قضايا

تتشابه الكائنات في تكوينها

محمد العباسيمن المؤكد علمياً بأن كافة الكائنات الحية تتشابه في أغلب أعضائها ووظائف أعضائها بغض النظر عن تصنيفها العلمي.. فكلها تحتاج إلى التنفس وتتغذي على أنواع من الغذاء والماء أو بعض السوائل لتعيش.. رغم أننا نحن البشر نضع الإنسان في قمة الهرم الجيني للكائنات الحية، غير أننا بشكل أو بآخر نشترك مع كل الحيوانات والحشرات والطيور وحتى النباتات بحاجتنا للطاقة التي نستمدها من الغذاء في ديمومتنا ونمونا.. فنحن والحيوانات نستخدم أفواهنا وأسناننا وألسنتنا وعملية المضغ والهضم ومن ثم إخراج الفضلات من أجسادنا.. أي أننا كالحيوانات ولا نختلف عنها ولا نتميز عنها في شيء.. بل ونشترك مع الحيوانات في ممارسة التزاوج بين الذكور والإناث للتكاثر، وبذات الطريقة وذات النتيجة من حمل ومخاض وولادة.

و كذلك الأمر في تشابه تركيبنا الجسماني بوجود رأس في أعلى الجسد وجمجمة تحفظ المخ الذي يتحكم في كافة حركاتنا وأحاسيسنا ورغباتنا.. وكلنا نعتمد على الإبصار من العينين والسمع من الأذنين والتحكم في إصدار الأصوات من اللسان والتنفس عبر الأنف والفم.. وكلنا لنا أطراف كاليدين والرجلين التي بها نتحرك أو نمسك بالأشياء (بل ونشترك مع بعض الحيوانات في وجود الأصابع).. وأغلب هذه الصفات نشترك فيها مع أغلب الكائنات الحية رغم بعض التفاوت في الهيئة والتركيب الجسماني والاستخدام.  لكننا كلنا بحاجة للأكسجين وللطعام والشراب وغالباً نتغذى على لحوم الحيوانات والطيور والحشرات والنباتات الأخرى للبقاء على قيد الحياة.

لقد انشغل العلماء والمفكرين كثيراً في دراسة وتصنيف الكائنات الحية وربما لا تزال الأبحاث "البيولوجية" و"الجيولوجية" و"الأنثروبولوجية" و"الفسيولوجية" مستمرة بالبحث عن إجابات شافية عن كيفية معيشتها عبر التاريخ وطرق تفاعلها مع بعضها البعض على كوكب الأرض.. وقد لجأ الكثير منهم إلى تصنيف الكائنات حسب مصطلحات ومبادئ ونظريات ربما تساعد الناس على فهم أفضل لبيئة الكائنات الحية.. ولو نظرنا في كم البحوث والدراسات ربما نجد أكثر من مليون فصيلة، ولكل منها طريقتها التي قد لا تختلف كثيراً عن سواها في النشوء والحياة والتكاثر والتطور من جيل إلى جيل.. ويشرح الموقع الإلكتروني (موضوع): "وصُنفت الكائنات الحية باستخدام نظام هرمي مُتسلسِل، تقع فيه كل فئة ضمن الأُخرى؛ أي أن المستوى الأول للتصنيف يكون واسعاً، ويشمل الكثير من الكائنات الحية، ثم يُصبح أكثر تحديداً، وهكذا إلى أن يتم الوصول إلى كائن حي واحد، وذلك ضمن المستويات الآتية: (فوق المملكة (و تسمى بالإنجليزيّةDomain ، و(المملكةKingdom (، و(الشُّعبةPhylum (، و(الطائفة) Class ، و(الرتبة) Order، و(الفصيلة أو العائلةFamily (، والجنس(Genus) ، و(النوع" Species (.

قد يجادل البعض بأن النباتات تختلف بشكل جوهري في تكوينها التشريحي (الداخلي) عن الحيوانات، لكننا قد نتفق أن حتى النباتات هي كائنات حية وتحتاج أن تتغذى لتنمو وتحتاج لوجود الجنسين الذكري والأنثوي لتتكاثر.. أي أن الاختلاف الظاهري لا يمنع من تصنيفها مع الكائنات الحية الأخرى.. بل ويعتقد البعض بأن للنباتات قدرة على السمع والإحساس بحكم بعض التجارب التي بينّت أن النباتات تستأنس بالحديث (الحنون) معها وتستأنس بالموسيقى، بل أن بعض النباتات المنزلية تبدو أنها تتأثر سلباً وإيجاباً بالجو النفسي والعاطفي في المنزل.. وكلنا يعلم بأن النباتات تتنفس الأكسجين (بالذات في النهار) وتحتاج لأشعة الشمس ولا بد لها من توافر المياه والتربة والسماد لتتغذى وتنمو.. وهي بالتالي تموت حالها حال كل الكائنات الحية الأخرى إذا حُرمت من الأكسجين والماء وأشعة الشمس والتربة المغذية.. بل من الثابت علمياً أيضاً بأن النباتات تنام في الليل، وتصحوا مع إطلالة شمس الصباح كما تفعل الأزهار ونبتة عباد الشمس.. ويعتقد البعض بأن النباتات تتواصل فيما بينها بطريقة ما ربما سنكتشفها قريباً.

مرة أخرى قد يرى البعض اختلافاً جوهريا بين النباتات والكائنات الأخرى لأنها غير قادرة على الحركة والانتقال من مكانها، حيث أن كل الحيوانات والطيور لها قوائم وأطراف، بل وحتى أصغر الكائنات البكتيرية، قادرة على الحركة الذاتية.. ومن هنا قد نجد أن الحركة تبدو معياراً أساسيا للفصل بين النباتات وغيرها من الكائنات.. لكن الواقع قد يختلف إذا علمنا أن بعض النباتات النهرية تسبح على سطح الماء من مكان إلى آخر وكثيراً ما تجد لها بيئة جديدة لتغرس فيها جذورها.. ربما لا تتحكم هذه النباتات بالفعل في مسيرها ومصيرها بالشكل المتعارف عليه بيننا، لكننا نعلم أن بعض النباتات تلقي ببذورها في الهواء لتطير إلى مواقع جديدها لها لتنبت فيها (صغارها) وتنمو بعيداً عنها.. فمن نحن لنحكم بأنها لا تفعل كل ذلك من تلقاء نفسها ؟!!

و أيضاً قد يعارض البعض عدم وجود أطرف لدى بعض الحيوانات كالأفاعي وبعض الحشرات كالديدان وأغلب الفطريات والكائنات الميكروسكوبية أحادية الخلايا التي لا أرجل لها، وبالتالي لا يراها منسجمة مع صفة مهمة لأغلب الكائنات الحية الأخرى.. أما بالنسبة للأفاعي مثلاً نعود في هذا الأمر لنظريات "داروين" في شأن التطور.. فنظريات "داروين" مبنية على دراسات وملاحظات وتشريح لأنواع كثيرة من الكائنات الحية التي أظهرت أن بعضها تعرضت لأشكال عديدة من التغير التكويني أو الجسماني حسب البيئات التي نشأت فيها، فبعضها نمت لها أطراف وأخرى اختفت لديها أطراف كانت موجودة عند نشأتها الأولى.. ومن بين هذه الحيوانات ذات الأطراف تأتي الأفاعي، حيث تبين هياكلها وجود آثار باقية لزوائد أو لأطراف لم تعد ظاهرة خارجياً.. أي أنها كانت ذات أرجل فيما سبق ثم فقدت الحاجة لها حتى لم يعد لها وجود.. أما إذا انتقلنا لموضوع الحشرات الدودية، فنجد أن لبعض أنواعها عشرات الأرجل أو زوائد على شكل شعيرات تساعدها على الحركة والتنقل.. وعند الأسماك نجد الزعانف والذيول التي تعينها على الحركة والسباحة كما قد يستخدم الإنسان ذراعيه وساقيه.. لذا كلما تعمقنا أكثر سنجد من العوامل المشتركة بيننا أكثر وأكثر.

و أيضاً لننظر في قضية أن أغلب الحيوانات والطيور لها أذناب (ذيل) بينما الإنسان لا ذيل له.. وهنا نعود لواقع وجود ما يشبه الذيل في أسفل العمود الفقري للإنسان، تلك العظمة التي نسميها "العصعص".. فهل تنطبق علينا نظرية "داروين" بأن أذنابنا اختفت عبر الزمن ولم نعد بحاجة للذيل؟  لنتذكر أن كافة آراء العالم الإنجليزي "تشارلز داروين" هي مجرد نظريات مبنية على متابعات ودراسات وملاحظات لعوالم الكائنات الحية.. وكونها نظريات لا تعني بالضرورة أنها من المؤكدات المُثبتة، وقد ظهرت فيما بعد نظريات أخرى كثيرة تدحض بعض أفكار "داروين" في مواضيع شتى، وكذلك ظهرت مدارس بحثية كثيرة بينت صحة نظريات "داروين" في شأن التطور لدي الكثير من الكائنات.

و أخيراً نتطرق لموضوع العقل.. فأغلب الناس يرون أن ما يميز الإنسان ويضعه على قمة تصنيف الكائنات الحية هو القدرة على التفكير.. لكن، هل سننكر على الكائنات الأخرة ميزة التفكير مثلاً؟  لو تمّعنا قليلاً في عالم النحل والنمل وهي في خانة الحشرات، هل يمكننا الجزم بأن لا عقل لها وهي تبني مستعمراتها المعقدة البنيان وتوزع فيما بينها أدواراً لكل فئة، فمنها من تدافع ومنها من تهاجم ومنها من ترعى صغارها وبيوضها ومنها من تبحث عن الغذاء؟  لو نظرنا إلى بعض الحيوانات الضارية كالأسود والضباع والذئاب وكيفية تخطيطها وترتيبها لهجماتها ضد فرائسها ومحاصرتها والتناوب في ملاحقتها، ألا نرى أنها قد خططت ونفذت بإتقان تلك الهجمات للنيل من فرائسها وطرائدها؟  لو نظرنا لعالم الطيور سنجد بعضها تمتاز بذكاء خارق وتتفنن في الصيد وبناء الأعشاش المحصنة مثلاً، بل حتى في التواصل فيما بينها (لغوياً .. إذا صح الوصف) عبر الصداح والرقص للتزاوج والنداء للتحذير من المخاطر.. وكذلك الأمر مع نداءات التواصل بين الدلافين والحيتان، وربما بين كل الكائنات الحية هنالك صفات وأسرار لم نعيها نحن البشر بعد من مميزات عجيبة ومبدعة!

ماذا عن الكلاب والقطط الأليفة في منازلنا؟  ألا نراها تلجأ إلينا بحركات وأصوات محددة كلما جاعت أو أرادت أن تقضي حوائجها؟.. وكذلك الأمر مع كلاب الرعي والصيد، نراها تقوم بأدوارها بكل إتقان ودهاء.. بل وكثيراً ما نتعلم نحن البشر من أفعال الحيوانات من حولنا.. ألم يتعلم "قابيل" كيفية دفن "هابيل" من غراب دفن أمامه غرابا ً ميتاً؟  ألم تشغفنا فكرة الطيران عبر مراقبة الطيور وهي تجوب عنان السماء؟  ولا يزال علم الطيران يطور أساليب جديدة وأجنحة الطائرات الحديثة المستقاة من عالم الطيور.. ولا نزال نتعلم من قدرة الخفافيش على الطيران في الظلام الدامس وقدرة الدلافين على التخاطب عبر ذبذبات صوتية، وقدرة الكلاب على الشم وغيرها من مميزات خارقة أرقى وأعظم لدى الحيوانات منها لدى الإنسان.. ولا تزال قردة الشمبانزي تتعلم حركات معينة من مراقبتها للإنسان وتردد بعض الببغاوات أحاديثنا وحتى أغانينا بتقليد متّقن!!

نعم، قد يقول البعض أن كل تلك المهارات لدى الحيوانات والطيور والحشرات هي مجرد غرائز طبيعية ومهارات محدودة وربما لم ولن تتطور عبر التاريخ.. بينما الإنسان أثبت قدرته على النمو والتطور والإبداع والبناء والصناعة والاختراع وترويض الحيوانات واستحداث سبل الحياة والعلاج وهكذا.. لكن هذا الإنسان (العاقل) أيضاً تسبب في نشر الأمراض وصناعة أدوات الدمار والقتل الجائر لكثير من أنواع الحياة من حولنا.. أي أنه بقدر ما عمل الإنسان على تطوير بيئته أيضاً تسبب في الإفساد والإضرار بكوكب الأرض.. وهذا ما لم تفعله الكائنات الأخرى بتاتاً.. فالإنسان بطبيعته يمتاز بالأنانية التي جعلته يستغل كل ما حوله ويقضي على كم هائل من الموارد الطبيعية على كوكب الأرض في محاولة لتحسين معيشته وثرائه وراحته دون أدنى مراعاة للتوازن الطبيعي للحياة.. هذا الإنسان العاقل يتسبب في شن الحروب وقتل البشر ونهب الثروات وغزو واستعمار الأمم واحتكار الموارد الطبيعية ودمار مستقبل الإنسانية.. فأين ميزة هذا العقل وتلك العاطفة التي يرى البعض أنها من أهم المميزات التي من شأنها أن تسمو بنا فوق عالم الكائنات الحية في هذه الدنيا؟

"و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة.. قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك.. قال إني أعلم ما لا تعلمون".

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

في المثقف اليوم