قضايا

مشروع انشاء حكومة تكنوقراط

احمد الوشاحمن أساتذة الجامعات العراقية والمهنيين (في مرحلة التطور)

بعد مرور خمس عشرة سنة ادرك معظم العراقيين بشكل قطعي حقيقتين أساسيتين. أولا، ان تسلط الأحزاب على المنظومة السياسية في العراق وممارسة المحاصصة في جميع مؤسسات الدولة أدى الى تغيب كامل للدولة العراقية ولخلق مآسي إنسانية وخدمية جمة. ثانيا، ان المنظومة السياسية الحالية وبمساندة الأحزاب تسعى الى إجهاض أي تغيير او اصلاح جذري وتجده تهديدا لوجودها. وبما انه لا جدوى من حدوث أي تغير داخل منظومة سياسية فاسدة وعقيمة، هناك ثلاثة حلول طرحت في الآونة الأخيرة

. تولي السلطة العسكرية الحكم وإعادة الامور الى نصابها: هذا في تقديري خيار فاشل جدا ولأسباب كثيرة منها ان التاريخ علمنا أن هذا الخيار يقود في الغالبية الساحقة من التجارب الى ديكتاتورية مستبدة وليس الى دولة ديمقراطية. السبب الآخر هو عدم وجود مؤسسة عسكرية متناسقة او لها تاريخ او خبرة طويلة في قيادة البلد، وهناك أسباب أخرى تتعلق بعدم فعالية هذا الخيار في حل المشاكل الملحة.

. تدخل امريكي لتركيب العملية السياسية من جديد: هذا في نظري خيار كارثي بمعنى الكلمة، فالسبب الحقيقي وراء مآسي ودمار العراق هو التدخل الأمريكي والسياسة العشوائية التي اتبعتها الولايات المتحدة بخصوص الملف العراقي لمدة ثلاثة عقود.

. إقامة حكومة تكنوقراط مع وجود المنظومة السياسية الحالية: الكثير شككوا في نجاح او فعالية هذه الحكومة بوجود البرلمان والتدخل المستمر للأحزاب.

بناءً على هذا كلّه وللخروج من المآزق السياسي الحالي اعتقد ان الحل الأمثل هو تكوين حكومة تكنوقراط مرحلية لمدة سنتين تدير البلاد بالكامل. هدف هذه الحكومة هو إعادة كتابة الدستور، تحديد قانون الأحزاب، محاسبة مرتكبي جرائم الفساد الإداري، العمل بشكل متسارع على حل المشاكل الخدمية الملحة وعلى راسها مشكلة الكهرباء والماء والبطالة.

قبل الشروع في الحديث عن تركيبة وتكوين هذه الحكومة المرحلية، يجب ان نؤكد ان ضمان نجاحها يعتمد على تتحقق الخطوات التالية:

الخطوة الاولى: يجب ان يكون هناك التفاف ودعم شعبي كبير لتكوين هذه الحكومة المرحلية بالتركيبة التي سوف نصفها (وبصيغتها النهائية) واعتمادها كخريطة عمل بعد نجاح الخطوة الثانية.

الخطوة الثانية: إقامة التظاهرات في كافة انحاء العراق بشكل سلمي ومن ثم الاعتصام في الاماكن العامة في كافة البلاد والمطالبة بالاتي:  

١. حل الحكومة وعزل جميع الوزراء، مع الإبقاء على مجلس القضاء الاعلى ومكوني الداخلية والدفاع لأسباب امنية ولضمان الاستقرار

٢. حل البرلمان

٣. حل مجالس المحافظات

  

يستمر الاعتصام والضغط الجماهيري حتى تتحقق هذه المطالب بالكامل.

الخطوة الثالثة: في حالة تحقق الخطوة الثانية يشرف مجلس القضاء الأعلى وبمساعدة الجيش والامن الداخلي على المرحلة الانتقالية وتأسيس حكومة تكنوقراط مرحلية.

تكوين حكومة التكنوقراط

نظرا للمرحلة المتأزمة ولعدم وجود وقت كافٍ فانه من الصعب تأسيس حكومة تكنوقراط بالبحث عن عناصر مهنية خاضعة لمؤسسات عدة واخذ الوقت الطويل للحكم في كفاءتهم فعليه اقترح ما يأتي:

اقامة مجلس تأسيسي مكون من أساتذة الجامعات العراقية والمهنيين المستقلين وغيرالمنتمين للأحزاب (في أدناه طريقة التأسيس والآليات). هذا المجلس متكون من ١٦٧عضوا (هذا العدد قابل للزيادة والتغير) و٥٠ من الاحتياط.

لماذا أساتذة الجامعة؟

اختيار الأساتذة الجامعيين المختصين بمجالات متعددة في هذه المرحلة مهم جدا ولأسباب التالية:

(ا) من الناحية العملية وجود المؤسسة الجامعية يسهل من عملية اختيار نخبة متكاملة في اختصاصات عدة قادرة على إدارة البلد بشكل مرحلي.

(ب)الاساتذة بطبيعتهم الاكاديمية لهم القدرة على استيعاب وتقييم الخبرات الفنية والتقنية الأجنبية التي يحتاجها العراق الان لحل جملة من مشاكله الاساسية.

(ج) بالرغم من ان هذا المكون سيعطي تمثيلاً للشريحة الاكاديمية وليس تمثيلاً لكل طبقات الشعب، فإنه سيكون الحل الأكثر نجاعةً لتشكيل مجلس طارئ ومرحلي.  

انتخاب أعضاء المجلس من أساتذة الجامعة

يتم انتخاب الاساتذة من إحدى وعشرين جامعة في العراق (العدد قابل للزيادة والتغيير): ثلاث جامعات في بغداد (جامعة بغداد، المستنصرية، والجامعة التكنولوجية)، والجامعة الرسمية التي تمثل كل محافظة مثل جامعة البصرة، ذي قار، الكوفة، الموصل، والسليمانية، وهكذا. نسبة التمثيل تعتمد على (ا) النسبة السكانية لكل محافظة (ب) وعلى عدد متساوٍ من الكليات او الاقسام العلمية والاجتماعية والإنسانية

تشجيع الأساتذة للترشيح:

يجب ان يكون هناك حراك شعبي وخصوصاً من طلبة الجامعة لتشجيع الأساتذة للترشيح للمجلس التأسيسي.

كيفية اجراء الانتخابات:

. يشرف على الانتخابات مجلس القضاء الأعلى حيث سيكون له ممثل قانوني في كل جامعة

. تدعو إدارة الجامعة او جهة ممثلة في الجامعة كل الأساتذة على الملاك الجامعي المستقلين الى الترشيح، كذلك يحق لأي أستاذ او أستاذة ترشيح زميل لهم من الجامعة نفسها وبموافقة الأخير.

.  تعلن الأسماء المرشحة وتتم الانتخابات في نفس الجامعة وبشكل شفاف وعلني وعلى الملأ (هناك طريقة مثالية لتدبير هذا الامر)

بعد الانتخابات، يجمع مجلس القضاء الأعلى أسماء المرشحين من كل جامعة، يخصص ثلاثة أعضاء (العدد سوف يختلف لبغداد (٧)، البصرة (٥) والموصل (٥)) لإدارة المحافظة والاشراف على انتخابات جديدة لمجلس المحافظة ويرسل بقية الأعضاء (١٠٢) الى المنطقة الخضراء لتكوين المجلس التأسيسي وتقسيم المهام التي سناتي على ذكرها

تركيبة المجلس التأسيسي لحكومة التكنوقراط:

في الأسبوع الاول لانعقاد المجلس التأسيسي وبإشراف مجلس القضاء الاعلى يتم انتخاب اللجنة التنفيذية العليا

. اللجنة التنفيذية العليا: تكمن مهمة اللجنة التنفيذية في الاشراف على عمل الوزارات وتقييم قراراتها وتمثيل البلاد بالمحافل الدولية. في اول اجتماع للمجلس التأسيسي يتم انتخاب سبعة أعضاء للجنة التنفيذية ومن ثم ينتخب السبعة أعضاء أحدهم لرئاسة الدولة لمدة سنة واحدة فقط. سلطات رئيس الدولة محدودة ويعمل دائما بموافقة اغلبية الستة أعضاء الاخرين ويلتزم بالتصويت الشهري للمجلس لكل القرارات.

تقسم اللجنة التنفيذية العليا الاعضاء الاخرين على إدارة الوزارات وبالصيغة الآتية:

() ثلاثة أعضاء لكل وزارة وبحسب اختصاصهم وتوجهاتهم الاكاديمية. يعمل الثلاثة في الأسبوع الاول على انتخاب وجلب مختصين مهنيين وعلى أعلى المستويات سواءٌ أكان ذلك من داخل الإطار الجامعي أو من خارجه، وإضافتهم الى إدارة الوزارة. في الأسبوع الثاني ينتخب الخمسة عضواً من بينهم بصفة وزير.

() صلاحية الوزير محدودة بالتوافق مع اغلبية الأعضاء الأربعة الاخرين.

() يحدد الأعضاء الاحتياجات الخمسة الضرورية للوزارة وتقسيم المهام للعمل عليها

() يجب على هذه اللجنة وضع خطة قصيرة المدى وجدول زمني قصير لايستغرق ٦ اشهر لرفع مستوى هذه الخدمات الى مستوى مقبول وخطة طويلة المدى لمدة سنتين لإنجاز نقلة نوعية في حل معظم هذه المشاكل.

() للوصول الى نتائج سريعة وفعالة يستعين أعضاء الوزارة بالخبرات الأجنبية والاشراف على عملها.

() يصوت المجلس بكل اعضائه شهريا على قرارات كل وزارة والعقود الممنوحة من قبلها، تبث المناقشة والتصويب عبر شبكات التلفاز الرسمية.

يعطي المجلس التأسيسي الأولوية في عمله: (ا) لإعادة النظر في الدستور وصياغته من جديد، تأسيس قانون الأحزاب، إعادة ممتلكات الدولة من الأحزاب والتحقيق في مرتكبي جرائم الفساد الإداري الكبرى. (٢) وضع حلول سريعة وفعالة لمشكلة الكهرباء والماء والصحة والتلوث والبطالة.

طبيعة عمل أعضاء المجلس:

() للضرورة الملحة في الإنجاز، يتوقع من كل عضو العمل بين ١٠-١٢ ساعة يومياً. في حالة غياب عضو لثلاثة أيام لمرض او أسباب عائلية يبدل العضو بعضو احتياط.

() تحدد اللجنة التنفيذية ضوابط صارمة للأعضاء بضرورة عدم العمل لجهة سياسية او خارجية وعدم الاختلاط بشخصيات ذات نفوذ عشائري اوديني او حزبي، (إلا بحدود تقتضيها الأعراف الاجتماعية في العراق، وتكون لقاءات محدودة وسريعة ومعلنة وغير مكرَّسة).

نتائج السنة الاولى

المتوقع بعد نهاية السنة الاولى، النتائج الاتية

. اكمال صياغة الدستور الجديد وتهيئته للاستفتاء.

. الانتهاء من قانون الأحزاب.

. إعادة معظم ممتلكات الدولة من الأحزاب واتباعهم.

. إحالة القضايا الكبرى في جرائم الفساد الى المحاكم.

. تحسن جذري في حل مشكلة الكهرباء والماء المالح.

. وجود على الأقل تجهيز وإعداد كامليْن لأحد المستشفيات في كل محافظة ولثلاث في بغداد.

. اخذ خطوات جدية في محاربة التصحر والتلوث البيئي، خصوصا تلوث الهواء والتلوث الاشعاعي الناجم من استخدام أسلحة اليورانيوم المنضّب. إقامة حملة تشجير ضخمة في معظم مدن العراق.

. إقامة عدد من المشاريع الستراتيجية والكبيرة وتقليل نسبة البطالة.

. تطور أجهزة الامن والدفاع وقدرتها على السيطرة على حماية المدن وحدود البلاد.

السنة الثانية

توظف السنة الثانية إلى تحقيق هدفين اساسيين: الاول هو الاستمرار بحل المشاكل المتراكمة وتعزيز نتائج السنة الاولى. الثاني والاهم هو بناء واعداد المؤسسات الديمقراطية والسلطات القضائية وتهيئة البلد لانتقال الى حكم ديمقراطي واجراء انتخابات نزيهة وعادلة.

امتيازات الأعضاء: ليست لدي صورة كاملة عن هذا الامر بعد ولكن بالنظر إلى أن راتب الأستاذ الجامعي جيد وكافٍ، فانا أقترح جعل راتبه هو امتيازه، وجعل العمل في هذا المجلس تطوّعياً بدون أي امتياز مالي، وتتكفل الدولة فقط بتيسير سكنه وحمايته وتغطية تكاليف سفره.

إشكالات وتحفظات

هذا المشروع هو في مرحلته الاولى ولازال يحتاج الى الكثير من التفاصيل والبعض او الكثير قد يثير جملة من الاعتراضات والتحفظات عليه. دعني اتطرق لبعضها:

. اعتراض: هذا المشروع يركز على السلطوية الاكاديمية والمهنية ولا يمثل كل طبقات الشعب.

جواب: اتفق مع هذا الوصف ولكن في تكوين حكومة مرحلية من الصعب ان تؤسس لحكومة ديمقراطية تمثل كل طوائف الشعب، ومن الصعب جعلها هدفاً والإصرار عليه، لأن ذلك برأيي سيؤدي الى فوضى عارمة وتدهور في الاوضاع الخدمية ويعطل من قدوم حكومة ديمقراطية وهو ما تصبو اليه الحكومة المرحلية المقترحة في هذه الورقة.

. اعتراض: المستوى الأكاديمي لبعض استاذة الجامعة لا يليق بمستوى الطموح للمساعدة في حل الكثير من المشاكل الخدمية الملحة.

جواب: بالرغم من هذا فإن المكون الأكاديمي والمهني لم يتم افراغه بالكامل من الطاقات الخبيرة، فالشريحة الأكاديمية لا تزال - من بين الشرائح الاجتماعية الأخرى - الأكثر قدرة على التعامل مع الخبرات الأجنبية وتقيميها في حل هذه المشاكل.

. اعتراض: الأحزاب السياسية والأطراف الخارجية ستعمل على إجهاض هذه الحكومة.

جواب: هذا توقع واقعي، ولكن لي كل الثقة ان الحراك والزخم الشعبي الذي اوصل حكومة التكنوقراط الى إدارة البلد سيعمل على حمايتها.

. اعتراض: انه مشروع مثالي ولا يتناسب مع واقع المجتمع العراقي المفقم بالأمراض الاجتماعية .

جواب: هذا المشروع هو عبارة عن خارطة طريق عامة، عناصره الأساسية يمكن تحقيقها، اما التفاصيل فسوف تخضع لمكوناتها الظرفية والتغيرات السياسية.

. اعتراض: إن وجود كثير من رؤساء الجامعات خاضع في المرحلة الحالية الى توازنات حزبية داخل وزارة التعليم العالي. فما الخطوات الوقائية الممكنة لحماية الانتخابات في الجامعات من التدخلات المتوقعة؟ لا سيما ان اغلب هذه الأحزاب أصبحت متمرسة في المراوغة والمخادعة والتهديد والتخريب؟

جواب: هذه الانتخابات تختلف عن الانتخابات العامة، فعدد الأساتذة الجامعيين سيكون محدود وعليه يمكن لمجلس القضاء الأعلى السيطرة على مجريات الانتخابات واقامتها امام العامة. بالإضافة الى ذلك انا مؤمن ان الكثير من الأساتذة لديهم الوعي الكامل والقدرة للحد من محاولات الأحزاب للتلاعب في الانتخابات وكشفها.

أتمنى ان يخرجنا هذا المشروع من مساحة الفكر التعجيزي ويدخلنا في مربع الحل السياسي أو في أقل تقدير يوجهنا نحو حلول أخرى أكثر عملية وواقعية.

 

د. احمد الوشاح

أستاذ الفلسفة في كلية بيتزر، كليات كليرمونت، لوس انجلس

عضو دائم في جامعة كامبرج

  

 

في المثقف اليوم