قضايا

الجامعات المستحدثة ما لها وما عليها (5): التصنيف العالمي

سلام جمعة المالكيالسادة والسيدات المسؤولين عن ادارة ملف شائك ومهدد من كل النواحي، ملف التعليم العالي والبحث العلمي في العراق، أعود معكم لبحث مفردة الجامعات المستحدثة وما شكّلته من أثر في مجمل أداء المنظومة الاكاديمية العراقية، وهذه المرّة من ناحية التصنيفات العالمية، وأبرزها تصنيف شنغهاي.

بادي ذي بدء، أود الاشارة الى ان لدي شخصيا كما لدى نسبة كبيرة من الرعيل المتقدم من الزملاء التدريسيين غير المسموعة أصواتهم، موقفا مغايرا لموقف الوزارة في اسلوب التوجه نحو الحصول على أي موقع ضمن مختلف التصنيفات العالمية ومنها الغث ومنها السمين ومعظمها قد تم انشاؤها وادارتها من قبل مؤسسات ربحية في آسيا واوربا ولا تعير لها الجامعات المتقدمة أهمية كبرى الا بغرض التسويق في دول آسيا والشرق الاوسط، غير ان لهذا الموضوع وقفة أخرى.

تأتي المخاطبات الرسمية تباعا من الحلقات العليا للوزارة للحضّ على العمل بل ووضع أطر زمنية لدخول الجامعات والكليات ضمن التصنيفات العالمية للجامعات،  وصار التركيز منصبا على تصنيف شنغهاي الذي يتضمن تصنيفين رئيسيين للجامعات ككل وللبرامج الدراسية "الكليات/الاقسام " كلاّ على حدة. ان قراءة سريعة لموقع ادارة تصنيف شنغهاي تدلنا على ان أساس التصنيف يعتمد بشكل كامل على النشاطات  والانجازات البحثية للملاكات التدريسية "توجد عتبة محددة للدخول اصلا ضمن التصنيف"، بضمنها حصولهم على جوائز عالمية محددة كجائزة نوبل ويوليسيس  والمسجلة ضمن مستوعبات معينة أهمها WoS لخمس سنوات سابقةـ وبنسبة صغيرة على نفس تلك النشاطات لخريجي الجامعات والكليات. أي ان كل ما عدا النشاط البحثي للملاك التدريسي، كالبنى التحتية واعداد الطلبة ونوعية الادارة وغيرها من المعايير التي تدخل ضمن تصنيفات اخرى كتصنيف QS وRUR، ليس بذي أهمية مع شنغهاي، فأين مؤسساتنا الاكاديمية منها وما علاقة الجامعات المستحدثة بالموضوع؟

مع الحركة الدؤوبة للملاكات التدريسية في مختلف الجامعات العراقية للنشر في ما تصل اليه امكاناتهم الشخصية "الضعيفة اصلا" من مجلات عالمية ضمن المعايير المطلوبة، يظل معدل تلك الحركة أقل من المطلوب وذلك لاسباب كثيرة أهمها ضعف "ان لم نقل انعدام" الدعم المؤسساتي للعملية البحثية التي يمكن ان ينتج عنها بحوثا رصينة متقدمة يمكن ان تجد ترحيبا في المجلات العلمية المتقدمة، والانشغالات الادارية والفنية الكثيرة التي تقع على كواهل الملاكات التدريسية بسبب قلة الملاكات المساعدة والتغييرات الدورية للادارات بما ينتج عنه ضعف استقرارية المؤسسات الاكاديمية، هذا اضافة لضعف او شبه انعدام المشاركة في النشاطات العلمية العالمية لاسباب كثيرة جدا. 

مع كل المعرقلات الجدّية المشار اليها اعلاه، تأتي الجامعات المستحدثة التي أخذ تأسيسها الكثير من جرف الجامعات القديمة سواء من ناحية الامكانات البشرية او الفنية والبنى التحتية حيث لم يصاحب تأسيسها اي اضافة حقيقية من سنخ تلك المتطلبات، اضافة لحداثة تجربة اداراتها المتقدمة في مؤسسات التعليم العالي، كما ورد في الاجزاء السابقة من هذه الدراسة.  ان مناقلة الملاك التدريسي "المتقدم منه خاصة" من الجامعات الام للجامعات المستحدثة قد أحدث شرخا كبيرا في منظومة استمرارية الجهد البحثي لاولئك التدريسيين حيث يتطلب العمل في المستحدثة سنوات من الجهد الاداري لوضع اللبنات الاولية لتلك المؤسسات "هذا مع فرض عدم تضييع تلك السنوات ضمن جو التقلبات والاجتهادات لقيادات غير خبيرة" ومع ضعف الارضية البحثية لدى المستحدثة "ان وجدت اصلا" فالناتج تشتيت جهود وخسارة مضاعفة حيث لا المستحدثة ستصل لأبسط متطلبات شنغهاي ولا الام ستتمكن من تجميع الحد الادنى للنقاط المطلوبة للدخول في ذلك التصنيف نتيجة تسرب طاقات منتسبيها السابقين..!!!

 فما هو المكسب اذن من الجامعات المستحدثة؟ هي تشتيت للموارد المالية بما تتطلبه من تعيين شخوص بمناصب ودرجات خاصة تصاحبها جيوش من الحمايات والسوّاق ومنتسبين بصفة "متابعة سريّة او علنية" ونفقات نثرية وخدماتية ووووو....بينما يعيش العراق منذ سنوات ظروف عسر مالي وفساد اداري يصرّح به أعلى رأس حكومي...هي تشتيت للخبرات الاكاديمية بما يفقدها زخم العمل ضمن منظومة مستقرة ومسار بحثي مترابط الاجزاء وبالتالي فاالمردود المتوقع من البحوث المنشورة ضمن مجلات رصينة سيشهد " شهد فعلا" انخفاضا ملحوظا ضمن رصيد الجامعات الام بينما تبقى انتاجاتهم ضمن الجامعات المستحدثة أقل بكثير من العتبة المطلوبة من قبل مؤسسة شنغهاي "ضمن حدود 150-200 بحث خلال خمس سنين"، وما ينتج عن ذلك بالتأكيد من انعدام فرص حصول الملاكات التدريسية على جوائز عالمية حقيقية ومعتبرة، مع افتراض "ولو مجرد افتراض" السماح لهم أصلا بالمشاركة في التجمعات العلمية العالمية الرصينة، يعني خسارة مضاعفة لجهود وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الرامية للدخول ضمن تصنيفات كتصنيف شنغهاي.

الحل الاقصر والاجدى هو التراجع عن الخطوة غير المدروسة المتمثلة بافتتاح الجامعات المستحدثة، والحاق التشكيلات الحالية بالجامعات الام ضمن الرقع الجغرافية باسرع وقت، وتثقيف الملاكات البحثية ضمنها لتثبيت اسماء الجامعات الام على واجهات بحوثهم بما يضمن رفع عدد البحوث ضمن أرصدة تلك الجامعات وبالتالي رقع فرص حصول تلك الجامعات/الكليات للشمول بمراجعات المؤسسات المسؤولة عن التصنيفات العالمية مع ينتجه ذلك الالحاق من بتر لمنفذ كبير من منافذ تسرب الموارد المالية والبشرية والخبراتية الهائلة ضمن قطاع التعليم العالي والبحث العلمي وهو الاهم حسب أراء نسبة كبيرة جدا من الملاك التدريسي للجامعات العراقية. ...و الله من وراء القصد

 

أ.د. سلام جمعه المالكي

 

في المثقف اليوم