قضايا

تماضر كريم: عزلة الأديب العراقي

إذا ما تكلمتُ عن الشهرة والأصداء التي تتركها نجاحاتنا في أذهان الناس، سأجد الكثيرين ممن يدّعون أنهم لا يعيرون بالاً لآراء الآخرين، وثنائهم ونقدهم، وهنا يقفز إلى رأسي فوراً إقتباس رائع لـ(سيوران): "باستثناء المجانين، لا يوجد أحدٌ غير مبالٍ بالثَّناء أو النّقد. ما دمنا طبيعيّين إلى حدِّ ما، فنحن حسّاسون لكلِّ كبيرةٍ وصغيرة، وإذا صرنا منيعين ضدّهما، فعن أيِّ شيء آخر نبحث بين بني جنسنا؟". لا أشكُ أبداً أننا نكتب لكي تكون كتاباتنا مقروءة وربما نحلم أن تكون مؤثرة وملهِمة وخالدة، أتكلم عنا نحن الشعراء والكتاب، حيث ننظر للذين سبقونا بانبهار، ونتوقع أن يُنظر لنا بذات الإنبهار بعد عدد من الأعوام، لكن الشهرة التي يتوقعها الكاتب لمؤلفاته التي سكب فيها من روحه الكثير ليست بالشيء اليسير في العراق، فالأدباء هنا يتبادلون الكتب فيما بينهم، فيقرأ بعضهم لبعض، ويكتب بعضهم عن بعض، وهكذا يتبادلون الثناء والذم، فيما يسمى العملية النقدية، كل هذا في منأى تماما عن القارىء العادي، الطالب في الجامعة والمعلم والمدرس والطيبب والمهندس، ولن أقول بعيدا عن العمال والكسبة لأني سأفترض أنهم غير معنيين إلى حد ما بالكتب، لكن حتى هؤلاء تجد في أذهانهم أسماء مثل نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وإحسان عبد القدوس، فيما لو سألت طالباً جامعياً متوسط الثقافة عن عبد الخالق الركابي، أو معلماً عن محمد خضير، أو مهندسا عن ميسلون هادي، فسوف تتأكد أن كتّابنا من ذوي الأسماء اللامعة لا يعرفهم أحد، فهذه إحدى طالباتي اللواتي كنت أدربهن على تطوير مهاراتهن في السرد، وقد جذبني إسمها (س الدليمي) فقلتُ لها: بالتأكيد إنك قرأتِ لـ(لطفية الدليمي) فصدمني قولها أنها لم تسمع يوماً بالكاتبة، فشرعتُ أعرّفها بها، وأذكر لها بعض عناوين كتبها. مع ملاحظة أن هذه الشابة هي من حملة الشهادات العليا ومن خيرة طالباتي، فماذا عن سائر الموظفين والطلبة والكسبة من متوسطي الثقافة.

ثمة خلل ينبغي معرفتهُ تحديدا يجعل الكاتب العراقي سواء كان شاعرا أو ساردا بعيدا عن الناس، ماعدا تلك الأسماء التي تحصد بعض الجوائز المهمة، شهد الراوي مثلاً، هذا يعني أن حصول الأديب على جائزة مهمة يسهّل من معرفة اسمه، لكنه ليس بالضرورة أن يكون قد قُرئ من الجمهور. هذا عامل من العوامل، فضلا عن الضخ الإعلامي، الذي أراه بات خجولاً فيما يخص الأدب، والتسويق الجيد لكتبنا.

الأديب العراقي غالبا يشق طريقه نحو الفضاء العربي والعالمي بصعوبة بالغة، مع إنه يملك مقومات النجاح والإنتشار بالمقارنة مع الأديب المصري والسوري مثلا، وهذه ظاهرة ينبغي دراستها والوقوف عندها، أظن من أسبابها ظاهرة الطباعة في الدور المحلية وبأعداد متواضعة، مما يدفع الأديب إلى توزيع كتبه بنفسه على الصديق الكاتب الفلاني والناقد العلاني، في ظاهرة ملفتة، ثم يتم الإتفاق على إقامة جلسة له، تُرضي بعضا من طموحه، وعند هذا الحد غالبا ينتهي كل شيء.

ما يحصل أن الأديب يبذل جهداً في الكتابة، لكنه لا يجيد إيصال ما يكتب، وهذا يجعل إسم الأديب محصوراً في الوسط الأدبي.

تتحمل المؤسسة الثقافية متمثلة بالوزارة والجمعيات  والإتحادات الأدبية مسؤولية العمل على تنمية الذوق العام لكي يصبح النوع الأدبي هو الخيار الأفضل لدى الفرد بالمقارنة مع الذوق الشعبي الذي يميل عموما إلى ترجيح كفة الشعراء الشعبيين والمراثي، هناك جهد واضح في إقامة معارض الكتب والأماسي الأدبية، وسواها، لكن هذه المحاولات لا تصل إلى عقل الفرد، وذوقه، لأن هناك تراكمات من إرث شعبي هائل سببه طبيعة هذا المجتمع القبلية العشائرية.

***

تماضر كريم – أديبة عراقية

في المثقف اليوم