قضايا

خبراء وإستشاريو الاخبار في القنوات الفضائية

محمد العباسيفجأة، ظهر علينا عبر القنوات الفضائية الاخبارية، العشرات من "الخبراء" في الشئون العسكرية والإقتصادية والشئون السياسية.. الكل يدلي بدلوه وتحليلاته وتوقعاته وفلسفاته فيما يدور بين رحى المعارك والحروب في الوطن العربي.. فمنهم الروس وكافة أحاديثهم تقع في خانة تبرير المجازر الروسية، أو نفيها والتشكيك في المعلومات ومصادرها.. ثم الأتراك، في إستماتة لتحليل كافة الأحداث وحصرها في إطار الدفاع عن التحركات التركية في المنطقة.. ومثلهم العشرات من السوريين والعراقيين والمصريين والليبيين واليمنيين والخليجيين.. كلهم يتصدرون المواقع الاخبارية العربية ويتحدثون بصفتهم خبراء وأكاديميين ومستشارين في الشئون القتالية والعسكرية والإقتصادية والإنسانية ومسميات أخرى.. كل هؤلاء "فقسوا" علينا بين ليلة وضحاها، لربما ليكونوا من أكبر المستفيدين من مآسي الآخرين!

من بين كل هؤلاء "العباقرة" نجد جنسيات عديدة يتحدثون العربية بمستويات مختلفة.. فمنهم الروس والأتراك والفرس وحتى الأوروبيين والأمريكيين.. كلهم يخاطبوننا بلساننا ويخوضون في شئوننا.. ومن منهم لا يجيدون لغتنا نجد في لقاءاتهم ترجمات فورية على الهواء مباشرة.. بعض معلوماتهم ربما تكون مفيدة بدرجة ما، غير أن تصوراتهم العامة تعكس توجهات الجهات التي يمثلونها.. جل همهم الدفاع عن سياسات بلدانهم و"الضرب تحت الحزام" لقلب موازين الأحداث.. وبشكل ما ربما نعلم بل ونقّدر أنهم لن تكون لديهم لا الشجاعة ولا الجرأة ولا المصداقية لمخالفة الرأي مع سياسات حكامهم.. فالروس لن يتجرأوا أبداً على مخالفة قيصر روسيا "فلاديمير بوتن".. فنجدهم يجاهدون في إيجاد الأعذار الواهية وقلب الحقائق ونفي المجازر التي يرتكبها سلاح الجو الروسي في سوريا.. بل وينكرونها.. ورغم ذلك نجدهم على جل قنواتنا الإخبارية يصدحون بآرائهم.

و شخصياً لا أرتاح أبداً للمحلل الروسي "تيمور دويدار"، ربما لأنه من أصل "عربي".. غير أنه لا يمت لنا بصلة لا من قريب ولا من بعيد.. بل كل أحاديثه فيها إستماتة للدفاع عن التحركات الروسية في المنطقة وتبرير كل مجازرها دون مواربة.. وفي الحقيقة هو يعتبر رجل أعمال وصِفته حسب موقع "البيان" الإلكتروني فهو "إعلامي ومحلل سياسي روسي متخصص فى قطاع التكنولوجيا والتجارة الدولية".. وربما هي لهجته العربية المصرية التي تجعلني أشمئز من الإنصات لعنصريته الروسية.. وكأنه يدس الملح ويدعكه في جراحنا بكل فخر وإعتزاز وولاء لجنسيته الروسية ومصالح روسيا.. وأعترف لكم هنا أن طبيعة التدخلات الروسية بالذات في قضايانا هذه الأيام تجعلني متحاملاً عليهم بشكل خاص.. وفي ذات السياق أجدني رافضاً لدور المعارضين السوريين ضمن المنصة الروسية.. فدورهم وتكوينهم مشبوه فيه جداً.. فهم مجرد أداة روسية ليكونو حجر عثرة أمام كل إجتماعات المعارضة السورية وأداة لإفساد كل مساعي المعارضة للإتفاق فيما بينهم!!

ومن الخبراء الغير العرب، نجد معارضيين إيرانيين، يعيشون خارج إيران.. جل تحليلاتهم تتعلق بالمواقف الإيرانية.. لذا نجدهم يتكلمون بحرية ودون مواربة ولا خوف من التعسف ضدهم.. لكن، يضل بعض المحللين الإيرانيين محل شك وإستفهام.. وربما يكون المدعو "أمير الموسوي" الذي تستضيفه بعض القنوات على أنه خبير إعلامي هو من أكثر هؤلاء إثارة للريبة.. وهو ضيف مفضل على قناة الجزيرة وإستضافته عدة مرات قناة الحدث أيضاً.. فحسب موقع "وكيبيديا"، يجيد الموسوي اللغة العربية فضلاً عن الفارسية (طبعاً)، ويشارك في مختلف البرامج والمناظرات واللقاءات التلفزيونية في القنوات الفضائية العربية کمحلل سياسي في شئون الشرق الأوسط.  لكن كونه سابقاً شغل عدة مناصب رسمية في الحكومة الإيرانية كممثل ثقافي في كثير من الدول، نجد أن دوره لا يزال مغلفاً بالكثير من الشك.. ففي إطار مشاركاته في هذه البرامج كثيراً ما يبدو کالمدافع والمؤيد لحزب الله اللبناني وما يسمى بمحور المقاومة وطبعاً النظام الإيراني.. ويشاع أنه وراء الكثير من الإشاعات، مثل خبر "إصابة قاسم سليماني" أو دعوته إلى الرئيس السوري "بشار الأسد" لنقل العاصمة من دمشق إلى اللاذقية وطرطوس مؤقتا بسبب الإعتداءات الصهيونية الأخيرة على الأراضي السورية، وأن تستلم المقاومة الإسلامية المنطقة الواقعة ما بين دمشق والجولان المحتل كمنطقة عسكرية مفتوحة مع العدو الصهيوني.. وقد أنكر الموسوي هذه الإشاعات، لكن بحكم دوره في النظام الإيراني وكرهه للعرب بعد طرد أسرته من "النجف" في بدايات الحرب العراقية-الإيرانية، تجعل منه "خبيراً" مدسوساً ومشكوك في كل أقواله!!

ومن المحللين الإيرانيين أيضاً يبرز إسم "علي رضا نوري زادة".. فحسب موقع "إيران بلا أقنعة"، هنالك شكوك كثيرة تحوم حول تاريخ هذه الشخصية بالذات.. فنظراً لأنه كان ولا يزال طيلة العقود الثلاثة الماضية من العملاء المعروفين لـ «اطلاعات» الإيرانية الرهيبة وخبرته الرئيسة كانت ولا تزال دوماً هي تطهير النظام الإيراني وتبرئته من جرائمه العديدة ضد الشعب الإيراني والشعوب الأخرى في المنطقة بما فيها الشعب الأحوازي والعراقي واللبناني والفلسطيني والآن الشعب السوري، وبسبب تقلباته وإزدواجية ولاءاته للشاه والسافاك في بداياته، ومن ثم للثورة الإيرانية والخميني وخامنئي ومن ثم رفسنجاني ومن بعده خاتمي، وهكذا دواليك، يصعب علينا الثقة في أقواله وأفعاله.. بل ويصرح موقع "إيران بلا أقنعة" بأن "نوري زادة" يُسمى لدى الإيرانيين بـ "العميل الاستئجاري"، بسبب خدماته المستمرة طيلة العقود الماضية لأجهزة الشاه ثم نظام خميني الإستخبارية.. ولا وزن له إطلاقًا لدى الصحف ووسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية.. ولكن بسبب كونه يجيد اللغة العربية وبسبب عدم إطلاع وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية على سجل عمالته، تقوم وسائل الإعلام العربية هذه باستضافته ودعوته للمقابلة والحديث أو كتابة المقالات، وهو بدوره وفي إطار المهمة التي وضعها النظام الإيراني على عاتقه، يقدم معلومات خاطئة ملتبسة في محاولة لتسميم أجواء وسائل الإعلام لحساب نظام ولاية الفقيه.

ورغم أن المحللين والخبراء على القنوات العربية كثيرون، وتتفاوت الجنسيات والإنتماءات والخلفيات والتوجهات السياسية، الحديث عنهم كلهم سيطول جداً.. لكن يمكن لكل متتبع مجتهد ملاحظة خصوصية كل واحد منهم وزوايا رؤاهم وتنظيراتهم وإنتماءاتهم وكشف ما بين سطور أحاديثهم ونواياهم.. لذا سأترك موضوع الأجانب جانباً، وسأتطرق للمحللين العرب.. ولا أعتقد بأن أغلبهم يستحقون تلك الألقاب "المفخمة" كونهم من عتاة أصحاب العلم بالأمور والخبرة في التحليل وكأنهم "موسوعات تمشي على أقدام"!!

سأستسمحكم هنا لأنتقل إلى القلة القليلة منهم، ممن أستأنس بالإستماع لهم.. ومن بين هؤلاء الكرام يحضرني إسم الدكتور "فهد الشليمي" من الكويت.. وهو عقيد ركن متقاعد، محلل سياسي وعسكري، رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلام، منسق عام منظمات "كوغر" في الكويت، حاصل على شهادة الدكتوراة في العلاقات الدولية وماجستير في العلوم العسكرية.. أحبه وأستمع إليه وأشتاق للقاءاته لسبب بسيط.. صراحته المطلقة.. "الشليمي" بصراحة يمتاز بعاطفة جياشة وقد يفقد أعصابه أحياناً لأنه لا يوارب في طرح رؤاه وآرائه وتحليلاته، بالذات تجاه ما يجري في سوريا واليمن.. وله هذه الأيام مواقف صارمة وواضحة في القضية القطرية.. له مواقف صارمة وآراء "قاصمة" في فضح قناة "الجزيرة" القطرية، تلك القناة التي يراها مكرسة لنشر الفوضى والتحريض في الخليج، عبر موادها الإعلامية، وضيوفها ممن تعتبرهم مفكرين، مؤكداً أن هذه الفلسفة المتبعة لا تناسب دول مجلس التعاون.. وكتب على صفحته الشخصية بموقع تويتر عن الجزيرة: "أن المشروع الإعلامي الخبيث لنشر فوضى التحريض والخراب في الخليج تجعل من المحرضين مفكرين ومن الجواسيس وطنيين لايشرفني المشاركه بها" (موقع: إرم الاخباري).

