قضايا

صادق السامرائي: التجديد والتجميد!!

صادق السامرائيكلمة تجديد تتردد في مسامع الأجيال منذ عقودٍ عديدة، وربما منذ إنطلاق مسيرة النهضويين العرب، وما أفصحوا عن معناها، ولا جاؤونا بمناهج عملية توضحها وتدل عليها، فترانا في كل فترة أمام حشود من المجديدين، والمحْدثين، ولكل منهم ما يراه ويتصوره ويحسبه هو الحل ولا حل سواه.

وما أنجزت مفيدا، بل أقعدت الأمة وكسَّحتها، وحولتها إلى ميادين للإحترابات العبثية المبدِّدة للطاقات والقدرات.

ومعظمها تستهدف الدين، والتراث، وما وجدناها تنادي بتحرير العقل من الجراثيم والأمراض والتفاعل مع علوم العصر، فبالعلم يكون التجديد وبغيره يتحقق التجميد، وتُحال الأمم والشعوب على التقاعد من الحياة، وتصبح عالة على الآخرين.

ولهذا تجد مجتمعاتنا تعتمد على غيرها في طعامها وحاجاتها، لأن العلم ليس طريقها، والإنهماك بالتجديدات العبثية سبيلها إلى الرقود والخمود والتبعية، والإستسلام لإرادة الآخرين الفاعلين بها كما تقتضي مصالحهم.

تجديد الخطاب الديني، تجديد التراث، تجديد التجديد، ولا نزال ونحن على أعتاب نهايات الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، ننادي بالتجديد، وكأننا مصابون بوسوسة التجديد، ولهذا ما جددنا شيئا، وإنما ندور في دائرة مغلقة مفرغة تستهلك قوانا، وتمنعنا من الخطو الواثق إلى أمام.

بعد التي واللتيا، ومرارات التفاعلات وبشاعات التصارعات، علينا أن نستيقظ من عواصف التجديد المهلكة، وأعاصيره الفتاكة، ونرى أن العلم هو طريقنا الأصوب لكل شيئ، فعندما تكون عقولنا علمية فأنها ستجتهد، وتنطلق في مشوارها الحضاري المعاصر.

أما القول بالتجديد العقيم، والتأرجح فيه، فقد أوردنا ما أوردنا، وأورثنا ما لا ينفعنا، وأقحمنا في مسارات الضياع المتراكم، والخسران الدائم.

فهل للأمة أن ترى بعيون العقل، وبمنظار العصر، وتتحرر من قبضة دعوات التجديد الفارغة، وكأن مشكلتها ومصيبتها ووجيعها فيما لدى شعوب الدنيا وأممها، وهو الدين والتأريخ، وكلاهما محوَّر ومحرَّف في ديارنا التي ندّعي التجديد فيها، فكأننا نروم زيادة المحرَّف تحريفا والمحوَّر تحويرا.

إن التجديد يصنعه العلم، ومن لا يتخذ العلم طريقا، عليه أن لا يوجع رؤوسنا بدعوات التجديد المنتهية الصلاحية في عصر الأنوار المعرفية الساطعة!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم