قضايا

طبائع الأفكار والعقول!! (1)

صادق السامرائيهذه محاولة لإستكناه جوهر الفكرة وآليات تفاعلها  مع الأدمغة ، في عصر تتشكل فيه الأدمغة بأساليب مغايرة تماما لجميع العصور، وتتحرك الحياة بسرعة الضوء، وربما أسرع، وفيه تتكشف الأسرار وتتهاوى الكثير من الحالات التي كانت في قبضة اللاأدري، ومن المبهمات.

وهي محاولة متوافقة مع معطيات العصر الفكرية والعلمية والإبتكارية التواصلية، التي حوّلت الأرض إلى عالم يزداد تصاغرا، ويبدو وكأنه يمكن أن يوضع في جيب قميص، أو في كف البشر.

وهي ليست خيالا مجردا وتوهما مبتسرا، وإنما تشير إلى حقائق باتت قاب قوسين أو أدنى من وعي البشر المتفاني في كشف الأسرار، وإزاحة الستار عن حُجب المُحال ، فالأفكار بمكنوناتها أضحت شغل البشر الشاغل، وهدف بحوثه ودراساته العلنية والخفية، وقد قطع شوطا في قدرات فهمها والإمساك بتلابيب جوهرها وذات كينونتها، ومكونات طبيعتها، كما تمكن سابقا من الكشف عن حقيقة الذرات والجسيمات الطاقوية الكامنة في قلبها.

فهل من قفزة عربية أصيلة إلى ميادين الأفكار؟!!

(1) 

يقول إبن رشد: "إنّ للأفكار أجنحة وهي تطير لأصحابها"!!

وقد أدهشني هذا القول وأنا أبحث في طبيعة الأفكار ومداراتها وآلياتها التفاعلية وقدراتها التوالدية وكيفيات إحلالها في الأدمغة.

وماهيات الأفكار وجواهرها ربما لم يُطرق كثيرا من قبل، والبحث عن ماهية الأفكار، يدفعني للتأمل في الأعراض العقلية وما يبوح به المريض النفسي، فأحاول أن أجد أسلوبا لفك رموز الشفرات التي نسميها هلاوسا وأوهاما وغيرها من العلامات، والأعراض المعروفة للأمراض العقلية والنفسية.

ويبدو كأن الأفكار جسيمات طاقوية ذات طبيعة كهروكغناطيسية، ويمكن دراستها، فهي كأي طاقة أخرى في هذا الكون الطاقوي المتسع الحالك الإظلام.

فالفكرة وفق هذا الإقتراب عبارة عن طاقة كهرومغناطيسية ذات قدرات تنافرية وتجاذبية، وتملك دريئة من ذاتها تحميها وتحتويها، وما أن تجد الصيرورة العُصيبية التواصلية القادرة على إستدعائها أو طردها فأنها تتصرف وفقا لذلك.

والموجودات الحية تعبيرات مادية عن الطاقات الفكروية، فالبشر فكرة ووسيلة للتعبير عن الفكرة التي يتمكن من إقتناصها من فضاء وجوده، أي أن الأفكار تتجاذب وتتدامج وتتفاعل بإيجابية أو سلبية.

 

وهذه الأفكار يمكن تسجيلها وتصويرها وتفريغ الأدمغة منها، وهذا يعني أن المستقبل سيحبل بقدرات سحب الأفكار من الأدمغة وفك رموزها!!

وستتم قراءة الأدمغة كما يُقرأ أي كتاب، وهذا يعني أن البشر في هذا القرن سيتعرى تماما!!

(2)

وما النشاطات العدوانية المتكررة إلا نشاطات لتحفيز القدرات الإبتكارية للوصول إلى إختراع أجهزة ذات قدرات فائقة على قراءة ما تحتويه الأدمغة، وعندها يتم التعرف على البشر الذي يزمع القيام بأي نشاط عدواني أو شرير.

أي أن البشر سيمر من خلال أجهزة تكشف ما يحتويه دماغه أو رأسه من أفكار، وسيتم توجيه التهمة له بما يحتويه دماغه.

ولكن هذا الإحتواء لن يصل إلى حالة الفعل أو العمل والتنفيذ إلا بتوفر قدرات التملك المطلق للبشر من قبل الفكرة الفاعلة الناشطة في دماغه، أو التي تمكن دماغه من إصطيادها أو إستنزالها من فضاءات وجودها وأكوان صيروراتها وإنتاجها.

وأعراض الأمراض العقلية ما هي إلا ظواهر فيزيائية، ولا يمكن تحقيق الشفاء والتعافي منها إلا بالإقتراب الفيزيائي!!

فالبشرية أمضت سبعة عقود أو أكثر مكبلة بالإقتراب الكيميائي، وهذا لا يمثل الصورة الكاملة للعرض النفسي والعقلي، فالنشاطات الكيميائية في الدماغ لها علاقة بالطبيعة الفيزيائية، لأنها تتسبب بنشاطات كهرومغناطيسية ذات قدرات تفاعلية مع جسيمات الأفكار الطاقوية، والتعبير عنها بالسلوك الناجم عن إمتلاك الفكرة للدماغ، وكلما تعاظمت سيادة الفكرة على الدماغ، إستطاعت أن تؤثر في الذات البشرية وموضوعها.