وأيضاً أستأنس بمتابعة لقاءات الدكتور "رياض نعسان آغا".. وهو أديب وشاعر وله مؤلفات ومسرحيات ومسلسلات وبرامج تلفزيونية عديدة.. كان سفيراً ووزيراً للثقافة ومستشاراً سياسياً للرئيس "حافظ الأسد".. ثم منشقاً عن النظام السوري وأحد أبرز وجوه المعارضة وأحد أهم أعضاء "الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" ضد نظام "بشار الأسد".. ويتسم الدكتور "آغا" بقمة الإتزان والهدوء والتركيز على حيثيات الأمور التي يطرحها.. جل كلامه يصيب الهدف وكل نقاشاته تتسم بعلم من كان في النظام والعالم بخوافي الأمور المبطنة.. لقاءاته غنية رغم أنها تبث الحزن والأسى على حال السوريين اليوم.. تساؤلاته عن مجريات الأمور والإنعكاسات السياسية الدولية تعكس مدى إلمامه بالسياسة الدولية ومصالحها في المنطقة.. تكاد الدمعة تفر من بين أجفانه وهو يلامس الواقع المر لما يجري في وطنه من مآسي تدمي القلوب.. قدرته اللغوية تعينه في سرد الوقائع كأنها مسرحية تراجيدية كلنا نعيشها معه بكل تفاصيلها القاسية.. أديب في حديثه رغم الألم في نبرته والحزن الجاثم على فؤاده.

ربما سأكتفي بهذه الأمثلة القليلة لمن أشك في مآربهم وممن أشتاق للإستماع إليهم من بين العشرات ممن تستقبلهم القنوات العربية هذه الأيام.. ولكن هذا لا يمنع أن يكون هنالك آخرون ممن يمتازون بحُسن الحديث ووافر العلم وقيّم المعلومات.. وبإختصار، حتى لا أبخس الآخرين حقوقهم، من المميزين جداً في نظري المتواضع في هذا الشأن، أحترم اللواء الركن الطيار المتقاعد "محمد القبيبان"، والدكتور "علي التواتي القرشي" والعقيد "إبراهيم آل مرعي" من بين الكثيرين من السعودية.. وكذلك في الشئون العراقية، الدكتور "يحيى الكبيسي" والمحلل العسكري "إحسان القيسون" والدكتور "مصطفى العاني" وكذلك المحلل السياسي "أحمد الأبيض".. وفي الشأن السوري، العميد "أحمد رحال" والعميد "أحمد الزعبي" وكل أعضاء الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.. والمحلل الليبي الصاخب دائماً "نعمان بن عثمان".. والمحللين اليمنيين "نجيب غلاب" و"عبدالناصر المودع".. والمحلل العسكري الأردني اللواء "فايز الدويري" والإعلامي الأردني المخضرم "صالح قلاب" والإعلامي الحر "يوسف علاونة".. واللبناني مقدم برنامج (DNA) الساخر "نديم قطيش".. كما كنت أعشق برنامج "البرنامج" الساخر للدكتور "باسم يوسف".. وأستمتع بتحليلات الدكتور "عبدالله النفيسي" المفكر الكويتي، رغم كثرة الإنتقادات الموجهة له، وأكن كثير الإحترام للصحفي والإعلامي الكويتي "مشعل النامي" لمواقفه الجريئة مع أحداث الأزمة البحرينية.. وكذلك أحترم آراء الإعلامي الإماراتي "ضرار الفلاسي" والإعلامية البحرينية "سوسن الشاعر".

أما الخبراء من جمهورية مصر العربية فهم والحمدلله كثيرون، ولن أجازف بذكر قليل من الأسماء حتى لا أبخس حقوق الآخرين.. فكلهم "عمالقة" في الشئون العسكرية والإعلامية والأكاديمية وفي كافة المجالات.. وأحب أن أختم اليوم بشخصية لا يمكن لأحد منا غير أن يعترف بعبقريته المتميزة في كل ما يتفوه فيه رغم أنه ليس من عالم الصحافة.. هذه الشخصية الكبيرة القامة والمميزة بكل ما للكلمة من معنى، والتي لن أفيها حقها في خضم كل الأزمات والتقلبات التي نعيشها في عالم اليوم، هو معالي وزير خارجية المملكة العربية السعودية، الأستاذ "عادل الجبير"!

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

في المثقف اليوم