قضايا

اللذّة والسعادة.. هل هما من مقولةٍ واحدةٍ؟

الانسان بطبيعته يسعى نحو اللذّة، وفي نفس الوقت، يحاول جاهدا دفع الالم والابتعاد عنه. فماهي اللذّة؟ وماهي السعادة؟ هل هما متغايران؟ ام هما من مقولة واحدة؟

هل الانسان كائن تحركه اللذّة، وبالخصوص اللذّة الجنسية، كما يرى سيجموند فرويد صاحب مدرسة التحليل النفسي؟ ام انّ اللذّة بمعناها العام، هي السعادة؟ كما يرى الفيلسوف اليوناني ابيقور، والفلاسفة الانكليز امثال جيرمي بنتام، وجون ستيوارت مل، وجون لوك، والفيلسوف الامريكي جون ديوي؟؟.

اللذّة في اللغة هي: طيب طعم الشيء؛ فلذّة الطعام طيبُهُ، ولذّة الحياة: الشعور بالارتياح والاطمئنان. وفي الاصطلاح اللذّة: ادراك الملائم من حيث انه ملائم، كطعم الحلو عند حاسة الذوق، والنور عند البصر، وحصول المرجوّ عند القوة الوهميّة، والامور الماضية عند القوة الحافظة تلتذ بتذكرها.

يمكن القولُ: انّ اللذّة لها مراتب، وادناها اللذّة الحسيّة التي تكون بوابتها الحواس، ظاهرة وباطنة . وهناك لذة عقلية (ابتهاج العقل)، فالعقل يجد لذّة في اكتشاف نظرية علمية، اواكتشاف المجهولات في المعادلات الرياضيّة، وهذا النوع من اللذة يختلف كمّاً وكيفاً عن نوع اللذّة الحسيّة، وهناك لذّة، ارقى درجةً، من سابقتيها، وهي اللذّة الروحيه ؛ حين يعيش الكائن المحدود في اجواء عبادية وروحيّة عاليّة في ارتباطه بخالقه.

واعتبر ارستبوس مؤسس المدرسة القورينائية: ان السعادة ليست الخضوع للذّة، وانما تكمُن في السيطرة عليها، كما انّ ارستبوس جعل اللذّة هي (الخير الاقصى)، مخالفا بذلك راي افلاطون الذي عدّها خيرا من الخيرات لا الخير الاقصى.

الرؤية القرانيّة للذّة

القران الكريم حين يتحدث عن لذائذ الحياة الدنيا، يعبّر عنها بانها متاع، ويعبّر عن الدنيا بانها متاع الغرور، وانها لهو ولعب .... القران يقرّر ان لذائذ الدنيا محدودة وزائلة. ويصف بكلام موجز بليغ لذائذ الاخرة بانها مختلفة كيفاً وكمّاً عن لذائذ الدنيا بقوله تعالى: (والاخرة خير وابقى)، خير من جهة الاختلاف الكيفي والنوعي بين لذائذ الدنيا ولذائذ الاخرة، وابقى من الناحيّة الكميّة ؛ لان لذائذ الاخرة دائمة وباقية .

وذكر القران لذائذ الجنّة بمستوياتها المختلفة . فقد ذكر القران الكريم اللذائذ المادية ممثلة في اشتهاء النفوس، والتذاذ العيون، يقول تعالى:

( فيها ماتشتهي الانفس وتلذ الاعين) . الزخرف: الاية: 71 . وذكروصف لذة للشاربين لخمر الجنة الذي يختلف كما ونوعا عن خمر الدنيا المشتمل على المنغصات والاذى في حين، ان خمر الجنة خال من هذه المنغصّات، يقول تعالى:

(وانهار من خمر لذة للشاربين). سورة محمد: الاية: 51 . وذكر القران ايضا اللذائذ الروحيّة التي تبهج النفوس ؛ فقد تحدث القران عن جزاء الذين يحيون الليل بالعبادة، ومااعد الله لهم من نعيم:

( فلاتعلم نفس مااخفي لهم من قرة اعين). السجدة: الاية: 17 . كما ان الجنة هي مكان خال من المنغصات والمحن، هي دار السلام، يقول الله تعالى على لسان اهل الجنة: (لايمسنا فيها نصب ولايمسنا فيها لغوب ) . فاطر: الاية: 35.

واختم بالقول: ان الفلسفات التي اعلت من شان اللذة، ولم تميّز بين اللذة والسعادة، هي فلسفات خلطت بين الوسائل والغايات؛ فاللذائذ كلها وسائل ليست مطلوبة لذاتها، وانما مطلوبة لهدف اسمى وغاية انبل، وهي سعادة هذا الكائن (الانسان)، والسعادة مطلوبة لذاتها، واللذائذ بوابات الى السعادة شريطة ان تكون هذه اللذائذ منظبطة بضوابط اخلاقية وقيمية لكي توصلنا الى السعادة ؛ والاّ ستكون وبالاً ودماراً علينا .

 

 

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم