قضايا

من منكم بلا خطيئة!!

(وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات)..الشورى25

جبل الانسان على الخطا والاستغفار، ومنذ بدء الخليقة ، عندما عصى ادم ربه واستغفر والى يومنا هذا والانسان يخطئ لانه بشر غير معصوم، ومادام يخطا ويتوب فان الله يتوب عليه ويعفو عنه ويبدل سيئاته حسنات، فيما يصر الانسان على العنف والعنت..

يروى ان جماعة من الناس شيوخ ورواة وكتبة وعامة قد احضروا امراة مخطئة الى المسيح وكانوا يعاملونها بكل قسوة، يضربونها  ويركلونها ليروا بماذا يحكم عليها، وكان في حكم شريعتهم ان المراة المخطئة ترجم حتى الموت، وقد ارادوا بذلك ان يختبروا المسيح ويحرجونه بان يشارك معهم في الرجم او ان يعترض على شريعتهم، جلس عيسى(ع) وبدا كانه يكتب شيئا باصبعه على الارض، ثم نهض وقال"من منكم بلا خطيئة فليرمها باول حجر" صعق المتجمهرون من هذه العبارةونظر كل واحد منهم الى الاخر ثم قال كل واحد منهم لنفسه "من منا بلاخطيئة"! سقطت الحجارة من ايديهم ثم بداوا بالانسحاب واحدا تلو الاخر ولم يبق الاهو والمراة فسالها "اما ادانك احد" فقالت "لا ياسيد" فقال لها "ولا انا ادينك، اذهبي بسلام ولاتخطئي ثانية".. لم يستطع احدا ان يرجمها لانهم لم يكونوا معصومين، بل كانوا اغلبهم -اذالم يكونوا جميعهم -مخطئين، وقد تصرف عيسى (ع) معها برافة لما راه من ظلم لانهم امسكوا بالمراة فقط وتركوا الرجل في حين ان الشريعة تقضي بمحاكمة الرجل والمراة دون تفريق ..

وقد اختلف الرواة عن شخصية هذه المراة وبعضهم خلط بينها وبين "مريم المجدلية" التي اخرج من جسدها سبعة شياطين واصبحت فيما بعد احدى تلامذته واتباعه وعرفت فيما بعد "القديسة"، وايا كانت شخصية المراة فقد كان حكم عيسى (ع) فيصلا وتعامل مع الموقف بكل حكمة، وصارت مقولته مثالاللرحمة والانسانية، لانه اصدر حكمه بعيدا عن التطرف والقسوة ولما عرف عنه انه كان متسامحا محبا للسلام، وهذا ماجاء به انبياء الله وكتبه وهو نشر العدل والسلام "قل ياعبادي الذين اسرفوا على انفسهم لاتقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا" وتلك رسالة النبي لارساء قواعد المحبة والرافة والتسامح والحث على التوبة النصوح قال الحبيب محمد (ص) "كل ابن ادم خطّاء وخير الخطائين التوابون"..

من هذه القصة الرائعة نستشف الامور التالية:

1- ان الخطا سمة من سمات الانسان ولايوجد انسان معصوم عن الخطا، وقد تعامل سيدنا عيسى بالعفو عن المراة لكي يقودها الى الهداية ومن ثم التوبة والاستغفار كي لايخسر فردا من المجتمع حتى وان كان مسيئا "الامن تاب وعمل صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما"..الفرقان20

2- قد يكون للنصيحة تاثيرا اقوى بكثير من العقاب الجسدي وذلك عن طريق انعاش بذور الخير وتزكيتها بالنفس البشرية وتنشيط الوازع الاخلاقي ليكون رادعا وصمام الامان وحارسا امينا من اهواء النفس"ونفس ماسواها فالهمها فجورها وتقواهاقد افلح من زكاها وقد خاب من دساها"..الشمس 7-9

3- قبل ان نصدرالاحكام جزافا بحق الاخرين علينا ان ننظر الى عيوبناواخطاؤنا اولا ونحاسب انفسنا قبل محاسبة الاخرين "اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم"..البقرة44

4- ليكن شعارنا بالحياة مبني على الرحمة والتسامح لم لا والله هو الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شئ، وان ننتبه الى افعالنا واقوالنا ونختار الاحسن منها"واما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا"..الاسراء28

5- ان رسالة الرسل والانبياء والكتب المنزلة انما جاءت لنشر السلام والمحبة والرحمة بين العالمين وعلينا الاقتداء بالسلف الصالح وهم الصفوة الاخيار الذين انتجبهم الله اذا كانت غايتنااعمار المجتمع بالخير والسلام"وما ارسلناك الارحمة للعالمين"..الانبياء107

 6- ان الانسان اذاارتكب خطا عن جهل اوقصد، عليه ان يتوب ويندم عن الخطا الذي ارتكبه والايصر على ذلك الذنب ويستغفر مادام هناك طريقا للخلاص وبابا للامل وهو التوبة، فان الله يعفو عنه بل ويفرح به"ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين"..البقرة222..

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم