قضايا

خطايا المأمون!!

صادق السامرائيالمأمون هو الخليفة العباسي السابع تولى الخلافة (198-218) هجرية وعمره (28)، وماتت أمه في نفاسها، إهتم أبوه بتعليمه وإعداده، وأدّبه جهابذة عصره، وعني بالفلسفة والعلم وتكبّر وتجبّر بهما، وتسبب بتداعيات أزرت بأعلام الأمة. ومن خطاياه التي أثرت في مسيرة الدولة العباسية :

أولا: قتل الأمين

الأمين خليفة عربي هاشمي أصيل، تولى الخلافة بعد وفاة أبيه هارون الرشيد، الذي لم يكن على قناعة كاملة بقدرته على القيادة، لكنه خضع لإرادة الهاشميين، وكان عمره (23)، وخلافته (193-198) هجرية، وقتل وعمره (28) وبقتله أصيب العرب بضربة موجعة، وضعف دورهم في الدولة والجيش وتسيّد عليهم غيرهم.

والأمين إستمع لمن أذكى الخلاف بينه وبين المأمون، ويُتَّهم وزيره (الفضل بن الربيع)،  الذي خشيَ على فقدان منصبه إذا تولى المأمون فشجعه على خلعه من ولاية العهد. كما أنه في بداية خلافته أعفى أخاه (القاسم) من مسؤولياته في زمن أبيه، والذي هو ولي العهد بعد المأمون حسب عهدة هارون الرشيد

ويُذكر إنه كان منشغلا عن الخلافة باللهو واللعب وأقرب إلى التهور.

ويبدو أن المأمون قد أحاط نفسه بمَن يثق بهم ويأمنهم على حياته وسلطانه، ومال نحو توجهات تسببت بتداعيات وخلافات وإنشقاقات دامية.

فالمأمون كان واليا على خراسان وهو دون العشرين، وبجندها إستطاع أن يتقدم إلى بغداد ويحاصرها ويقضي على الأمين، الذي قتله وفتك بذريته (طاهر بن الحسين)، وأرسل برأسه إلى أخيه، ويُقال أن المأمون قد تألم لرؤية رأس أخيه، وغضب على قاتله وأنكر فعلته، فكان يريده حيا!!

ثانيا: خلق القرآن

بدعة رفع لواءها المعتزلة بقيادة القاضي الفقيه (أحمد بن أبي داؤد) تسببت بمقتل وتعذيب وإهانة العديد من أعلام العربية والدين، الذين يتهمون بالزندقة لعدم إقرارهم بخلق القرآن، وإستمرت المأساة حتى نهاية حكم الواثق، أي في زمن المأمون والمعتصم والواثق، وكانت فتنة فتاكة عمياء.

 البدعة التي لا تنفع الدين، تسللت إلى وعي المأمون المغرم بالمعارف الفلسفية والعقلية، وتمكنت منه وأجبرته على إتخاذ الفقيه المعتزلي ليكون له الحَكم الفصل في تقرير مصير ألمع علماء الفقه والدين في زمانه ، ومن واجبهم أن يتبعونه ولا يخالفون رأيه.

ثالثا: جمع معارف الدنيا في بيت الحكمة

كان المأمون مولعا بترجمة كتب الأمم الأخرى وجمعها، فجلب ما أنتجته العقول من المعارف ووضعها في بيت الحكمة، ولم يفكر الخلفاء من بعده بإنشاء كمثلها في البصرة والكوفة، وغيرها من المدن المعروفة بنشاطاتها المعرفية، وعندما دخل هولاكو بغداد أحالها إلى عصف مأكول.

وبهذا عن غير قصد جنى على الثقافة البشرية، لأن معظم علوم الأجيال السابقة قد ضاعت وأتلفت.

"لو لم تُحرق كتب المسلمبن لكنّا نتجول اليوم بين المجرات"

رابعا: تقريبه أحمد بن أبي داؤد

الذي إستولى على الخلفاء من بعده، وبموجب ما يراه تم النيل من المئات من أعلام الثقافة والفكر والفقه، فهو صاحب بدعة خلق القرآن، ومن لايقر بها توجه له تهم الكفر والزندقة ويقطع رأسه أو ينال عذابا قاسيا، وبسببه قُتِلَ الأبرياء دون مسوّغ مبين.

فكيف إستطاع أن يقنع المأمون بهذه البدعة، ليتخذها منهجا لحكمه؟!

وهي من أخطر مساوئ إعمال العقل في النص الديني وتأويله وفقا لرؤى قاصرة ذات أهواء، فخلق القرآن يستند على " إنا جعلناه قرآنا عربيا"، والتأويل أن ما يُجعل مَخلوق!!

وبدأ المأمون بإمتحان العلماء الأجلاء، فأرسل رسائل مطولة ومفصلة إلى ولاته بهذا الشأن، وقهر العشرات منهم وروعهم وقتلهم، لأنهم لا يوافقون ما ذهب إليه (أحمد بن أبي داؤد)، والذي ربما كانت غايته الخفية السلطة والتحكم بمصير المسلمين، وتأكيد ما يراه في مذهبه الذي صار وسيلة للنيل من الناس بإسم الدين.

فهل كان (أحمد بن أبي داؤد) منافقا متبرقعا بالدين، ويعبّر عن نقمة ونوازع سيئة ضد الدين؟!!

هذه الخطايا التي إرتكبها المأمون تسببت بتداعيات كبيرة، أثرت على مصير الدولة العباسية، وتفاقمت تفاعلاتها وأودت بحياة الكثيرين من أبناء الأمة.

بل أن توجهه الفلسفي والعقلي المتطرف وأحيانا المنغلق أصاب الأمة بمقتل، وكان من أهم العوامل التي أنجبت العديد من الفرق والجماعات ودفعت إلى تأويلات، وأهواء معقلنة آذت الدين.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم