاف"

Young. I.M., Justice and the Politics of Difference (Princeton, Prenceton University Press, 1990(,

( الذي سأعتمده و أعود إليه دائماً فالنقد يوجه للرؤية التي تقدمها يونغ في كتابها المرجع هذا) : فـ (تقدّم وجهة نظر الذين يتمتّعون بالامتياز تجربتهم ومعاييرهم الخاصّة كشيء معتاد ومحايد، وإذا اختلفت تجربة بعض الجماعات عن هذه التّجربة المحايدة أو لم تَرْقَ إلى معاييرها يُنْظَر للاختلاف وكأنّه قد بُنيَ على نحو منحرف واعتُبِرَ ذو منزلة أدنى. فلا يتمّ فقطّ تجاهل وكتم تجربة وقيم الجماعة "المنحرفة" ولكنّ المضطهدين يصبحون في وضع غير مُواتِ بسبب هوّيّاتهم المختلفة).

إذن، من هذا المنظور لا يمكن للفرص المتكافئة أن تنشأ بالنّسبة للمجموعات المختلفة التي يأمل اللّيبراليّون خلقها من خلال سياسات التّسامح، فالمطلوب بدلاً من ذلك أن يحدث تحوّل في المجال السّياسيّ ومن خلال ثلاثة جوانب رئيسة:

أوّلاً، تطهير المجال السّياسيّ من الإجراءات والرّموز والمعايير التي تجسّد قيم المجموعات التي هيمنت حتى الآن، فعن سبيل المثال، لا ينبغي أن تـُقتصر السّياسة على لغة مجموعة الأغلبيّة في مجتمع ثنائيّ اللّغة، أو إعطاء أيّ دين معيّن امتيازا خاصّا في الفضاء العامّ.

ثانيّا، أن تشارك الجماعات في المجال السّياسي على أساس مبدأ المساواة، وتشجيعها على تأكيد هوّيّاتها الخاصّة ووجهات نظرها في سياق القيام بذلك. فمن ناحية أولى يتطلّب هذا الأمر الوجود الفعليّ لأعضاء كلّ جماعة في المحافل السّياسيّة كالمجالس التّشريعيّة وغيرها، وبأعداد كافية حتى يكون وجودهم كبيرًا ومؤثّراً.

Philips,A., The Politics of Presence (Oxford, Clarendon Press, 1995).

ومن ناحية أخرى أن تشارك تلك الجماعات ليس تبعًا للشّروط التي حدّدتها الجماعات الأخرى والتي قد لا تأخذ شكلاً علنيّاً، ولكن وفقا للوسائل التي تتطلّبها تجربتها الخاصّة، ويترتّب عن هذا حقّ الجماعات في أن تنظّم نفسها بشكل مستقلّ فربّما يكون هذا التّنظيم ضروريًّا لهذه الجماعات من أجل اكتشاف وتعزيز إيجابيّات وخصوصيّة تجربتها الذّاتيّة. Young.167. يحقّ لأعضاء الجماعة مناقشة وتحديد احتياجاتهم ومصالحهم الخاصّة، ونقل تلك المصالح والاحتياجات إلى المجال السّياسيّ بعرضها على الجماعات الأخرى التي تعرض هي الأخرى وجهات نظرها الخاصّة وتوصلها بطريقة مماثلة.

ثالثا، أن تراعي السّياسات المنبثقة عن دوائر صنع القرار حساسيّة الاختلاف بين الجماعات باستبعاد أيّة إجراءات بسيطة ومباشرة لحساب الأغلبية في اتّخاذ القرار، ويحقّ للجماعات الإصرار على سياسة معيّنة تعتبر نتائجها ضروريّة لاحترامها الذّاتيّ ورفاهيّتها، وهو ما قد يبرّر منحها حقّ النّقض في المجالات السّياسيّة عندما لا تكون المعاملة المتساوية كافية في ظروف تتأثّر بها تلك الجماعات المختلفة بشكل غير متكافئ في السّياسية التي تمّ اختيارها.

تُلخّص يونغ "سياسة الاختلاف" التي تؤيّدها على النّحو التّالي:

"على الجمهور الدّيمقراطيّ أن يُقدّم آليّات للاعتراف والتّمثيل الفعّال للأصوات ولوجهات النّظر المميّزة لتلك الجماعات المكوّنة من المضطهدين والمحرومين، وعلى هذا التّمثيل أن يتضمّن الآليّات المؤسّسيّة والموارد العامّة الدّاعمة:

(1) التّنظيم الذّاتيّ لأعضاء الجماعة بما يمكّن من الإنجاز الجماعيّ لقدراتهم وفهمهم وخبراتهم ومصالحهم الجماعيّة في سياق المجتمع.

(2) التّحليل الجماعيّ وتوليد الأفكار عن سياسات تقترح في سياق مؤسّساتيّ بما يُلزِم صنّاع القرار بإثبات أخذهم بالاعتبار وجهات نظر الجماعة.

(3) حقّ الفيتو تُجاه السّياسات التي تؤثّر عليهم مباشرة". Young, 184,

   ويمكن إلقاء مزيد من الضّوء على سياسة الاعتراف هذه بكشف وجوه اختلافها عن نموذجين في السّياسة الدّيمقراطيّة.

النّموذج الأوّل يهمّ تعدّد جماعات ترى في الدّولة الدّيمقراطيّة ساحة لاختلاف المصالح لذلك فهي في إطارها تفاوض وتساوم بعضها البعض، وهو ما ينتج عنه في النّهاية ما يمثّل سياسة تُقيم تسوية عادلة بين مطالب تلك الجماعات، وإلى أبعد من ذلك تذهب سياسة الاعتراف في طريقين:

الأول، مع ما يواجه تعدّد المصالح من مشكلات يثيرها واقع الجماعات المختلفة التي لا يتاح لها قدرٌ متساوٍ من المصادر التي تؤهّلها لدخول السّاحة السّياسيّة، إلاّ أنّ سياسة الاعتراف تفترض أنّ المؤسّسات السّياسيّة يمكن أن تكون محايدة بين الجماعات بعد تحقيق هذا الدّخول، حيث يعتمد نجاح كلّ جماعة على قوّة مساومتها، وقدرتها على تشكيل تحالفات. في المقابل، ترى هذه السّياسة أي سياسة الاعتراف أنّ الفضاء العامّ يتجّسد في معايير تعتبر بعض الجماعات ذات وجود شرعيّ ومقبول بينما تنحرف أخرى عن تلك المعايير. وعليه لا تُحلّ مشكلة الجماعات المدرجة في فئة المنحرفة بإعطائها حقّ دخول المجال السّياسيّ فقطّ، ولكن بالحصول على اعتراف بشرعيّة الهوّيّات التي تمثلها أيضا، والتي تنطوي على تحدٍّ للمعايير السّائدة المتعلّقة بتحديد من الذي يـُنظَرُ إليه ويُعوّلُ عليه كمواطن صالح.

الثّاني، ينطلق من تصوّر لتعدّد مصالح الجماعات يرى أنّه بإمكان هذه الجماعات الوصول فيما بينها إلى اتّفاق حول مطالبها ينعكس في تسوية سياسيّة منصفة تحفظ مصالح الجميع. وتميل سياسة الاعتراف من ناحية أخرى، إلى إعادة توزيع الفرص والمناصب والثّروة وغيرها لصالح تلك الجماعات التي اعتُبرَت محرومة أو مضطهدة، لكن على كلّ جماعة أن تقدّم تفسيرا لاحتياجاتها وأن يكون لهذه الاحتياجات وزنا أخلاقيّا أو ثقلا معنويّا عند أعضاء الجماعات الأخرى، أي أن تحكم قواعد العدالة كلّ نقاش سياسيّ حول هذا النّموذج بما يعود بالمنفعة على الجماعات المختلفة.

النّموذج الثّاني من السّياسة الدّيمقراطيّة الذي يغاير سياسة الاعتراف هو النّموذج الجمهوريّ والذي يرى أنّ على الأفراد الناشطين في المنتظمات السّياسيّة تبنّي الهوّيّة الوطنيّة الجامعة التي تتجاوز هوّيّاتهم الفئويّة كأفراد أو أقلّيّات طائفيّة دينيّة أو عرقيّة أو غيرها. فمن المهمّ بالنّسبة للسّياسة الدّيمقراطيّة طبقا لهذا النّموذج أن تكون جميع وجهات النّظر ممثّلة في السّاحة السّياسيّة من أجل الوصول إلى قرارات سياسيّة عادلة ومتّفق عليها، لذلك على المواطنين أن يتركوا التزاماتهم الشّخصيّة وانتماءاتهم لجماعات معيّنة جانبا ليحاولوا تقييم المطالب المتنافسة اعتمادا على مدى استيفائها لمعايير العدالة والمصالح المشتركة. ويجد هذا النّموذج تعبيره الأكثر وضوحاً وربّما الأكثر تشدّداً في رأي روسّو المطالب بمنع جميع العصبيّات في الجمعيّة التّشريعيّة من أجل أن تظهر الإرادة العامّة. تزعم سياسة الاعتراف أنّ العموميّة التي يطالب بها الجمهوريّون زائفة، وأنّ المعايير المفترضة لتوجيه النّقاش العامّ هي في الواقع تلك المعايير التي تمّت برعاية الجماعات القويّة القائمة، وأنّه لا يوجد سبب وجيه لأن يضع أعضاء كلّ جماعة هوّيّاتهم الخاصّة جانباً عند المشاركة في المحافل السّياسيّة لأنّ ذلك سيعني استسلامًا لهوّيّة مواطنة تصطنع التّجانس. تقول يونغ بالضّد من النّموذج الجمهوريّ إذن، وترى أنّ سياسة الاختلاف تعبّر عن مفهوم لجمهور "لا يفترض ضمنًا التّجانسً أو يتبنّى وجهة نظر عامّة واحدة في جميع الأحوال والأمكنة ... ما ينبغي معه على المشاركين الدّيمقراطيّين لتعزيز سياسة الاندماج تأييدُ تصوّرٍ لجمهورٍ غيرِ متجانسٍ يعترف باختلاف مواقف الأشخاص ويحترمها بالرّغم من أنّها قد تبدو غير مفهومة تماما من قبل الآخرين". ) وجهت، أ. م، يونغ نقدا مشابها الى النظريات الحالية حول الديمقراطية التشاورية في،

Communication and the others: Beyond Deliberative Democracy’ in Benhabib, S(ed), Democracy and the difference (Princeton, Princeton University, Press, 1996)

إنّ ما وصفت يونغ من سياسة للهوّيّة يمتلك أوجها رمزيّةً ومادّيّةً وينطوي من ناحية أولى على اعتراف عامّ بالهوّيّات الجماعيّة، وعلى كسب الشّرعيّة للهوّيّات العرقيّة أو الدّينيّة أو الجنسيّة التي قد جرت العادة وفقا لأنصارها على اعتبارها أقلّ شأنا من الهوّيّة المهيمنة. وينطوي من ناحية أخرى على إعادة توزيع الموارد لهذه الجماعات، في شكل برامج عمليّة وثقافيّة ذات مردوديّة ايجابيّة للأقلّيّات. لذلك سيكون من السّخريّة القول إنّ مفهوم السّياسة الذي تنطوي عليه سياسة الهوّيّة ضمنًا هو مفهوم رمزيّ بحتٌ، ومع ذلك سأركّز على الجانب الرّمزيّ لأنّه يمثّل الجانب الأكثر تميّزا لهذا النّوع من السّياسة، ويبقى البحث عن الاعتراف من خلال السّياسة باعتبار أنّ الهوّيّة الجماعيّة ليست آمنة ما لم تحصل على الموافقة السّياسيّة ظاهرة تتطلب مزيداً من التّحقيق.

الهوّيّات الجماعيّة والاعتراف السّياسيّ

ليست هناك حقيقة ذات صلاحيّة كونيّة أو شاملة ترى أنّ الجماعات ذات الهوّيّات الطّائفيّة دينيّة كانت أو عرقيّة يجب أن تسعى للحصول على الاعتراف السّياسيّ. وبتعميم عريض، يمكن القول، كان مطلب الأقلّيّات الأوّل تاريخيّا، هو أن تُترَك لشأنها من قبل الدّولة لكي تحصل على مساحة لتطوير مؤسّساتها الاجتماعيّة والثّقافيّة. فلم تكن مطالبها تتعلّق برفع حالة اضطهاد أو بالكفّ عن تحويل قسريّ إلى الدّين أو الثّقافة المهيمنة. وسيكون من السّخف اعتبار كلّ مطالب الجماعات هو الاعتراف السّياسيّ. ليس لأنّ هذا الاعتراف كان في متناول الجماعات في الماضي ولكن لأنّ هذه الجماعات لا تعلّق أيّ أهمّيّة خاصّة على الاعتراف السّياسيّ من قبل من هم خارجها. فكلّ عضو يكسب مكانته واحترامه من داخل الجماعة ورأي من هم خارجها ليس بذي أهمّيّة طالما لا يمثّل خطراً أو تهديداً على وحدة وكيان الجماعة أو على مصالحها الخاصّة، لذلك لا تسعى الجماعة للحصول على الاعتراف بها من قبل من هم خارجها ومختلفين عنها في أسلوب حياتهم.

يمكن وصف مطلب الاندماج بالمرحلة الثّانية، فقد برزت في مرحلة معيّنة من تطوّر الدّولة الحديثة فكرة أن يكون لكلّ عضو في المجتمع السّياسيّ منزلة فوق الانتماء الخاصّ فكانت فكرة المواطنة المشتركة. وهي الفكرة التي ينبغي أن تكون لها الأولوّيّة لدى كلّ عضو في المجتمع السّياسيّ وأن تكون فوق كلّ انتماء لهذه الجماعة أو تلك، غير أنّ فكرة المواطنة واجهت بعض الصّعوبات مثل تفضيل بعض الأعضاء على آخرين، كما واجهت تحدٍّ من قبل جماعات بدأت تضغط مطالبةً بأن تُـعامل على مبدأ المساواة. وغالبًا ما ترافق هذا مع تغيير في أفكار الهوّيّة الوطنيّة وفيما يعنيه أن يكون الفرد عضوا مخلصًا ومساهمًا في قضايا الشّأن العامّ في أمّته، حيث قُبل المسيحيّ بالمواطنة الكاملة في الثقافة الوطنيّة الحديثة في الدّولة العربيّة، وقُبل الكاثوليك بالمواطنة الكاملة في الثقافة البروتستانتيّة ببريطانيا. إنّ المنطق الأساس لحجّة المواطنة هنا يسعى لإظهار أنّ امتلاك الخصائص المميّزة للجماعة أو عدم حيازتها هو غير ذي صلة بمطلب شخص يريد التّمتّع بالمساواة في حقوق المواطنة؛ إمّا لأنّ تلك الخصائص لا صلة لها بالمواطنة أو لأنّ وجودها يجعل المرء لا بأسوأ حال ولا بأفضله من وجهة نظر المواطنة في حال وجودها كما في حال عدمه. مهما كان الشّكل الدّقيق للحجّة، فالمطلب حقّ كلّ فرد في أن يُعامل كمواطن يتمتّع بحقّ المساواة بصرف النّظر عن الجماعة التي ينتمي إليها، فلا ينبغي أن يعتمد القبول في المجال العامّ على خصائص ثقافيّة أو عقديّة كالتي لدى العضو في جماعته.

يمثّل السّعي للاندماج في جزء منه محاولة للحصول على الفوائد المادّيّة الملموسة التي تُكتسب من حقوق المواطنة مثل الوصول إلى المناصب العامّة، لذلك يسعى أعضاء الجماعات المستبعدة للاعتراف بهم كمواطنين متساوين مع غيرهم من أعضاء الجماعة المهيمنة؛ هذا يعني ضمنًا أنّهم يتبادلون معهم هوّيّة مشتركة الأمر الذي يجعل الاعتراف بهم من قبل غير المنتمين لهم له أهمّيّة عندهم إذ لم يعد الاحترام كافيا بذاته من قبل عضو في المواطنة لعضو آخر ينتمي لجماعة معينة. من ناحية أخرى غدا المطلوب هو الاعتراف بمواطن لا غنًى عنه وليس الاعتراف بعضو جماعة لا غنًى عنها، أي أصبح المطلب هو أن يكون الفرد منتميا إلى جماعة دينيّة أو مذهبيّة أو عرقيّة ولكنّه مواطن في دولة، ولديه ولاء للوطن وقيمة كمواطن كما الآخرين، إذن لدينا هنا جماعات تحمل هوّيّتين: هوّيّة جماعيّة، وهوّيّة وطنيّة يشتركون فيها مع الآخرين. ففي بعض السّياقات يريد أعضاء هذه الجماعات في ماجريات التعامل مع مواطنيهم أن تكون الأولويّة للاعتراف بهوّيّاتهم الجماعيّة، وفي سياقات أخرى لاسيما السّياقات العامّة منها يريدون أن لا يُنظر إلى هوّياتهم الجماعيّة تلك كأولويّة وإنّما يُعاملون وفقاً لهوّيّتهم الوطنيّة التي يحضون بالاحترام على أساسها.

ـ كيف يمكن تفسير تحوّل بعض الجماعات أو أقلّه تحوّل أكثر المتحدّثين باسمها صخبًا من سياسة الإدماج إلى سياسة الاعتراف؟

ـ لماذا أصبحت المشاركة السّياسية مهمّة بالنّسبة للنّاس ليس كمواطنين متساوين لكن كَحَمَلة لهوّيّة فئويّة؟

ترد هنا إجابتان:

الأولى مفضّلة عند المدافعين عن سياسة الاعتراف مفادها أنّه لا يمكن أن تنجح سياسة الإدماج وفقا لشروطها الخاصّة لأنّه من الصّعب جدّا أن يُعامل أعضاء الجماعات كمواطنين متساوين بتجريدهم من صفاتهم وتفضيلاتهم الجماعيّة باعتبارها غير ذات صلة بالأهداف والأغراض السّياسيّة، ولأنّ الفضاء العامّ متحيّز ضدّهم يجسّد المعايير التي يجدون من الصّعب عليهم إطاعتها. قد يبدو هذا الانحياز أقلّ علنيّة بالمقارنة مع المفاهيم السّابقة للمواطنة لكنّه ما يزال موجوداً على الرّغم من ذلك. تزعم يونغ على سبيل المثال "أنّ المجال العامّ التّقليديّ للمواطنة عمل على استبعاد الأشخاص الذين يوحّدون بين الجسم والشّعور ... وأنّ العديد من المنظّرين المعاصرين للمشاركة الدّيمقراطيّة يتبنّون تصوّرا لجمهور مدنيّ يترك به المواطنون خصوصيّاتهم واختلافاتهم خلفهم، وهو ما يجعله يستمرّ كتصوّر عموميّ في تهديد البعض بالاستبعاد إذ ينبغي أن يتحول معنى "الجمهور" من خلاله إلى فضاء لتقديم إيجابيّة اختلاف الجماعات، وتقديم عواطفها وأدائها". Young, 119,

إنّ دعوى انحياز المجال العامّ لا تصمد أمام التّمحيص الدّقيق، فلا يوجد أيّ سبب للاعتقاد بأنّ مفهوم المواطنة الجمهوريّ الذي يرى أنّ على المواطن أن يلعب دوراً فاعلاً في تشكيل الاتّجاه المستقبليّ للمجتمع من خلال النّقاش السّياسيّ وصناعة القرار، يضع جماعات مثل الأقلّيّات العرقيّة أو الدّينيّة في وضع غير مواتٍ لها.

الثّانية ترد عند السّؤال عن سياسة الهوّيّة حينما يصبح الاعتراف السّياسيّ العلنيّ بالهوّيّات مهمّا بالنّسبة للجماعات بسبب ما قد تكون عليه هذه الهوّيّات في أوضاع غير آمنة تهدّدها بالتّلاشي. حيث يطلب من هذا الاعتراف تعزيز وإضفاء الشّرعيّة على الهوّيّات الجماعيّة التي قد تتسبّب العوامل الاجتماعيّة بطريقة أو أخرى في خفض أهمّيّتها. و تزعم يونغ أنّ هناك العديد من الأمثلة عن الهوّيّات الجماعيّة التي تكون فيها الجماعات خاضعة أو مضطهدة تتطلّب اعترافاً خاصّا). إن نقدا مهما وقيما ليونغ هو ما وجهته:

Nancy Fraser, ‘Redistribution or Recognition : A Critical Reading of Iris Young’s Justice and the Politics of Difference’ Journal of Political Philosophy, 3 (1995), 166-81.(

عندما نفكّر في جماعة طائفيّة سواء كانت دينيّة أو عرقيّة فإنّنا غالبًا ما نفكّر بمجتمع مغلق يعترف فيه الأعضاء بعضهم ببعض وينظر الآخرون لهم من الخارج بوصفهم ينتمون إلى تلك الجماعة. تميّزهم ثقافة وتقاليد وعلاقات اجتماعيّة وقيم مشتركة وهوّيّة لا تعتمد على خيارات يقوم بها أعضاء منفردون، على الرّغم من أنّه في بعض الحالات يمكن أن تُـقارب العضوية في جماعة هذه الصّورة الأخيرة. على كلّ حال، يمكن اعتبار الهوّيّة مسألة اختيارات تحصل بطريق الجماعات أو بواسطة الأفراد، ويمكن للجماعات أن تختار التّعريف عن نفسها بهذه الطريقة أو تلك؛ ولدى الأفراد المتساوين في كثير من الأحيان مجموعة من الخيارات التي تتعلّق بالهوّيّة للتّفضيل فيما بينها، والأمر متروك لهم في أيّ الخيارات التي يفضلون في سياق تحديد الهوّيّة الذّاتيّة.

Levine Modood.T., Beishon.S.,and Virdee,S., Changing Ethnic Identities (London,Policy studies Institute , 1994(.

إذن كلّ هذه الهوّيّات متاحة لأعضاء الجماعة ليقوموا بالخيارات المختلفة، يضاف إلى ذلك إمكانيّة تحوّل مركز ثقل الجماعة بأكملها مع مرور الوقت بتغيير ثقافتها الدّاخليّة وتغيّر الظّروف الخارجيّة المحيطة بها.

وهو ما يكشف عن قدرة الأفراد على تحديد انتماءاتهم وتعيين الجوانب التي لها الأولويّة منها، إذ يفضّل معظم النّاس عدم التّخلّي عن هوّيّاتهم الجماعاتيّة في الظروف التي تكون فيها أصولهم متعدّدة، ومع ذلك يختارون هوّيّة واحدة أو مختلطة وفقا لتفضيلاتهم الثّقافيّة الشّخصيّة ووفقا للجاذبيّة الاجتماعيّة النّسبيّة لمختلف الهوّيّات

Waters.M.C., Ethnic Option : Choosing Identities in America (Berkeley, University of California Press, 1990), PP.23-5.

التي تبرز واضحة مثلا في أحد أشكالها المعروفة بـ "العرقيّة الرّمزيّة" حسب تعبير جي. أج. جينس في كتابه الذي يحمل هذا العنوان

Gans,H.J., ‘Symbolic Ethnicity’ in Hutchinson.H.,and Smith.A.D.,(eds),Ethnicity (Oxford, Oxford University Press, 1996).

حينما يستفيد النّاس من شعورهم بالانتماء لجماعة محدّدة. بالتّأكيد لا يمكن تعميم هذه الهوّيّات على المجتمعات كافّة اذ من الخطأ أن تُعتبر الهوّيّات من هذا النوع نسخة معياريّة للهوّيّات في المجتمعات اللّيبراليّة المعاصرة مثلا، فقد يختلف الموقف كثيرًا بالنّسبة لجماعات مغلقة وثابتة،( نجد شرحا وافيا عن هذا بتركيز على الهويات العرقية عند:

Hollinger.D.A., Postethnic America( New York, Basic Books,1995),ch.1)

وقد يكون الاعتراف السّياسيّ بالهوّيّات الجماعيّة مهمًّا لأنّه يساعد على ترسيخها، فإذا نجحت جماعة في كسب هذا الاعتراف فإنّها تؤسّس من ناحية أولى لواحد من بين العديد من الخطوط الممكنة للانقسامات الاجتماعيّة؛ وتكون قادرة من ناحية أخرى على تحديد ما يعنيه الانتماء إليها علناً.

( للمزيد من الأمثلة التفصيلية المؤيدة لما ذهبنا اليه أنظر

Appiah.K.A.H., ‘Identity, Authenticity, Survival’ in Tylor, C., Multiculturalism : Examining the political of Recognition, ed Gutmann.A.,( Princton, Prinston University Press, 1994).

الهوّيّات الجماعيّة والدّيمقراطيّة

ـ ما الذي يدفع جماعة طالبت بالتّسامح أو بالاندماج والمساواة إلى المطالبة بالاعتراف؟

لا تنشأ سياسة الاعتراف في الغالب الأعمّ من فشل سياسة الاندماج أو من أوضاع تصبح فيها الهوّيّات الجماعيّة متحوّلة وخاضعة للخيار الفرديّ على نحو متزايد، وإن ظلّت هذه الهوّيّات مهمّة لحامليها. ويأتي السّؤال التّالي عمّا إن كانت السّياسة من هذا النّوع قابلة للحياة، أي عمّا إذا كان ممكنا بالنّسبة لدولة ديمقراطيّة أن توفّر وضعا يتمّ فيه الاعتراف بالجماعات على قدم المساواة ويشرعن هوّيّاتهم في إطار سياسيّ.

ولعلّ هذا التّحليل يقود مباشرة إلى السّؤال عن المعايير التي يمكن اعتمادها لتحديد الجماعات المؤهّلة للاعتراف السّياسيّ، يضع باحثون مثل يونغ معياراً واحداً تتأهّل به الجماعة للاعتراف وهو "معاناة الاضطهاد والحرمان" بصرف النّظر عمّا قد ينطوي عليه تطبيق مثل هذا المعيار من مضاعفات لاسيما في مجتمع غير متجانس أقواميّا ودينيّا سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الجماعات. فالاحتمالات واسعة جدا إذا أخذنا بعين الاعتبار بعض التّفاصيل المتعلّقة بالعرق، الجنس، الملّة، المذهب، الطّبقة والحزب، فقد يأخذ تأسيس جماعة مع كلّ بُعْدٍ شكلا منفصلا، إذ أنّ هؤلاء الأفراد الذين ينتمون لعرق أو جنس أو ملّة أو مذهب أو طبقة منهم من ينتمي مثلا لأحزاب علمانيّة ويشكّلون هوّيّة جماعيّة، كيف يمكن أن يكونوا مؤهلين للحصول على الاعتراف السّياسيّ؟ أية وسيلة هي الوسيلة الصّحيحة؟

تجيب يونغ أنّه وبشكل عامّ، كلّما مالت الجماعة إلى الانفصال أكثر كلّما كان ممكن تمييزها بشكل أوضح، لذلك فهي تنادي بفكرة "جماعة الانتماء" وتقول: "تضمّ فكرة "جماعة الانتماء" أولئك النّاس الذين أشعر معهم بالألفة، بالتّرابط العاطفيّ، وبالرّاحة أكثر أو بالشّبه في الأسماء ولكن ليس وفقا لبعض الصّفات الطّبيعيّة العامّة. قد يتحوّل شخص من الانتماء لجماعة معيّنة وفقا للحالة الاجتماعيّة أو وفقا لتغيّرات في حياته ... فبناء هوّيّة الجماعة يتمّ خلال عمليّة مستمرّة يعرّف بها الأفراد أنفسهم، ويعرّفون بها الآخرين من ناحية صلتهم بجماعتهم، وبالتّالي تتحوّل هوّيّة الجماعة نفسها مع التّغييرات في هذه العمليّة الاجتماعيّة". Young, 172.

يتناسب هذا الوصف مع تحليل الهوّيّات الطّائفيّة والجماعات الأخرى حيث حرصت على التّأكيد على أنّه لا ينبغي النّظر إلى هذه الهوّيّات باعتبارها ثابتة ولكن بوصفها متحوّلة سواء بالنّسبة للجماعة أو بالنّسبة للأعضاء وهو ما يمثّل عقبة كأداء أمام فكرة تمثيل الجماعة والجوانب العمليّة الأخرى لسياسة الاعتراف ومن ثمّة يصبح السّؤال: أيّ سياسة مناسبة يمكن أن تكون ضروريّة لتمييز هوّيّات جماعيّة معيّنة على حساب أخرى؟

قد يبدو للوهلة الأولى أنّها مجرّد مسألة تفصيل عمليّ في إطار سياسة الاعتراف، لكنّها في واقع الأمر تدلّ على عدم تماسك الدّفاع عن الهوّيّة السّياسيّة جنبا إلى جنب مع الادّعاء بأنّ الهوّيّات الجماعيّة لا تُعطى مسبقا ولا هي ثابتة أبدا، ولكن تتجدّد باستمرار وفقا للانتماءات التي يشعر بها مختلف الأفراد؛ فلا يمكن لسياسات الهوّيّة أن تبقى مرنة بلا حدود. لا بدّ إذن أن تؤطّر الجماعات نفسها لتحصل على الاعتراف السّياسيّ ولأجل تثبيت عضويّتها وتحديد ما تسعى إليه من الحقوق التي تعتمد بسهولة وفي أغلب الحالات كأساس لتصنيف خصائص الجماعة مثل الملّة أو المذهب أو الجنس أو العرق. قد يشتغل هذا الأمر على مستوى سياسيّ وقد لا يشتغل، لكن اشتغاله يحصل عن طريق تثبيت وتفضيل بعض الهوّيّات على حساب أخرى؛ لذلك فهو ببساطة غير متوافق مع الادّعاء بأنّه من الممكن لكلّ شخص أن يكون قادراً باستمرار على تغيير تفضيلات هوّيّة جماعته على أساس مشاعر الانتماء.

وجوابا عن السّؤال: ماذا يعني أن تكون هوّيّة جماعيّة معترف بها سياسيّا؟ فإنّه:

ـ أوّلا، يتعيّن على أولئك الذين ليسوا أعضاء في جماعة معيّنة أن يفهموا ما يعنيه الانتماء لها، وأن يتفهّموا وجهة نظر أعضائها في الواقع ليدركوا معنى ذلك الانتماء وقيمته بالنّسبة للمنتمين لها لأجل أن يكوّنوا تمثّلا واقعيّا عمّا يتعلّق بتلك الجماعة.

ـ ثانيّا، لا بدّ من الاعتراف بهذه الهوّيّة كهوّيّة ذات قيمة مساوية لهوّيّات غيرها من الجماعات.

ـ ثالثا، من الضّروريّ أن تتجلّى هذه القيمة عمليّا عبر سياسات تحترم مطالب كلّ الجماعات. دعنا نطلق على هذه العناصر الثّلاثة: فهم الاعتراف، التّقييم الإيجابيّ، والتّأييد العمليّ.

   لا يواجه العنصر الأوّل المتعلّق بالفهم أيّة صعوبة، ويبدو أنّ حجّته قويّة ومؤيّدة لفكرة أنّ وجود أعداد كافية من جماعة معيّنة على السّاحة السّياسيّة يجعلها قادرة على إسماع صوتها، ويساعد غير الأعضاء على فهم ما يهمّ الأعضاء، ويضفي معنًى على مطالبهم التي قد تبدو للوهلة الأولى غير ذات قيمة. إنّ وجود هذه المطالب لا يضمن فهمها ولكنه شرط لازم، والفهم ضروريّ لأيّ وجهة نظر، وسياسة تجسّد المبدأ الدّيمقراطيّ الذي يحسب صوت أيّ فرد بالتّساوي مع أصوات الآخرين. فإذا كنّا لا نفهم ما يريد أعضاء جماعة ما ولماذا يريدون ذلك فإنّنا لن نستطيع وزن مطالبهم بالتّساوي تُجاه مطالب الآخرين.

   يصبح التّقييم الإيجابيّ كعنصر ثانٍ أكثر صعوبة عندما يكون هناك تعارض بين قيمة الهوّيّة التي تنادي بها الجماعة وبين ما قد ينادي به شخص معيّن من إعلاء للقيم الخاصّة،

Exdell.J., ‘Feminism,) Fundamentalism and Liberal Legitimacy ‘, Canadian Journal of Philosophy, 24(1994),441-64.)

سواء كانت هذه القيم لجماعة محدّدة أو قيم اجتماعيّة عامّة. ولكي أتجنّب سوء الفهم فإنّني لا أعني بذلك أنّه ليس هناك قيمة في حياة أولئك الذين يعيشون وفقا لمعايير مختلفة عن عاداتنا وتقاليدنا، فإذا أخذنا المسيحيّة مثلا، فإنّنا نجد أنّه بوسع المسلم أن يُقدّر هذه الهوّيّة ويحترمها في الوقت الذي يحمل ويمارس فيه قيمه الإسلاميّة، فمن المرجّح أن يجد الكثير من التّداخل في الفضائل التي يجسّدها الإيمان المسيحيّ مع ما لهوّيّته كمسلم من قيم حتى وإن لم يرغب في اعتناق المسيحيّة. إنّ المسألة التي أطرحها هنا هي أنّه لا يمكن أن يضمنَ هذا التقييم مقدّما معرفة أيّ هوّيّات سندعو لتأييدها، فتقييم أمر ما هو الحكم عليه بأنّه يلبّي معايير معيّنة وإن كانت واسعة أو غير مرنة، ولا نذهب هنا إلى أنّ مطلب الهوّيّات الجماعيّة غير معقول أو غير مقبول تأييدا لرأي جارلس تايلور في كتابه "التّعدّديّة الثّقافيّة". Tylor,C.,Multiculturalism: Examining the political of Recognition,ed Gutmann.A.,( Princton, Prinston University Press, 1994). PP. 68-9.

وبالنّسبة للتّأييد العمليّ كعنصر ثالث فإنّ نفس الشّيء ينطبق عليه، فللموافقة على المطالب التي تقدمت بها الجماعة التي لا نجد لهوّيّتها قيمة إيجابيّة فإنّ دعمنا لما هو أقل قيمة سيكون على حساب ما له قيمة ولا يمكن أن يكون هذا أمرًا معقولا. وحتى عندما تكون الهوّيّة المعنيّة هوّيّة ذات قيمة يبقى التّنافس على توزيع الموارد ممكنا وهو ما يعني أنّه لا يمكن أن يكون ما تطالب به الجماعة مقبولًا كلّه من قبل من هم خارجها.

ما أودّ الإشارة إليه هنا هو تلك النّتائج العكسيّة المحتملة التي تثيرها سياسة الاعتراف في العلاقة ما بين الجماعات، فسياسة التّسامح تمنح الجماعات حرّيّة ممارسة قيمها الخاصّة في حدود معيّنة، وتقتضي سياسة الإدماج المساواة في التّعامل مع المواطنين بصرف النّظر عن هوّيّاتهم الجماعيّة، وتلزم كلّ الجماعات بألاّ تُقيّـم الواحدة منها طريقة حياة أو ممارسات الأخرى. بينما تبحث سياسة الاعتراف عن مثل هذا التّقييم الإيجابيّ ولكنّها تحمل في طيّاتها خطر رفض هذا التّقييم لاسيما وأنّ بعض ما تعتزّ به جماعات معيّنة لن يكون له دور عند إيجاد تسويّة سياسيّة.

الهوّيّات الجماعيّة والهوّيّة الوطنيّة

قدّمتُ لحدّ الآن ملاحظتين نقديتين حول سياسة الاعتراف:

ـ تتعلّق الأولى بالتّوتّر الشّديد وربّما بالتّناقض بين الاعتراف كانفتاح على الغير، وبين صيرورة وتحوّلات الهوّيّات الجماعيّة في مجتمعات معاصرة والسّعي لإبعاد جماعات معيّنة من النّظام السّياسيّ ومنحهم حقوق حرّيّة الوصول للسّلطة، وسياسة حقّ النّقض التي رفضت من قبل جماعات أخرى.

ـ وتتعلّق الثّانية بعدم إمكانية الاعتراف السّياسيّ مقدّما وفي جميع الأحوال، فقد يكون من المستحيل على بعض الجماعات الاعتراف أو تأييد جماعات أخرى بالطّريقة المطلوبة دون أن يكون هناك انتهاك لهوّيّاتهم الخاصّة، وبهذا يكون التّسامح ممكنا لكن الاعتراف ليس كذلك. إنً سياسة الاعتراف عرضة لنتائج عكسيّة من خلال ما قد تتعرض له جماعات من رفض صريح ومباشر لم تواجهه حتى في ظلّ نظام سياسيّ أقلّ تسامحا.

سأنتقل الآن إلى القضيّة الثّالثة والأخيرة وهي قضيّة تتطلّب النّظر في العلاقة بين هوّيّات هذه الجماعات والهوّيّة الوطنيّة كهويّة أكثر شموليّة يحصل عليها النّاس بوصفهم أعضاء في المجتمع. وأودّ البدء بالتّأكيد على حقيقة أنّه لا يصبح لسياسة الاعتراف معنى إلاّ بافتراض وجود الهويّة العامّة (أي الهوّيّة الوطنيّة) وجودا سابقا بالفعل.

ـ ماذا تعني الهوّيّة الخاصّة للجماعة إذا كان مسلّما بها من قبل أعضاء الجماعات الأخرى؟

لن تعني هذه الهويّة غير الجماعة والجماعة فقطّ، فإذا كان الآخرون مهمّون بالنّسبة لها، وكان تقديرهم لممارساتها وطريقة حياتها يؤثّر على إحساسها الخاصّ بقيمتها، فلن تكون الجماعة مضطرّة لمخاطبتهم كغرباء عنها تمامًا لتطالب باعتراف علنيّ، لأنّ المطلوب هو احترام الحقوق الأساس لاسيما منها ما يتعلّق بحرّيّة اختيار طريقة خاصّة في الحياة. لقد عاشت الجماعات المستقلّة بتقارب في السّابق مثل الذي كانت عليه الطّوائف الدّينيّة في القرون الوسطى حيث لم يطالب بعضها البعض الآخر بالاعتراف بالمعنى المتحدّث به الآن، وإنّما طالبت بالتّسامح. فالمطالبة بالاعتراف هي إذن موجّهة لأعضاء في المجتمع الأكبر وهو الأمّة؛ أي لأولئك الذين تمّ تحديدهم كمقابل مصطنع فرضته السّياسة المهيمنة حتى وإن كان لديهم من الرّوابط ما يربطهم بها بالفعل.

تستحق هذه النقطة التّأكيد، لأنّ دُعاة سياسة الاعتراف غالبا ما يسعون إلى الحطّ من قيمة الهويات الكبيرة ويدعون أعضاء الجماعات المضطهدة والمحرومة إلى التّبرّؤ منها. ويرون أنّ فكرة الأمّة الموحّدة تتضمّن ضرورة وجود جمهور متجانس بشكل جذريّ ليترتّب عن ذلك الجمهور "نظام حكم عادل"، وهو ما يستبعد الجماعات التي تعتبر منحرفة، تقول يونغ: (لا ينبغي تجاهل الاختلافات الجماعيّة ...، ويجب ان تكون مقبولة ومعترفا بها علنًا، بل أكثر من ذلك ينبغي قبول الاختلافات الجماعيّة للأمّة مهما كانت دينيّة أو عرقيّة، فالدّولة المثاليّة في القرن العشرين هي التي تتشكّل من تعدّديّة أمم وجماعات ثقافيّة، مع وجود قدر من حقّ تقرير المصير والحكم الذّاتيّ المتوافق مع المساواة في حقوق وواجبات المواطنة) Young, 80,. لقد توصّلت يونغ إلى هذا الاستنتاج لأنّها قرنت الوحدة الوطنيّة كمثل أعلى بفكرة إجبار الأقليّات الجماعيّة على التّخلي عن ثقافاتها المحلّيّة لكي يتمّ استيعابها في ثقافة وطنيّة واحدة. ففيما يتعلّق بالسّياسة اللّغويّة عن سبيل المثال، اتّهمت يونغ سياسة ترسيم لغة وحيدة في دولة تقطنها جماعات ذات لغات أخرى بأنّها سياسة تنطوي على قدر من الإدماج القسريّ للجماعات اللّغوية الأخرى وهو ما يعتبر بنظرها "إبادة" للأقلّيّات الثّقافيّة، Young, 110 فهي ترى أنّه ليس ممكنا تماما معاملة اللّغة الواحدة كلغة عامّة للدّولة وإلزام الجميع باكتساب الكفاءة في استعمالها كشرط أساس للمواطنة مع الاعتراف في ذات الوقت بالتّشجيع على أن تكون اللّغات الأخرى لغات جماعات عرقيّة، لأنّ هذا يوضّح بنظرها حجم المغالطة المتعلّقة بتطابق الهوّيّة المشتركة مع التّجانس الثّقافيّ ... لكن أليس من الممكن أن تكون هناك ثقافة عامّة مشتركة تُعرّف الهوّيّة الوطنيّة جنبا إلى جنب مع تعدّد الثّقافات الخاصّة التي تحدّد هوّيّات النّاس بوصفهم أعضاء في جماعات، فيتحقّق بذلك التّعايش على الرّغم ممّا قد يحصل من حين لآخر بين هذه القيم الثّقافيّة المختلفة من توتّر؟ لم تُدْلِ يونغ ولا غيرها من مناصري سياسات الاختلاف بشيء يمنع من تصوّر مثل هذا التّعايش ويعتبره مستحيلا.

لم تسع الأقلّيّات بشكل دائم وفي كلّ الأحوال إلى تعزيز هويّاتها الخاصّة على حساب الهوّيّة المشتركة؛ بل على العكس من ذلك غالبًا ما حرصت على تأكيد التزامها بالأمّة لاستباق الرّدّ عن أيّ اتّهام يركب الاختلافات الثّقافيّة ليطعن في ولائها للوطن وفي وفاء أعضائها كمواطنين بحسب ما عبّر عنه جون هارلس في كتابه:

Harles,J., Politics in the lifeboa,( Boulder,Co.,Westview,1993(.

"السّياسة في قارب نجاة المهاجرين والنّظام الدّيمقراطيّ الأمريكيّ". لنفترض وفقا لسياسة الاختلاف أنّ أعضاء هذه الجماعات تخلّوا عن انتماءاتهم الوطنيّة وعرّفوا أنفسهم من خلال العضويّة في جماعاتهم حصراً، ماذا سيكون حال السّياسة في دولة تتشكّل من هكذا جماعات؟ إنّ الأمر سيأخذ حتما شكل مساومات، وستستخدم كلّ جماعة ما لديها من موارد وإمكانيّات متاحة لتعزيز مصالحها المادّيّة والثّقافيّة، وفي هذه الحالة لن يعود هناك أيّ موجب لانضمام جماعة إلى ايً مطالب أخرى إلاّ اذ مكّنها ذلك من الحصول على بعض المزايا. وستلقى المناشدات المطالبة بالمصلحة المشتركة وبالتزام العدالة آذانا صمّاء في مثل هذه الظّروف، لأنّه في حالة عدم وجود هوّيّة مشتركة وغياب الشّعور بالانتماء فإنّ كلّ جماعة ستعمد إلى تأويل تلك المناشدات، ستعتبرها مثلا بأنّها مجرّد قناع للمصالح ووجهات النّظر التي تصنعها الجماعة الأخرى، باختصار سيكون هذا في أحسن الأحوال لمصلحة سياسة جماعة بعينها بحسب ما ألمح إليه سايبونش في كتابه: (بعض القلق من الاختلاف

Syponowich.C., ‘ Some Disquiet About ‘’Difference’’’,Praxis International,13 (1993),99-112, esp. pp.104-5.

ليس هذا هو نمط السّياسة الذي يدافع عنه مؤيدو سيّاسة الاعتراف، إنّهم يسعون إلى شكل من السّياسة تقدم عبرها الجماعة مطالب حقيقيّة بإعمال حوار داخليّ ومعايير للعدالة تكون مقبولة من قبل الجماعات الأخرى للوصول إلى توافق يسوّغ تلك المطالب ويجعلها مقبولة. تقول يونغ: "تقضي السّياسة التّحرّريّة الإنسانيّة أنّه إذا خضعت جماعة للظّلم فإنّ على جميع المهتمّين في مجتمع عادل أن يتّحدوا لمكافحة القوى التي تمارس ذلك الظّلم، عليهم إذن أن يعملوا سويّا من أجل بناء مجتمع عادل". وبموجب هذا الرّأي قارنت يونغ هذا النّوع من السّياسة مع مصلحة الجماعات المتعدّدة فرأت أنّ: "كلّ جماعة تعزّز مصلحتها الخاصّة بقوّة وعلى أكمل وجه قدر الإمكان، وليس من الضّروريّ في سعيها ذاك أن تنظر إلى المنافسين في السّاحة السّياسية كحلفاء أو كخصوم محتملين ما عدا فيما يتعلّق بالمصالح الاستراتيجيّة. ولا تستلزم قواعد الاجتماع تبرير مصلحة إحدى الجماعات كحقّ أو اعتبارها متوافقة مع مقتضيات العدالة الاجتماعية على حساب ما للجماعات الأخرى من مصالح متعدّدة، فالجمهور غير المتجانس يعتبر جمهوراً له أن يشارك في نقاش القضايا المعروضة عليه ليتوصّل بشأنها إلى قرار يوافق مبادئ العدالة". Young, 176

   وبناءً عليه، يكون السؤال كالتّالي:

ـ ما هي إذن الأوضاع أو الشّروط التي يمكن أن يتوصّل فيها جمهور غير متجانس إلى قرارات وفقًا لمبادئ العدالة طالما أنّ لمبادئ العدالة جانبان، الأوّل معرفيّ، والثّاني تحفيزيّ؟

ـ ما هي الظّروف التي يتوصّل النّاس عبرها إلى اتّفاق مرضٍ حول مبادئ العدالة الاجتماعيّة؟

ـ أيّة دوافع ممكنة من شأنها أن توجّه النّاس إلى التّعامل التّلقائيّ مع احتياجات بعضهم على أساس مبادئ العدالة وليس على أساس المساومة أو بالطّرق العنيفة لحلّ النّزاعات؟

يبدو واضحا أنّ مجتمعا يشترك فيه النّاس في أسلوب الحياة يصلح لأن يكون مصدرا للمعايير الأخلاقيّة وإطارا لتبرير معايير العدالة، فإذا كان الاهتمام منصبّا على سياسة الدّولة فإنّ المجتمع هنا لا بدّ أن يكون هو الأمّة أو الشّعب، وعليه فإنّ الوطنيّة هي المؤهّلة لتوفير الخلفيّة المشتركة المجديّة والوحيدة التي تُمكّن جماعات متنوّعة من حلّ خلافاتها طبقا للمعايير المشتركة عن العدالة. فإذا كان المراد هو تشجيع تنوّع الجماعات وكانت السّياسة الدّيمقراطيّة التي تحقّق العدالة الاجتماعيّة هي المفضّلة في الوقت نفسه، فإنّ الواجب يقضي القيام بترسيخ الهوّيّة الوطنيّة بدلا من محاولة تبديدها.

تعتقد يونغ أنّ الاهتمام بالعدالة ينشأ من تبرير التّفضيلات السّياسيّة أمام جماعات أخرى ذات خبرات وتجارب مختلفة، وهو ما قد يفضح برأيها محاولة تمرير مصالح معيّنة تحت عنوان المصالح المشتركة. سيكون حضور الجماعات المستبعدة من المجال السّياسيّ وضعا مرغوبا فيه بالنّسبة لتلك الجماعات، لكن بشرط أن يوصلها هذا الوضع إلى اتّفاق ينسجم مع مبادئ العدالة كما يرى أم. اس. وليامز في مقالته: "نحو عدالة للجماعات"

Williams.M.S., ‘ Justice towards Groups: Political not Juridical’, Political Theory, 23 ( 1995),67-91.

أمّا إذا كان هذا الوضع مفقودا فإنّ الجماعة المساومة سوف لا تقلق من هذا الواقع لأنّها ستنخرط بانفتاح أكثر إزاء سياسة مساومة المصالح. تعتمد يونغ على فكرة "تحالف قوس قزح" الذي قد تشكّله الجماعات المحرومة للعمل سويّا من أجل انتزاع تنازلات لصالحها، ويعتمد هذا أيضا على معايير مشتركة للعدالة تربط هذا التّحالف الذي من غير المرجّح بالتّجربة أن يحدث، لأنّه نادر الحصول. فمواجهة جماعات أخرى بمطالب مختلفة لا يستلزم عدالة تلك المطالب التي قد تكون صادرة عن تحيّز الجماعات لبعضها، وإذا لم يتحلَّ المواطنون بشعور الهوّيّة المشتركة التي تتجاوز خصوصيّة هوّيّاتهم الجماعيّة فإنّ تحقيق العدالة الاجتماعيّة يبقى احتمالا بعيدًا.

الخلاصة

قدّمت موقفا نقديا لسياسة الاعتراف وناقشت مسألة هوّيّة الجماعات المفتّتة والمقلقة في المجتمعات المعاصرة، فسياسة الهوّيّة في جوهرها دفاع عن الذّات لتأكيد خصائص لا يوفّرها المجال السّياسيّ بطبيعته؛ ولتشجيع الجماعات على تأكيد هوّيّات مفردة على حساب الهوّيّة الوطنيّة المشتركة. إنّها تقوّض الشّروط التي تمكّن الجماعات لاسيما المحرومة منها من أن تأمل تحقيق عدالة مطالبها، ولا يعني هذا القول إنّ الجماعات والهوّيّات الجماعيّة لا صلة لها بالسّياسة فقد جرت نقاشات تناولت الظّروف التي تسوّغ للجماعات المطالبة بحقوق خاصّة لها مراعاة لما يعانيه أعضاؤها من مصاعب نتيجة الانتماء الخاصّ بحسب ما أشار إليه ويل كاميلكا في كتابه: المواطنة والتّعدّديّة الثّقافيّة. لا أرغب في إجهاض نتائج هذا النّقاشات، ولكن أشير إلى أنّ الحجج التي تساق لصالح الالتزام بحقوق الجماعة يمكن الحصول عليها عن طريق الاستعانة بمعايير العدالة التي يشترك فيها جميع المواطنين وعلى نطاق واسع، والتي لا تختصّ أو تقتصر على أيً جماعة بعينها. وهكذا يدخل أعضاء الجماعة السّاحة السّياسيّة في نظام الحكم الجمهوريّ كمواطنين يقدّمون مطالبهم لا من حيث هوّيّاتهم الجماعاتيّة ولكن من ناحية المبادئ والسّوابق المتجسّدة في ممارسة المجتمع للسّياسية، ويكون متساوقا مع منح الحقوق الخاصّة بالجماعات الموجودة. إنّ تمثيل وجهات النّظر كافّة في المجال السّياسيّ يُعدّ أساس السّياسة الجمهوريّة، لذلك تمثّل القرارات التي تنبثق عنها إمّا إجماعا أو توافقا يتمّ بتسوية عادلة بين مجموعة من الآراء السّائدة في المجتمع؛ يلزم من هذا كما اشار أي. فيليبس في كتابه: سياسة الحضور اختيار نظام للتّمثيل يضمن حضور أكبر قدر ممكن من أعضاء كلّ جماعة في المجالس التّشريعيّة وفي المنتديات السّياسيّة الأخرى. وهو ما يستلزم أيضا العودة إلى سياسة الاندماج واستمرار معركة تحرير المجال العامّ من الرّموز والممارسات التي تمنع أعضاء بعض الجماعات من المشاركة كمواطنين متساوين. لا أقصد هنا أن يصبح المجال العامّ محايدًا ثقافيًّا لأنّه يعبّر عن الهوّيّة المشتركة للمواطنين، ولأنّ له من المضامين ما قد يختلف تأويله حسب الأشخاص والظّروف، ولأنّ الهوّيّات الوطنيّة في حالة تغيّر متواصل. فالتّحدّي هو في إعادة صياغتها بطريقة تتقبّل الأقلّيّات الدّينيّة والعرقيّة والجماعات الأخرى بشكل أفضل دون أن يؤدّي ذلك إلى إفراغها من محتواها وتدمير أسس السّياسة الدّيمقراطيّة.

 

د. عليّ رسول الرّبيعيّ

........................

المصادر

- Appiah. K.A.H., ‘Identity, Authenticity, Survival’ in Tylor C. Multiculturalism : Examining the political of Recognition, ed Gutmann. A. (Princeton, Preston University Press, 1994(

-Exdell. J. ‘Feminism, Fundamentalism and Liberal Legitimacy ‘, Canadian Journal of Philosophy, 24 (1994) 441-64.

Harleys, J. Politics in the lifeboat, (Boulder, Co. West view, 1993(

-Hollinger. D.A. Post ethnic America (New York, Basic Books,1995(

-Kymlicka. w. Liberalism, Community and Culture (Oxford, Clarendon Press, 1989); Kymlicka. w. Multicultural Citizenship; Kukathas .C ’Are there Any Cultural Rights?’ Political Theory, 20 (1992), 105-39

Kymlicka, Multicultural Citizenship (Oxford, Clarendon Press, 1995(

- Levine Mood. T. Beishon. S. and Virden, S. Changing Ethnic Identities (London, Policy studies Institute, 1994(

- Nancy Fraser, ‘Redistribution or Recognition: A Critical Reading of Iris Young’s Justice and the Politics of Difference’ Journal of Political Philosophy, 3 (1995(

- Phillips. A. The Politics of Presence, Oxford University Press, 1998.

- Razz, J. Ethics in the Public Domain (Oxford, Clarendon Press, 1994(

- Syponowich. C. ‘Some Disquiet About ‘’Difference’’’, Praxis International, 13 (1993(

- Tylor, C. Multiculturalism: Examining the political of Recognition, ed Guttmann. A. (Princeton, Preston University Press, 1994(

- Waldron. J., ‘Can Communal Good be Human Rights? In Liberal Rights: Collected Papers 2981-91 (Cambridge, Cambridge University Press, 1993(

- Waters. M. C. Ethnic Option: Choosing Identities in America (Berkeley, University of California Press, 1990(

- Williams. M. S. ‘Justice towards Groups: Political not Juridical’, Political Theory, 23 (1995(

- Young. I. M. Justice and the Politics of Difference (Princeton, Princeton University Press, 1990(

- Young. I.M. Communication and the others: Beyond Deliberative Democracy’ in Benhabib, S(ed), Democracy and the difference (Princeton, Princeton University, Press, 1996(

 

 

في المثقف اليوم