ويبدو أن البشرية قد هيمنت على وعيها وآليات تفاعلاتها أفكار معينة متوارثة عبر الأجيال، حجّمت قدرات أدمغتها وصفّدتها في صناديق تصوراتها وتطلعاتها المتأسنة والمتمحنة بمواضعها، ومنعت عنها إستنشاق نسائم الرؤية المطلقة، الخالية من التشويهات والتحضيرات الكفيلة بتقليص قدرات الوعي والإدراك، والتفاعل الإبداعي التواق.

وذلك سلوك بقائي وضروري للتواصل البشري فوق التراب، لأن إطلاق العنان للأدمغة لتتشكل وفقا لما تحتويه من القدرات التواصلية الذاتية يتسبب بإضطرابات موضوعية ذات تداعيات خطيرة ومدمرة للحياة الآمنة المستقرة.

وقد تأكد ذلك في المجتمعات التي ما أن أزيل عنها غطاء الطغيان حتى تشظت، وتماحقت مفرداتها وإنحدرت إلى مزالق الإمحاق المتواجع.

(3)

وكأن الفكرة مثل رأس البصل!!

فالقوة الكبرى تكمن في أصغر ما فيها وهو قلب رأس البصل!!

ذلك أن الطاقات المضغوطة تحقق الإستحالات الكبرى.

فالتصاغر الأعظم يحقق إنفجارا أعظما، وإذا تدامجت الصغائر أوجدت إنفجارا هائلا يعيد تشكيل عناصر الحياة من جديد.

فالقوة الإندماجية أقوى من القوة الإنفلاقية، والأفكار لها طبائع وقدرات تتحول بواسطتها إلى إنفجارات مدوية في أركان المكان والزمان الذي يحتويها.

وما الحروب العظمى إلا تعبيرات عملية عن إنفجارات إندماجية أو إنفلاقية للفكرة التي عصفت بأدمغة الملايين، وأهلتهم للتحول إلى أدوات أو آلات للتعبير عن إرادتها أو طاقتها، وهذا يفسر السلوكيات المتنوعة العاصفة في المجتمعات البشرية، والتي تنامت بسبب سهولة وسرعة التواصل والتفاعل عبر وسائل الإتصالات السريعة جدا.

وهذا يعني أن  الإنفجارات الفكروية بأنواعها ستتواجد في وقت واحد.

أي أن الأرض ستزدحم بالأحداث والنشاطات المدوية في كل مكان، والناجمة عن إنفجارات فكروية ذات طبيعة إندماجية أو إنفلاقية.

 

وما دامت قدرات السيطرة على بث الأفكار المستنزلة من معاقلها ضعيفة، فأنها ستتفاعل وتتقاطع وتسعى لتشكيلات متوالدة، ذات تأثيرات غير محسوبة ولا تخطر على بال الأجيال المعاصرة.

ووفقا لهذا فأن البشرية مقبلة على عصور ذات أدمغة مغايرة لأدمغة الأجيال في جميع العصور، لأنها ستكون ذات قدرات إستحضارية لأفكار بقيت محلقة في فضاءاتها منذ الأزل، وستتمكن هذه الأفكار من صناعة التغيرات الأصيلة،  لما تكتنزه من طاقات هائلة إكتسبتها بفعل بقائها الطويل في مكامنها الكهرومغناطيسية متكاثفة مكبوسة، وما أن تلامس آلة دماغية تستوعبها حتى تحقق الإنفجار الإندماجي أو الإنفلاقي المهول .

(4)

فهل أن هذه الأفكار هي التي ستكون القوة القادرة على فناء الإنسان؟

وهل أن المخلوقات الأخرى كانت ذات قدرات فكروية عالية فقضت على وجودها، وأبقت أنواعها المجردة من القشرة الدماغية الكفيلة بالقضاء على وجودها؟

فالقشرة الدماغية بما تمتلكه من عُصيبات تميّز ما بين المخلوقات كافة، والبشر يتفوق عليها بما يحتويه من عُصيبات مضغوطة ذات نشاطات كهرومغناطيسية فائقة، ويمكنه أن يوفر لها الطاقة اللازمة لعملها، وتأهيلها للوصول إلى أقصى قدرات إمساكها بالأفكار ورفضها أو الإمتثال لأمرها.

وبما أن البشر غير قادر على التخلص من قشرته الدماغية فأنها ستتخلص منه!!

وهكذا فأن العالم المعاصر بكل ما توصل إليه وأنتجه في مصانع قشرته الدماغية سينقلب وبالا عليه!!

ذلك أن من بين البشر مَن لديه أدمغة ذات قشرة مكثفة ومقتدرة على تحقيق الإنفجارات الإندماجية والإنفلاقية في آن واحد، وإن أمسكت بعنق زجاجة الحياة المعاصرة فأنها ستنفجر حتما وسينسكب ما فيها فوق رمال الفناء الأبيد.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم