قضايا

عبد الجبار العبيدي: فشل نظرية ابن خلدون في التقييم السياسي لمسار الدولة

قال أبن خلدون ان عمرالدولة اربعة اجيال سماها دورة العمران، وأعتقد انها قاعدة سياسية ثابتة لأعمار الدول، وعددها باربعة مراحل الأولى الظفر والقوة والسلطان، والثانية دور الفراغ والدعة وفيه تقصير السامع بالشيء عن المعاني له، والثالثة المسالمة والتقليد والهدوء، والرابعة الاسراف والتبذير، وبداية السقوط للدولة ونهاية المجد، لا تتعداها اية دولة، وأعتبرها نظرية ثابتة تسري على كل الدول دون تغيير، فهل كا ن اعتقاده يتوائم مع صواب النظرية الحضارية العالمية، أم يتعارض معها؟ هكذا تعلمنا من منهجنا الدراسي الخطأ،

وليعلم القارىءان قيام دول المسلمين التي اتخذها ابن خلدون قاعدة لنظريته الفاشلة قامت على اسر معينة فقدت شروط دولة القانون، الامويون قاموا على السيف والقوة دون النظر الى صالح الجماعة او احترام القانون، او حتى لدماء الناس واموالهم.فقد قتل حجربن عدي واصحابه دون جريرة تستوجب استحلال الدم لمطالبتهم بتحقيق العدالة بين الناس. وامر يزيد بن معاوية بقتل الحسين بن علي في كربلاء دون حق او اكتراث بمشاعر الامة لمطالبته بالعدالة. وفي العهد المرواني أقترفت جنايات بشعة في العدل والحق والقانون لحماية البيت الحاكم. نظرية سارت عليها دولة الاسلام الفاشلة حتى النهاية، ولم تراعِ الشرعية والقانون، بأعتقادي لو ان الامويين حكموا وفق نظرية القانون لكانوا احسن من حكم المسلمين، لأنهم علمانيون يؤمنون بالتطور الحضاري العام.

وقامت دولة بني العباس بانفرادية السلطة دون استشارة الامة، وهي مثل سابقتها الاموية أقترفت اكبر الجرائم في القتل وحقوق الناس وانتهاك الشرعية الدينية فكانت قوانينها العصبية القبلية والاحقية الدينية وزادت على ذلك اشراك العناصر الفارسية الحاقدة على العرب، حتى سقطت عام 656 للهجرة على يد المغول.وهكذا دولة الفاطميين والصفويين والعثمانيين وغيرهم كثير.

كل الدول الاسلامية التي نشأت بعد وفاة الرسول (ص) لم تحرص على استيفاء الجانب الشرعي من تكوينها، فكان سقوطها حتميا لمخالفتها شرعية القانون، وستسقط كل الدول التي لاتعترف بشرعية القانون.

قبلَ ابن خلدون كتب المؤرخ الروماني توكيديد الذي قال: انه لاجديد في حوادث التاريخ، وان كل مايحدث اليوم حدث مراراً قبل ذلك، وسيحدث مراراً في مُقبل الزمان، والتاريخ كله ليس الا دائرة شريرة لا يزال البشر يدورون فيها، وكلما أتموا الطواف فيها مرة بدأوا من جديد.

وفي فلسفة التاريخ عند الفرس قال: أردشير بن بابك مؤسس دولة آل ساسان الى خلفائه، لا تزال ُتكرر هذه الفكرة وتحذر الملوك من الأغترار بالدنيا والجاه والسلطان، وتؤكد ان الزمان لا جديد فيه، فهل قرأ اصحاب السلطة ما كتبه القدماء من المؤرخين نتيجة تجاربهم العميقة في فلسفة التاريخ ليعدلوا مع العامة قبل نهاية السقوط.

ومن ماخذ نظرية ابن خلدون انها ترى ان الحضارة والتركيز على من يملك اسبابها يضعف فيه النزوع الى القوة والصراع من اجل بناء الدولة القوية، حين يتجه نحو الترف فيفسد ويضمحل تدريجيا.هنا يُخطأ ابن خلدون في هذا الاعتقاد لان التدرج في المراتب الحضارية بعدالة القانون لا يضعف الانسان بل يقويه ويقويها في العلوم والمعارف والخبرة والتجربة، فالدولة لا تنشأ وتقوى بالدين بل بالقانون والاعتراف به كتطبيق، لذا فشلت الدول الدينية عبر التاريخ لعدم ألتزامها بالعدل والقانون ومنها دولة الاسلام التي نشأت معادية للحقوق والقانون.

نقول ان الذي يضعف البشر هو سوء استخدامهم لنعَم الحضارة، والتوجه نحو التنعم والتبطل والدعة عند اسرافهم لما ملكوه من اسباب التمدن، ويزهدون في العمل والجهد ومراعاة القانون، فيحاولون استبدال القانون بالقوة مغطاة بشرعية الدين، فيتجهون نحوالمال والسلطة والجنس، فتضعف قوتهم في قبضتهم على السلطان، فيفلت زمام الامور من ايديهم بالتدريج، فيتمهد الطريق لغيرهم للتغلب عليهم وانتزاع الملك والسيادة منهم، وهذا مايحصل حتى اليوم لمن خانوا الله والقسم واليمين وعدالة القانون.

ان من لا يستطيع السيطرة على ادوات الحضارة سيطرت عليه، فهم كالطفل الذي بيده عود الثقاب ولايسطيع السيطرة عليه فيحرقة ويحرق من حوله جهلا بحقيقة الاستخدام، كالحروب الاعتدائية التي لا يحسب القائمين عليها حسابها، ولا شاربين الخمر الذين يسرفون في شربها مع انها غير محرمة.لكن الايغال فيها يعد منقصة في الاستخدام.وفي هذا الخصوص يقول القرآن: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس وأثمهما أكبر من نفعهما، البقرة 219 ". لكن الفقهاء اسرفوا في التحريم وهوليس من حقهم حين قالوا: "ما أسكر كثيره فقليله حرام"فوضعوا بذلك قاعدة خاطئة بتحريمه دون معرفة النص.

وكذلك في الحروب لم يفرقوا فيها بين الاعتداءوالدفاع عن النفس لمصلحتهم في الكسب والسرقة واستغلال النساء لهم زيادة في الترف دون مراعاة الحقوق كما حصل في الفتوحات الاسلامية الباطلة المجافية لحقوق نشر الدعوة بقناعة المنطق وعدالة التشريع.

ويبقى الموقف الثقافي الملتزم بالعقيدة والقانون هو الذي يعين الانسان على اتخاذ الموقف الصحيح. ويجعله يستطيع اتخاذا موقف سليم من الحضارة وادواتها والترف واشكاله، فالتحجج بالدين والتشريع يرافقه الظلم والفساد والخيانة لا يتفق وشريعة العدالة في الدين،

هذا ما عانينا منه منذ مجيء الاسلام والى اليوم، لذا فأن المسلمين رافقهم الفشل الا قوة السيف وباطل القانون، بعد ان انهارت قيم الحياة المقدسة عندهم حين اشاعوا نظريات الفساد والرشوة واغتصاب النساء بحجة وما ملكت ايمانهم باعتباره شطارة على الاخرين، هنا سقطت قدسية الحضارة واصول الدين فباتوا عرايا اما م القانون كما في دولنا الاسلامية اليوم، وسيسقطون الى الابد بعد ان ابتعدوا عن استقامة الطريق فاصبحوا لغزاً محيرا ملفوفا بالغموض.

ان الحقيقة الدينية التي بها اغتصبوا الحقوق وخانون القيم والاصول خطئاً، هي خالية من التعصب وعليهم ان يعلموا انها حقيقة تتغير وتتطور وليست مطلقة ومنقوشة فؤق حجر، على المسلمين الاصرار على تفسيرالقرآن من جديد وفق مفاهيم التطور اللغوي والتجريدات اللغوية الحقيقية للنص، لا اقوال المفسرين الجهلة الذين اتخنا من تفاسيرهم للنص، دين، والا سنسقط نحن نحن والدين معاً، والسقوط لا يعني الانتهاء، بل يعني الفشل الدائم في التطبيق.

***

د.عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم