تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

صادق السامرائي: النهضة الحضارية العربية الثانية!!

النهضة الحضارية الأولى بدأت في نهايات القرن التاسع عشر، وقد أذكاها التفاعل مع الدول الغربية، مما أشعر العرب بأنهم في حالة من التخلف، وعليهم اللحاق بركب الزمن المعاصر، وكانت تلك صدمة هزت العقول والنفوس، وإنبرى لها جهابذة الفكر والقلم، وطرحوا الأسئلة وبحثوا في الأجوبة، وكان للتدين وأساليبه الدور في تأمين العتمة الحضارية، وخنق الوجود العربي في صناديق الباليات وإستنقاعه في ظلمات الأجداث.

النهضويون الرواد بحثوا وتوصلوا إلى جوهر الأسباب، وكانوا في غاية الجد والإجتهاد، وحاولوا أن يضعوا الأمة على سكة التطور والرقاء، لكن الأحزاب الدينية الأصولية المتطرفة، التي تم إنشاؤوها بتمويلات وتأهيلات متنوعة المصادر والأجندات أجهضت المشروع النهضوي، فعاش العرب القرن العشرين في أروقة التخبط والضياع والخسران المتراكم.

وفي بداية القرن الحادي والعشرين، توهجت البلدان العربية وتنوّرت بتأثير آليات التواصل الإجتماعي والإنفتاح الإعلامي والمعلوماتي، ووجدت الأجيال نفسها أمام التأخر والإنقطاع عن الواقع العالمي الصاعد نحو المجد الحضاري والتكنولوجي المطلق، وتم طرح ذات الأسئلة وبرزت ذات الأجوبة، وما أن إستوعبت الأجيال  دورها ومسؤوليتها، حتى تم مرة أخرى رفع رايات الأصولية والتطرف والتشدد، وبدموية غير مسبوقة وبمهارات تدميرية مروعة، أحبطت الأجيال  وأججت التفاعلات السلبية والتصارعية ما بينها، بإتخاذ الدين ذريعة لسفك الدماء وتعطيل الجهود النهضوية في كل مكان.

ويلعب المتاجرون بالدين دورهم في تدمير العروبة والعرب والدين، فهم تجار مهرة بالدين الذي لا يمتون بصلة حقيقية إليه، فدينهم دنانيرهم وما يغنمون من المناصب والمكارم والسلطات.

لكن اللعبة الدينية هذه المرة ستنهار، وسيخرج أصحابها من الحياة العربية، لأنهم بأحزابهم الكاذبة الظالمة المصادرة لحقوق الناس، والمعادية للوطن والمواطنة،  برهنوا على عدوانيتهم وكراهيتهم للدين، وتضليلهم للناس أجمعين، فهم لا دين عندهم ولا أخلاق، وبالسلطة والتسلط يؤمنون ويعتقدون، فالدين وسيلة للضحك على عقول الناس الجاهلين بالدين.

ولهذا فالنهضة الحضارية العربية الثانية لا يمكن إيقافها وحرفها عن مسيرتها الصاعدة، لأنها أنجبت أجيالا من رحم عصرها، ولن تتقبل العيش في ظلمات العصور، ولا تؤمن بالتجمد والإنحباس في خنادق القرون وجحور السكون.

إنها أجيال كوكبية ستمحق كل مشين، فالعزة للأجيال الساعية نحو فضاءات كينونة إنسانية ذات مواصفات عالمية لا تفرق مابين الناس أجمعين!!

فهل إستيقظ المغفلون وإستفاقوا من الوهم السقيم؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم