قضايا

ليلى الدسوقي: الرسول وإفتراءات تعدد الزوجات

ليلى الدسوقيمن الثابت ان الرسول ﷺ تزوج ثلاث عشرة امراة ماتت منهن اثنتان فى حياته وهما خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة رضى الله عنهما واثنتان لم يدخل بهما وهما اسماء بنت النعمان الكندية والثانية اميمة بنت النعمان بن شرحبيل

وتوفى ﷺ وعنده تسع زوجات وكان له جاريتان مارية القبطية التى اهداها له المقوقس حاكم مصر فاعتقها وتزوجها وانجبت له ابنه ابراهيم واما الثانية ريحانة اعتقها ولحقت باهلها

هذا العدد من الزوجات الفضليات اللاتى اقترن بهن النبى ﷺ اخذ منه عدد من المستشرقين الحاقدين على الاسلام ذريعة للطعن فى شخص الرسول الكريم ﷺ فاتهموه بانه رجل شهوانى حاشا لله (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ‎﴿٥﴾ سورة الكهف

فزواجه ﷺ بهذا العدد كان مباحا له من الله تعالى وفى اواخر حياته نزل الوحى يحظر الزواج عليه فوق ما عنده فقال تعالى  (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ  سورة الاحزاب 52

و لم يكن الدافع الى ذلك الزواج بهذا العدد الكبير هو الشهوة الجامحة كما يدعى اعداء الاسلام الذين اعمى التعصب والحقد ابصارهم وبصائرهم

فكلهن ما عدا السيدة خديجة تزوجهن بعد ان تجاوز الخمسين وبعضهن بعد ان تجاوز الستين وهى سن متقدمة نسبيا يعنى الرجل اى رجل مهما بلغت قوة رغبته فى النساء فلن يحتاج الى مثل هذا العدد فتعدد زوجات الرسول على هذا النحو له اسباب وحكم كثيرة

منها تقوية الروابط بينه وبين كبار اصحابه مثل ابى بكر وعمر كما قوى رابطته بعثمان حين زوجه بنتيه رقية وام كلثوم وزوج عليا من فاطمة وبينه وبين كثير من قبائل العرب الكبيرة مثل بنى هلال قبيلة ميمونة بنت الحارث وليس فى هذا اى عيب فتقوية الروابط الانسانية بين الناس من اهداف الاسلام والزواج كان ولا يزال عند معظم الامم وخاصة الامة العربية من اهم اسباب ذلك الترابط ولذلك اصهر النبى الى قبائل كثيرة وهذا كان يساعده فى تأليف قلوب العرب الذين يقيمون وزنا كبيرا للمصاهرات ومن حكم التعدد ايواء وتكريم الضعيفات من ازواج الشهداء مثل زينب بنت خزيمة وام سلمة

ومنها ان هذا العدد من ازواج الرسول ﷺ تولين تعليم نساء المؤمنين امور دينهن فعندما كان الرسول موجودا كان النساء يذهبن اليه يسالنه ويتعلمن منه وحتى فى حياته كن احيانا يسألن ازواجه عن امور الدين لكن بعد وفاته ما كن يغشين مجالس الخلفاء والصحابة بل كن يذهبن الى ازواج النبى مثل عائشة وحفصة وام سلمة خصوصا وان بعضهن عمرن بعد وفاة الرسول طويلا فعائشة رضى الله عنها توفيت عام 58 هــ وجويرية بنت الحارث توفيت سنة 56 هــ وام حبيبة سنة 44 هــ وميمونة بنت الحارث سنة 61 هــ وكانت اخرهن وفاة ام سلمة رضى الله عنها فقد ماتت كما يقول الذهبى بعد استشهاد الحسين بن على رضى الله عنهما سنة 61 هــ فقد حزنت عليه كثيرا ولم تلبث بعده الا يسيرا وانتقلت الى رحمة الله

كان ازواج النبى اذن مصدرا هاما من مصادر الاحكام الفقهية خاصة التى تتعلق بامور النساء ولقد روى ان النبى ﷺ قال عن عائشة: " خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء "

فتعدد ازواجه عليه الصلاة والسلام لم يكن الدافع اليه الشهوة الجنسية وانما كانت له دوافع اخرى فى غاية النبل والعظمة

فمن المعلوم ان النبى ﷺ قد تزوج من السيدة خديجة وهو فى الخامسة والعشرين وكانت هى فى الاربعين وعاشت معه حوالى خمسة وعشرين عاما وتوفيت رضى الله عنها فى العام العاشر من البعثة وكانت قد تجاوزت الخامسة والستين وكان هو فى الخمسين من العمر وفى خلال عشرته لها لم يفكر فى الزواج من غيرها مع انها كانت قد كبرت فالمرأة فوق الخامسة والستين عادة تنعدم او تقل رغبتها فى المعاشرة الزوجية فلو كان ﷺ رجلا شهوانيا لتزوج على خديجة وحتى بعد وفاتها لم يفكر فى الزواج بسرعة مع انه كان فى امس الحاجة الى زوجة تؤنسه وتساعده على اعباء رسالته كما كانت خديجة تفعل وتدبر له شؤون بيته فظل فترة بدون زوجة حتى اقترحت عليه خولة بنت حكيم زوج عثمان بن مظعون ان يتزوج وقالت له:" لم لا تتزوج من تعوضك عن خديجة بعض حنوها وعطفها ؟" فسكت فقالت له:" هل تفبل ان اخطب لك زوجة اخرى ؟" فقال لها: " لا بأس انكن معشر النساء ارفق بذلك " فقالت خولة: " ان اردت بكرا فعائشة بنت ابى بكر وان اردت ثيبا فسودة بنت زمعة " فوافق على الزواج من سودة اولا لانها كانت تقريبا فى سن خديجة يعنى تجاوزت الخامسة والستين ومعنى هذا انه تزوجها للسكن والعشرة وليس للشهوة ثم خطب عائشة وتزوجها بعد الهجرة بعامين تقريبا وقد لغط الجاهلون وقالوا تزوجها وهى طفلة فى التاسعة من عمرها وهذا كذب لان خولة بنت حكيم عندما عرضتها عليه بعد وفاة خديجة وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنوات كانت تعرف ان عائشة تصلح للخطبة والزواج وهى امراة عاقلة ورشيدة وسديدة الرأى والا لما فوضها النبى فى البحث له عن زوجة ومع ذلك لم يتم الزواج الا بعد خمسة اعوام من الخطبة ثم ان ابن اسحاق وهو من اقدم كتاب السيرة النبوية واوثقهم يذكر اسم عائشة فى السابقين الاولين الى الاسلام مع اختها اسماء ومعنى هذا ان عائشة رضى الله عنها كانت تعى وتعقل عند بعثة النبى ﷺ ومعنى ذلك مرة اخرى انها عندما بنى بها كانت كبيرة يقترب سنها من العشرين عاما على افتراض ان سنها عند البعثة كان خمسة او ستة اعوام والزواج تم بعد البعثة بخمسة عشر عاما لذلك لا ادرى من اين جاء من قال انها كانت فى التاسعة عند الزواج بهذا الخبر ؟ فهل تنقطع السنة الحاقدين على الاسلام بعد ان يعرفوا الحقيقة من اوثق مصادرها ؟

جدول توضيحى        النبى      خديجة       الفرق        عائشة

سن الزواج              25         40            15    

سن البعثة       40     55        15           5

وفاة خديجة     50     65        10          15

زواج عائشة   55                                          20

الزوجة الثالثة زينب بنت خزيمة التى لقبت بأم المساكين لكثرة عطفها وبرها بهم وكانت زوجة لعبيدة بن الحارث بن المطلب وهو من شهداء بدر وكانت ذات عيال فتزوجها النبى ﷺ ليعولها ويعول اولادها ويخفف حزنها ولم تعش طويلا فقد ماتت بعد الزواج بفترة قصيرة

الزوجة الرابعة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى الله عنها وكانت قد ترملت بوفاة زوجها خنيس بن خزامة وكان عمر رضى الله عنها قلقا عليها ولذلك عرضها على ابى بكر ليتزوجها فاعتذر ثم عرضها على عثمان بن عفان فاعتذر وعرض عمر ابنته على اصدقائه للزواج منها يعتبر دليلا على عظمته ورجولته وليس عيبا فيه فلما اعتذرا عتب عليهما وشكاهما للرسول فقال له الرسول: " يتزوج حفصة من هو خير لها من ابى بكر وعثمان " ففهم عمر قصد الرسول وكان فى غاية السعادة لمصاهرته لخير خلق الله اجمعين

الزوجة الخامسة: زينب بنت جحش وهى ابنة عمته اميمة بنت عبد المطلب وقد تزوجها بامر من الله تعالى فقد قال له: ( فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ) سورة الاحزاب 37 لينفى عادة التبنى عند العرب فعلا وليس قولا

الزوجة السادسة ام سلمة واسمها هند بنت ابى امية المخزومى وقد استشهد زوجها ابو سلمة متأثراً بالجروح التى اصابته فى غزوة احد فتزوجها الرسول ﷺ

الزوجة السابعة جويرية بنت الحارث بن ابى ضرار زعيم بنى المصطلق وقالت فيها عائشة (ما اعلم امرأة كانت اعظم على قومها بركة من برة – جويرية – لان المسلمين اعتقوهم اكراما لمصاهرتهم للرسول وقد اسلم ابوها وقومها عقب ذلك

الزوجة الثامنة صفية بنت حيى بن اخطب زعيم يهود بنى النضير وكانت قد اسرت فى فتح خيبر ووقعت فى سهم النبى فسالها عن رايها فى الاسلام فقالت: " يا رسول الله لقد هويت الاسلام وصدقت بك قبل ان تدعونى الى ذلك وقد كان ابى يعرف صدق دعوتك ولكن العصبية ذهبت به وانى اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله فسالها ان كانت تقبل الزواج به فرحبت بذلك وكانت صفية غاية فى الاخلاص للاسلام ولرسول الاسلام كما كانت شريفة عاقلة ذات حسب وجمال ودين

الزوجة التاسعة: ام حبيبة (رملة بنت ابى سفيان بن حرب) وكانت زوجة لعبيد الله بن جحش وقد هاجرت معه الى الحبشة ولكنه تنصر ومات هناك نصرانيا ففارقته بعد تنصره فلما علم الرسول بذلك خطبها عن طريق نجاشى الحبشة فسعدت بذلك وتم العقد هناك وقد ارسل الرسول عمرو بن امية الضميرى لياتى بها وببقية المسلمين من الحبشة ويروى ان الذى دفع المهر نيابة عن النبى هو النجاشى نفسه وقدره اربعمائة دينار واقام حفلا بهذه المناسبة التى اقترنت بمناسبة اخرى سعيدة وهى عودة المسلمين من الحبشة الى ديارهم

و قد فرح ابو سفيان الذى كان لا يزال مشركا بزواج ابنته من الرسول ﷺ وقال " هو الفحل لا يقدح انفه "

الزوجة العاشرة والاخيرة: ميمونة بنت الحارث الهلالية وقد تزوجها فى عمرة القضاء 7 هــ  وكانت اختا لام الفضل زوج عمه العباس بن عبد المطلب وهما اللذان اقترحا عليه زواجها لتقوية روابطه بقبيلتها بنى هلال

ثم هناك معنى اخر عظيم نستطيع ان نتلمسه من هذا العدد الكبير من الزوجات فى حياة النبى وهو انه كان اعظم العظماء لا فى اداء رسالته ولا فى بناء دولته ومجتمعه فحسب بل كان عظيما فى بيوته زوجا وابا ومن المالوف فى حياة العظماء ان الرجل العظيم فى الحياة العامة قلما يكون عظيما فى بيته ولكن الرسول كان اعظم العظماء فى الحياة العامة وفى تسعة بيوت فى وقت واحد ومع تسع زوجات من بيوت وقبائل مختلفة بل من اجناس مختلفة وكلهن مقدرات لعظمته لان حياته معهن جميعا كانت مثال الهر والبر والوفاء والحنو والعطف والوضوح ومعظم ان لم يكن كل تفاصيل تلك الحياة الشريفة المثالية قرد عرفها للناس عن طريق هذا العدد من امهات المؤمنين رضى الله عنهن فلم يجد الناس فيها الا المثل الاعلى والكمال الانسانى فى سموه والسلوك الذى تتطلع اليه النفوس الطاهرة

ورغم اعباء الرسالة ومسئوليات الجهاد وبناء الدولة والمجتمع فقد كان يعطى بيوته واهله حقهم من الرعاية والعناية وكان يجد من الوقت ما يكفى لا لاداء واجبه نحوهن فحسب بل لملاطفتهن ومعاونتهن فى امور المنازل بل كان يخدم نفسه ليخفف عنهن اعباء العمل فقد كان يخيط ثيابه ويخصف نعله اليس هو القائل:" خيركم خيركم لاهله " وانا خيركم لاهلى" ؟

السلام عليك يا رسول الله

 

ليلى الدسوقي

 

 

 

في المثقف اليوم