قضايا

مراد غريبي: لماذا نتطرف؟ (4): التطرف بوصفه تعصباً؟ !

ضد التنوع:

أي مجتمع يتطلع للسلم والتنمية والرقي والتقدم يتسم أفراده بما يلي:

- تعزيز ثقافة الحوار، وترسيخ الاحترام المتبادل بين الاديان والطوائف والمذاهب والاثنيات.

- ترسيخ إحترام حقوق الانسان وحرياته العامة والانفتاح والتعارف والتسامح والتعايش بين الثقافات والحضارات.

- تحقيق التعاون والتكافل اجتماعيا وتحقيق المكاسب المشتركة للمجتمع.

- تعزيز العيش المشرك والحوار العقلاني البعيد عن التعصب والكراهية،من خلال تقبل النقد من الآخرين والاعتراف بالخطأ،وتنمية مفاهيم تقويم الذات.

- إفساح المجال أمام أفراد المجتمع للتوجه نحو تحقيق غاياتهم المشركة، والتوجه نحو بناء الوطن من خلال التعاون مع الشركاء الآخرين، والاستفادة مما عندهم من معارف وخبرات ومميزات.

- الاستفادة من المقدرات الفردية ومقدرات الوطن لما يخدم الصالح العام.

بينما لما يكون مجتمع أفراده يعانون من ظاهرة التطرف بشتى أشكاله وخاصة التعصب في جل صوره، لا يمكن أن تنال قيمة التنوع في هذا المجتمع حقها من العناية والرعاية والاستثمار الأمثل، دون أن يتخلص هذا المجتمع من أسباب التعصب وما ينتجه من أزمات وتلفيقات وأكاذيب تعمل على تغطية نور الوعي الثقافي لأهمية التعايش والتسامح والتعارف والتعاون بين أفراده وتكويناته وماهية المصير الواحد.

أولا: ماهية التعصب:

إن كلمة التعصب أصلها عربي، فقد وجدت في معجم لسان العرب لابن منظور وأشار بأن التعصب ‎‎من العصبية والعصبية أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو‎‎مظلومين. وقد تعصبوا عليهم إذا تجمعوا فإذا تجمعوا على فريق آخر قيل: تعصبوا والعصبة الأقارب من جهة ‎‎الأب، لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم، أي يحيطون به ويشتد بهم. والعصبي هو الذي يغضب لعصبته ويحاميعنهم. والعصبية والتعصب المحاماة والمدافعة. وتعصبنا له ومعه نصرناه ..(ابن منظور:1980، ص296)

أما تعريفها في اللغة الفرنسية فسنجد أن كلمة تعصب " Prejudice " منحوتة أساساً من‎‎ كلمتين لاتينيتين هما " Pre " بمعنى قبل أو سابق، والثانية " jugement " وتعني حكم أو ‎‎رأي، وبالتالي تعني إجمالاً حكماً مسبقاً أو قبلياً غير مبني على أدلة موضوعية، ‎‎وإنما على تصورات مسبقة. وتدرج تعريف هذا المفهوم من خلال مراحل ثلاث: بدايته بالمعنى القديم الذي ‎‎يشير إلى الحكم المبني على قرارات وخبرات سابقة، اكتسب المفهوم في الفرنسية ‎‎معنى الحكم المتشكل بدون اختيار أو فحص الحقائق المتاحة حوله، مما يجعله حكما غير ناضج أو‎‎سريع Jugement prématuré ou hâtif. وأخيراً اكتسب خاصية انفعالية بالتفضيل، أو‎‎عدم التفضيل التي تترافق مع حكم مسبق ومجرد من أي دليل يدعمه.Stanford 2000،p70.

وقد عرف تعريفات عدة منها:

‎‎تعريف تايلور وراين Taylor&Ryan: حالة خاصة من التصلب الفكري أو الجمود ‎‎العقائدي، إذ يجسد اتجاهات الفرد والجماعة نحو جماعات وطوائف أخرى، ويكشف المتعصب ‎‎عن خضوع كبير لسلطة الجماعة التي ينتمي إليها مع نبذ الجماعات الأخرى، ويرتبط بذلك ميل إلى رؤية العلم في إطار جامد من الأبيض والأسود، مع ميل إلى استخدام العنف في التعامل معالآخرين. (وطفة، 2002، ص 29)

تعريف قاموس العلوم الاجتماعية (1978): غلو في التعلق الشخصي بفكرة أو‎‎مبدأ أو عقيدة، بحيث لا يدع مكانا للتسامح، وقد يؤدي إلى العنف‎‎ والاستماتة (بدوي، 1978،‎‎ص 154).

تعريف فؤاد زكريا (1971): التعصب اتجاه يتضمن عنصرين ‎‎احدهما ايجابي والآخر سلبي، العنصر الايجابي هو اعتقاد المرء إن الفئة التي ينتمي إليها ‎‎سواء كانت قبيلة أو وطنا أو مذهبا فكريا أو دينيا هي أسمى وارفع من بقية الفئات، والعنصر ‎‎السلبي هو اعتقاده إن تلك الفئات الأخرى أحط من‎‎ تلك التي ينتمي إليها.

تعريف جيرجين: ويرى كل من كينس جيرجين وماري جيرجين هو استعداد للاستجابة بسلوك تفضيل أو‎‎عدم تفضيل تجاه فرد معين ‎‎أو مجموعة من الأفراد. (Gergen&Gergen.1981.p.230)

أي يتجسد في حالة من المبالغة ‎‎في التمسك والانغلاق الفكري بعقيدة ومذهب معين في مقابل رفض أفكار ومعتقدات جماعات ‎‎أخرى وإطلاق الأحكام السلبية تجاهها واعتبارها أحط من تلك التي ينتمون إليها.

ثانيا: مكونات مفهوم التعصب

والتعصب اتجاه له‎‎ ثلاثة مكونات هي:

أ-المكون المعرفي: والذي هو عبارة عن الإدراكات والمعتقدات والتوقعات الخاصة بأحد الأشخاص في جماعة ‎‎عرقية أو دينية معينة، وهو ما يأخذ صورة (قوالب نمطية stéréotypes)،أي أن البعد المعرفي ‎‎للتعصب يصنف غالباً تحت عنوان (القوالب النمطية)، وما نقصده بالقوالب النمطية يتمثل في المعتقد الذي يستند إلى حجج غير مناسبة، فهو تصور ‎‎يتسم بالتصلب المفرط عن جماعة معينة، يتم في ضوئه وصف وتصنيف الأشخاص الذين ينتمون إليها.

ب-المكون الانفعالي أو الوجداني: وهو الذي يتعلق بمتصل (المودة - العداء)،فالطرف الايجابي لهذا ‎‎المتصل يشتمل على الإعجاب والعلاقات الوثيقة الحميمة والاتحاد ... الخ، أما الطرف السلبي فيشتمل ‎‎على الخوف والحسد والمسافة الاجتماعية والكره والاحتراب (معتو سيد عبدالله، 1989، ص50).‎‎

ج-المكون السلوكي: فيشتمل على المعتقدات الخاصة بما ينبغي عمله بالنسبة للجماعة موضوع ‎‎التعصب (التمييز)، وقد وضعت درجات للسلوك التمييزي وهي على النحو الآتي:

* الامتناع عن التعبير اللفظي خارج حدود الجماعة الداخلية: وهي درجة قليلة من التعصب ‎‎لا يوجد خلالها أذى للجماعات الخارجية بشكل صريح، حيث يميل الأشخاص الذين يوجد لديهم بعض ‎‎أشكال التعصب إلى الحديث عنها ويتم ذلك غالبا مع بعض الأشخاص المقربين وأحيانا مع بعض ‎‎الأشخاص الآخرين ممن ينتمون إلى جماعتهم نفسها حيث يتيح لهم ذلك التنفيس عن بعض مشاعر البغض والكراهية.

* التجنب Évitement: وهنا يكون السلوك التعصبي أكثر شدة، فهو يؤدي بصاحبه ‎‎إلى اتخاذ بعض الخطوات لتجنب أعضاء الجماعة الخارجية موضوع الكراهية، في هذه الحالة نجد ‎‎إن الشخص المتعصب لا يوجه أي أذى مباشر للجماعة موضوع الكراهية لكنه يأخذ على عاتقه الانسحاب تماما من مواقف التعامل مع أعضاء هذه ‎‎الجماعات.

* التمييز La discrimination: هو السعي إلى منع أعضاء ‎‎الجماعات الخارجية من الحصول على التسهيلات والامتيازات التي يتمتع ‎‎بها الآخرون،كالحصول على الوظائف والإقامة في أماكن معينة كذلك فرص التعليم ‎‎والترقي والعلاج.. .إلخ.

* الهجوم الجسماني Attaque physique: تؤدي الكراهية بين الجماعات في ظل‎‎حالات الانفعال العميق إلى مرحلة أخرى من سلوك العنف الذي يتمثل في العدوان الجسماني على أعضاء الجماعة موضوع التعصب والكراهية.

* الإبادة Extermination: وهي أ‎‎اشد حالات العداوة والكراهية بين الجماعات وتشمل الإبادة الجماعية ‎‎أو الإعدام دون محاكمة قانونية أو أي شكل من أشكال العنف الجماعي. (معتز سيد عبدالله، 1989،ص57-59)..

على ضوء ما تقدم علماء النفس الاجتماعي وعلماء نفس الشخصية اختلفوا في تناولهم لمفهوم التعصب، وقد تمخض عن ذلك مساران لتفسير هذا المفهوم هما:

المسار الأول: وهو المسار الذي عد التعصب اتجاهاﹰ يكتسبه الأفراد من خلال عملية التنشئة الاجتماعية بمؤسساتها المختلفة والمتعددة، وفي هذا المسار توجد هناك ثلاثة نماذج:

الأنموذج الثلاثي: يرى هذا الأنموذج أن التعصب كاتجاه له ثلاثة مكونات هي المكون المعرفي، والذي يتمثل في الصور النمطية التي يحملها الفرد عن الآخرين، والمكون الوجداني والذي يتمثل في مشاعر الكراهية التي يحملها الفرد عن الأفراد الآخرين، والمكون السلوكي ويتمثل هذا المكون في المسافة الاجتماعية التي يضعها الفرد بينه وبين الآخرين .

الأنموذج الثنائي: على وفق هذا الأنموذج هناك مكونين للتعصب الأفكار النمطية السالبة والمشاعر السالبة التي يحملها الفرد نحو الآخرين.

الأنموذج الأحادي: وفي هذا الأنموذج تشكل المعتقدات الجامدة مصدر التعصب، إذ تظهر محتوياته السلوكية على شكل سلوك تمييزي ضد الآخرين،

النماذج الثلاثة المفسرة للاتجاه التعصبي:

أ- أنموذج المكونات الثلاثة:

المكون المعرفي (الأفكار النمطية)

المكون الوجداني (مشاعر الكراهية)

المكون السلوكي (المسافة الاجتماعية)

ب- أنموذج المكونين:

الأفكار النمطية/ المشاعر السالبة: الاتجاه التعصبي، النوايا السلوكية، السلوك التدميري

ج- الأنموذج الأحادي:

المعتقدات الجامدة: الاتجاه التعصبي، النوايا السلوكية، السلوك التدميري

المسار الثاني:

والذي عد التعصب صفة سيئة، ذلك انه يقوم على تعميمات خاطئة أو غير صحيحة أو مبالغ بها، وهو في ذلك يقترب في كثير من محتواه من مفهوم القوالب النمطية stéréotype، وهي تلك الافكار التي تتسم بالجمود والتصلب والتي تكون في الغالب غير صحيحة وغير عادلة فيما تنسبه الى فرد ما من الأفراد أو الى جماعة ما من الجماعات.(fantino p578،1975)

وعلى وفق هذين المسارين، برزت هناك العديد من الأطر النظرية لتفسير مفهوم التعصب لعل من أبرزها:

أولاﹰ: المنظور الثقافي-الاجتماعي:

