قضايا

التآمر على العقل العربي!!

صادق السامرائيالعقل العربي يتعرض لمؤامرات ثلاثة أساسية شديدة الهجمة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، ومنها يتفرع ما لا يُحصى من التآمرات، وفقا لمتواليات هندسية متواصلة التصاعد والتأثير في الواقع السلوكي العربي على عدة مستويات.

وقد لعب المفكرون عن وعي أو غفلة في تعزيزها، وكأنهم عندما درسوا في الجامعات الأجنبية قد تم إستهدافهم وتحضيرهم للقيام بالمهمة وهم لا يشعرون، إعتمادا على نظريات وقراءات أريد لهم أن يتخذونها منهجا للبحث والدراسة والكتابة.

أولا: مؤامرة التأريخ

إستيقظ العرب بعد الحرب العالمية الأولى على دفق من الطروحات الفنتازية، التي تؤله التأريخ وتقدسه وتحسب ما فيه حالات أبعد من الخيال، فتم إضفاء الصفات السماوية على رموزه حتى تحقق إخراجهم من كونهم البشري.

فمضت الأجيال تتحدث عن أسماء تألهَت وألصِقَت بها أقوال ورؤى وتصورات لتكون من المسلمات التي عليها أن تحتل العقل وتستعبده، ولا يجوز الإقتراب منها ومساءلتها والنظر فيها، فأصبحت الأجيال رهينة " قال وقال"، والكثير من الأقوال مدسوسة، لكنها تكررت مرارا فترسخت وتحولت إلى ثوابت مقدسة،  وبموجب ذلك إنقطعت الأمة عن حاضرها ومستقبلها وتمترست في ماضيها.

ثانيا: مؤامرة الدين

الدين أبهر الأمة وعمودها الفقري الأخلاقي والقيمي ومعيار سلوكها الحضاري المنير، وقد تحقق إستهدافه بإنشاء الأحزاب المسماة دينية، وقد بدأت اللعبة منذ الربع الأول من القرن العشرين أي بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى ببضعة سنوات، وتأسس أول حزب وتطور وتفرع وتوالدت منه أحزاب وأحزاب، هدفها تشويه الدين، وإستخدامه لقتل الدين بالدين، ووفقا لذلك تعيش الأمة في محتدم التناحر والتصارع الذي يرفع رايات ألف دين ودين.

ثالثا: مؤامرة اللغة

اللغة هوية الأمة وذاتها المشرقة، ولكي تقضي عليها لا بد من إستهدافها، ومن أعمدة اللغة العربية الشعر الموزون، فتحقق العمل على تدميره بذريعة الحداثة والتسويق للشعر اللاموزون، لكي يتشوّه التفكير وتتخرب الرؤى، وتعيش الأمة في مضطربات قاسية تكلفها المزيد من الخسائر الحضارية.

فالتفكير العربي الذي كان منظما ودقيقا أصابه الخلل والإهتزاز بسبب ما يُسمى بالشعر، وما هو إلا نثر أبدعت العرب أرقى منه وأروع في زمن المعلقات وما قبلها.

والفوارق واضحة ومتنوعة ما بين الشعر والنثر، ومن متطلبات المؤامرة أن يكون النثر شعرا، وتأتي أجيال تنكر الشعر وتتوهم أن النثر العليل المعبر عن عاهات دماغية يمكن تشخيصها منه، هو الشعر، وبهذا تفقد الأمة أهم أدوات كينونتها وفكرها ومنطقها المتوافق مع آليات ما فيها من الإيقاعات النفسية والروحية والعقلية.

هذه إشارة مكثفة للمؤامرات الأساسية التي تتعرض لها الأمة، ويساهم في تمريرها أبناؤها الذين يتوهمون الدراية والمعرفة وهم في غفلتهم يعمهون وعلى الآخرين يعتمدون.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم