قضايا

الحقوقيون والشبهة فيما يفعلون

محمد العباسيهنالك من حولنا تصدح بعض المنظمات التي تتدعي أنها حقوقية وأن من أهم أهدافها في العالم هو قيد المخالفات والجرائم التي تقع ضد البشر والبشرية سواء من قبل أنظمة قائمة أو منظمات إرهابية أو أفراد متنفذين.. وهكذا. وغالباً تتعرض بعض هذه المؤسسات للكثير من حالات الإضطهاد ضد المعارضين والصحفيين والأطفال والنساء وكل من قد نتفق على إعتبارهم ضحايا أبرياء للعنف الغير مبرر، وهم قد يكونون بكل حق ضحايا لا حول لهم ولا قوة. لكن عنوان هذه المقالة سيحصرني نحو الحديث عن تلك الجهات التي لها في قول الحق مآرب أخرى وأهداف مشبوهة وتعمل وفق أجندات يقف ورائها قوى سياسية مغرضة ومصالح مادية دنيئة وحسابات أخرى شتى !!

فقد بات اليوم بمقدرة كائن من كان أن ينشيء جمعية ويطلق عليها تسمية "حقوقية" ثم يقول ويتقول بما يشاء ضد من يشاء ويطالب بالدعم والسند من بعض تلك الدكاكين الحقوقية في الدنمارك والسويد وأمريكا وبريطانيا ومن جزر "الواق واق".. ويتمرد ويتنمر على دولته مثلاً، أو حكومته، أو أية جهة لا يتوافق معها.. ويختلق المواقف ويفبرك المواضيع.. بل يتطاول بكل شكل مشين على من يشاء بإسم الحرية والديمقراطية المزعومة وحرية الكلمة والرأي.. وسيجد من يتلقفه ويدعمه ويحميه ويوفر له منصات للهجوم والطعن والإزدراء طالما تتلاقى المصالح والأهواء.. وتنهال عليه العطاءات المالية وتنفتح أمامه كافة الأبواب وتأتيه الدعوات المدفوعة الثمن وتتوفر له تذاكر للسفر وتكاليف السكن في أفخم الفنادق الأوروبية من أجل سماع "نباحه".. والإستئناس بصياحه طالما تتلاقى الأهداف.

فمثلاً.. سأبدأ هنا برجل كثيراً ما إحترمت أقواله ومواقفه بشكل عام.. حتى بات يتعدى الأصول وإنكشف عنه الغطاء ولم يعد "يستحي" من المجاهرة ببيع صوته لمن يفتح له خزائن الثراء والعطاء.. إسمحوا لي أن أبدأ بالسياسي البريطاني المعارض "جورج غالاوي".. فقد كنت أحترم مواقفه مع القضية الفلسطينية ومن ثم معارضته للحصار الإقتصادي ضد العراق في 2003 وحتى عندما عارض حرب إسرائيل على لبنان وحمل إسرائيل المسؤولية قائلاً في مقابلة مع شبكة سكاي: "حزب الله" جزء من المقاومة الوطنية اللبنانية التي تحاول طرد الإسرائيليين مما تبقى من أراضيها إضافةً إلى استرجاع آلاف الأسرى اللبنانيين الذين اعتقلتهم إسرائيل خلال 18 عاماً من احتلالها الغير الشرعي للبنان".. واصفاً إسرائيل بالدولة الإرهابية .. لكنه مع مرور الأيام بات يتطاول على كافة دول وقادة مجلس التعاون الخليجي بشكل ملفت للنظر وبدعم إيراني واضح.. بالذات حين وفرت له قناة "برس تي في" الإيرانية صرحاً يطلق من خلاله سهامه المسمومة تجاه شيوخ وملوك الخليج بكل وقاحة.. "جورج غالاوي" تحول من معارض للسياسات البريطانية ومن صاحب كلمة جادة إلى بوق فارسي.. وقد أرسلت إليه شخصياً برسالة حادة أنتقده فيما كان يتقول علينا وتحديته أن يرد على ملاحظاتي إن كان مؤمناً بما يقوله من ادعاءات، وطبعاً لم أجد لا منه ولا من مكتبه أي صدى لذلك.

وعندنا في خليجنا العربي مثال شاذ جداً لمواطن ونائب برلماني في "مجلس الأمة" الكويتي ممن تراه قد إختلطت عليه الأمور والأولويات والولاءات، مما اضطر الكاتب "محمد العصيمي" أن يتسائل مستغرباً: "عبدالحميد دشتي.. كويتي أم إيراني؟!" (جريدة عكاظ 2015)

فهذا المواطن الكويتي الذي أصبح نائباً في مجلس الأمة الكويتي لفترة، "عبدالحميد رضا دشتي"، حقق شهرة واسعة، ليس لأنه يقف مع أهله في الخليج العربي، بل لأنه بنفس طائفي شديد "النتانة" يقف علناً ضدهم من أجل مصالح طهران وأجندتها في المنطقة. هذا الرجل بات يمثل خطراً متحركاً على الكويت ولُحمة النسيج الوطني في الكويت، بل وعلى كافة دول الخليج العربي ككل.. وقد تمادى كثيراً تحت رايته المشبوهة وبإسم حرية الرأي والكلمة وبالفعل هاجم من قبل، هو ومن ورائه ثلة من النواب من ذات الطائفة، تدخل قوات "درع الجزيرة" في البحرين لمواجهة التحريض الإيراني ضد أمنها واستقرارها.. وعارض توقيع الكويت على الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون.. وأساء إلى المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين وحكامهما إساءات بالغة.. وأخيراً طالب باستجواب وزير الخارجية الكويتي عن مشاركة بلاده في "عاصفة الحزم" التي يعترض عليها جملةً وتفصيلاً.

و الأنكى والأّمر في أخلاقيات "حميد دشتي" هو موقفه الداعم للمجرم السفاح "بشار الأسد".. بل وقيامه بزيارات لدمشق ولقاءات حميمة مع "بشار" دون حياء أو خجل.. ومن ثم يكتب في مدوناته علناً ومتحدياً: "البشرى لكل من فرح بلقائي بسيادة الرئيس الدكتور بشار الاسد فيما هو آت في قادم الأيام، والندم والحسرة لمن سيخيب رجاؤه أكثر، وهذا وعد!.".. أي أحمق وأخرق هذا المعتوه الذي يجاهر بدعمه لسفاح ابن سفاح قاتل لشعبه بكل صنوف الدمار والعذاب والتشريد والتنكيل؟.. والأدهى أنه ذهب إليه حينها بصفته نائباً كويتياً وعلى أساس أن زيارته رسمية تمثل دعم دولة الكويت لهذه الحكومة المارقة، رغم المقاطعة الخليجة للنظام السوري وغلق سفاراتها في المنطقة.

ويتسائل د. العصيمي: "إذا كان دشتي يعلم كل ذلك ويصر على مناصرة إيران علنا ويتواقح على القرارات الخليجية الاستراتيجية، فما عساه يكون.؟! مواطنا كويتيا صالحاً أم عدواً بيناً ينخر سوسه في عظام لحمة ومستقبل الخليج.؟! والأهم هو كيف سيتم التصرف معه ومع ما يمثله من خطورة بالغة على المصلحة الكويتية الوطنية والمصلحة الخليجية العليا؟! ليس القرار بيدي. ما أجيده هو التحذير، ثم التحذير، من ترك مثل هذه الأصوات تلعب بالنار وتهدد مصائر دول وشعوب المنطقة".(جريدة عكاظ 2015)

وأمثال هؤلاء من المارقين الطائفيين أو المنتفعين من الوتر الطائفي كثيرون.. بالذات في البحرين والسعودية.. أناس باعوا وطنيتهم الحقيقية وباعوا أوطانهم وفضلوا عليها أهواء طائفية والوقوف مع مصالح أجنبية.. وهذا هو أيضاً حال تلك المؤسسات الحقوقية التي في أساس تقييمها فكرة أن كل حكومات المنطقة والعالم الثالث هي "ديكاتوريات" بائدة وأن كل شعوب المنطقة يعيشون في ظلم وحرمان.. ولسوء الحظ والطالع أن هذه المؤسسات الحقوقية رغم بعض حالات التوثيق الموفقة لبعض الخروقات حول العالم، إلا أنها باتت مخترقة من جهات مخابراتية وتنخرها لوبيات داعمة لها مادياً لتتحكم في قراراتها وفق مصالحها.. بل وربما تعودت بعض هذه الجهات عبر الإبتزاز المباشر والغير مباشر لبعض الحكومات والأنظمة على الحصول على دفعات مالية باهظة من أجل سكوتها عن بعض التجاوزات.

ولربما تبدو مواقف جهات مثل "منظمة العفو الدولية" شاهداً على مثل هذه التصرفات المشبوهة، بالذات مثلاً في تعرضها لقوات التحالف العربي في اليمن المستندة على القرار الدولي 2216، بينما لا نسمع لها رأياً واضحاً فيما تفعله وتقوم به الميليشيات الحوثية بالذات في "تعز".. وكذلك الأمر مع "منظمة مراقبة حقوق الإنسان" فهي تلجأ للملمة صور وفبركات من صفحات التواصل الإجتماعي المجهولة المصادر، لتبني عليها قرارات إدانة تجاه جهة ما دون حيادية أو تقصي أو اللجوء للمعلوات الرسمية المتاحة. ويضيف في هذا الشأن الأستاذ "تركي التركي": "ما يضع الكثير من الاستفهامات حول حقيقة نيات بعض هذه المنظمات باستهدافها المباشر للمملكة تحديداً ولعمل قوات التحالف العربي بشكل عام، وتغاضيها عن التدخلات السافرة لإيران كدولة ترعى الإرهاب وتصنعه في الشأن العربي، إضافة لما تقوم به الميليشيات المحسوبة على طهران شمالاً وجنوباً من حصار وتجويع، العالم بأكمله وقف شاهدا على مآسيه براً وبحراً." (الإقتصادية 2016)

وقد كتب "د. إبراهيم الشيخ" في عموده (مصارحات): "تقارير إعلامية تحدثت عن مغادرة ما يقارب 5000 مرتزق من قوات الحشد الشعبي إلى سوريا وحلب بالتحديد، نقلتهم طائرات عراقية وإيرانية وسورية عبر مطاري النجف وبغداد، بإشراف تام من الحرس الثوري الإيراني! إرهاب منظم ويدار على الطاولة، مُعلن ومدعوم من الغرب وروسيا، لم يتبق شيء من أدوات التدمير إلا إستخدمها ووظفها، ومع ذلك؛ لا نسمع لا للمنظمات الدولية ولا الأممية ولا دكاكين حقوق الإنسان أي تعليق بشأنها، لأنها لا ترى القذى الذي بداخل عينيها، ولأنها أصبحت كمنظمات وأفراد مجرد موظفين عند أنظمة إرهابية، تدفع لهم ليبقوا على رؤوس تلك المنظمات، ينبحون على البحرين والسعودية مثلاً، لكنهم لا يَرَون أبداً إبادة مئات الآلاف في سوريا!" (أخبار الخليج 4 أكتوير 2016)

كم علمنا وكتبنا في شأن اللوبي الصهيوني سواء في أمريكا أو أوروبا أو حتى في أروقة الأمم المتحدة.. لكن هل نعلم شيئاً عن اللوبي الفارسي؟ بالذات حيث بات واضحاً معالم تواطئ أمريكي-إيراني في السنوات الأخيرة (بالذات في عهد باراك أوباما)، حيث طالب "روحاني" خلال زيارته الأولى للولايات المتحدة كرئيس لإيران، الجالية الإيرانية المؤيدة للنظام أن تقوم بدور وطني، وتشكيل مجموعات ضغط فعالة للتأثير على الرأي العام الأمريكي لمصلحة إيران.. غير أن إيران عمدت منذ منتصف التسعينيات إلى تشكيل مجموعة ضغط (لوبي) في واشنطن من أجل حشد الدعم لمصالح نظامها الحاكم، بناء على قراءة تستند إلى فهم تراتبية القرار داخل نظام أعظم دولة في العالم، تتحكم بمقدرات الاقتصاد والسياسة الدوليين، وبالأخذ بنظر الاعتبار ارتفاع وتيرة الصراع في المنطقة التي يتوقع أن يكون دورها محورياً في العقود القادمة حيث سيتشكل عالم متعدد الأقطاب، ستأخذ دول محورية في الشرق الأوسط دوراً فيه، لذلك تسعى دول مثل إيران وتركيا لحجز مواقع متقدمة في هذه المنظومة، باستخدام كافة السبل والوسائل. (الخليج أونلاين 2016)

ويتركز وجود اللوبي الإيراني بقوة في مراكز الأبحاث والمؤسسات الإعلامية، بالإضافة إلى مواقع صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل من خلال مؤسسات غير حكومية ومنظمات سياسية ومدنية، وشركات تجارية لها مصالح اقتصادية مشتركة مع النظام الإيراني.. ويعمل وفق مجموعات ومنظمات تنشط تحت عناوين "منظمات حقوقية"، ومجموعات مناهضة للحرب والتيارات التي تطالب بإعادة العلاقات مع إيران تحت شعار السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.. حتى أصبحت أغلب المنظمات الحقوقية مشبوهة المقاصد ومشكوك بشكل تام في توجهاتها.. بل هي تحولت للوبيات ضغط أشبه بـ "حصان طروادة" !!

الإيرانيون فهموا اللعبة وعملوا جاهدين على التستر على دعمهم للإرهاب عبر إختراق لوبياتهم الخبيثة للجهات ذات التأثير.. واليوم يصفقون ويباركون لقانون "جاستا" الأمريكي ظناً منهم أنه سيضر بمصالح المملكة العربية السعودية، فيما هم محميون من أصابع الإتهام رغم كل عمليات الإعدام والمجازر ودعم الحشود الطائفية المجرمة في العراق وسوريا واليمن ودعمهم الصارخ لحزب الله ونظام بشار الأسد.. بل لم يعد أحد يتكلم أو يذكر أن بعض قادة "القاعدة" يعيشون في أمان في إيران وأن إيران لسبب ما (؟) بعيدة عن كل العمليات الإرهابية التي تعاني منها كل دول الجوار (؟؟).. بل باتت أصابع الإتهام تنحرف نحو إيران كونها من كانت وراء أحداث برجي التجارة كما هي متهمة بأغلب التفجيرات ضد المصالح الأمريكية، بما فيها عملية تفجير الطائرة فوق "لوكيربي".. إنها لعبة "ماسونية" أزلية، ونحن العرب والمسلمين رغم عدد دولنا وتعداد شعوبنا وحجم مقدراتنا لم نلتفت كثيراً لحماية مصالحنا رغم كل المآسي.. ولا نزال نبكي حسرةً على اللبن المسكوب .. "فواحسرتاه"!!

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

في المثقف اليوم