نظريات الصراع بين الجماعات Group conflict theories والتي تركز في تفسيرها لمفهوم التعصب على معرفة وفحص متى وكيف تنشأ الاتجاهات التعصبية في مجتمع معين أو في ثقافة معينة، وهي في ذلك تكون أقرب ما يكون الى المنحى الثقافي – الاجتماعي Socio- cultural Approach الذي ينصب الاهتمام الأساسي فيه على الجماعات ككل وعلى الأفراد بوصفهم أعضاء في جماعات لها كيان خاص ومتميز . (معتز سيد عبد اﷲ، ١٩٨٩، ص١٠٢) .

ومن ابرز النظريات التي تنطلق من هذه الفكرة في تفسيرها للتعصب:

نظرية الصراع الواقعي بين الجماعات:

تقوم هذه النظرية على افتراض انه حينما يحدث صراع وتنافس بين جماعتين من الجماعات نتيجة أي عوامل خارجية، فان هاتين الجماعتين تهدد كل منها الأخرى الى أن تتكون مشاعر عدائية بينهما، وهو يؤدي إلى حدوث تقويمات سلبية متبادلة (معتز سيد عبد اﷲ، ١٩٨٩، ص١٠٣-١٠٤) .

وترى هذه النظرية أن التنافس بين الجماعات حينما يحتد، لابد من أن يؤدي الى خلق مشاكل متباينة من مشاعر العدائية، وهناك أمثلة عديدة للتنافس الواقعي بين الجماعات الذي يصل الى مرحلة الصراع سواء بالنسبة للوظائف المهنية المختلفة او بالنسبة للأجور وغيرها، وقد تقترب حالة التنافس هذه الى حد كبير من الصراع على المكانة وعلى القوة وعلى المستوى الاجتماعي والتي أكدها عالم النفس الاجتماعي (مظفر شريف) الذي صاغ فروض هذه النظرية المرتبطة باسمه. (خمائل خليل اسماعيل العبيدي، ٢٠٠٥،ص٤٠) .

نظرية الصراع بين الريف والحضر: Rural-urban conflict

تعد هذه النظرية إحدى نظريات الصراع بين الجماعات، وهي تفترض أن أشكال التعصب المختلفة تنشأ من الخوف والعدائية المتبادلة بين سكان الريف والمدينة، وذلك بسبب التوقعات التي يحملها كل منهما نحو الأخر (635.Merill&Elliot، 1961، p)، وهي تؤكد على أن انتقال الأشخاص من الحياة الريفية الى الحياة الحضرية يرافقه كثير من الخوف والقلق، فحياة الحضر أكثر تعقيداﹰ من حياة الريف، وفيها خوف من أن لا يستطيع الأشخاص الوصول إلى المستوى الذي تتطلبه الحياة الحضارية، وعلى الرغم من محاولات النجاح المبذولة، إلا أن ذلك يتطلب جهداﹰ نفسياﹰ وجسمياﹰ شاقاﹰ مما يجعل الأمر أكثر تعقيداﹰ فهو السبيل الى المنافسات والمشاحنات وأنواع الصراع القيمي ومواقف الإحباط المؤلمة وأشكال التعصب المختلفة (أحمد عبد العزيز عبد الغفار سلامة، ص١٨٦، 1975) .

نظرية الحرمان النسبي: Relativeness Deprivation

للحرمان النسبي مكونين:

مكون "بارد" (معرفي) أي إدراك الحرمان، ومكون "ساخن" (انفعالي – دافعي) يتضمن انفعالات الاستياء التي تحفز لظهور اتجاهات وسلوكيات معينة. كما أن له نوعين، الحرمان الجماعي (شعور الفرد بأن جماعته محرومة نسبة الى الجماعات الأخرى)، والحرمان الفردي (شعور الفرد بأنه محروم نسبة الى بقية الناس).

(85.Olsen &Hafer، 1996، p).

ولتفسير التعصب، تؤكد هذه النظرية أن الاستياء وعدم الرضا المميزين للاتجاهات التعصبية لا ينشآن نتيجة الحرمان الموضوعي، ولكن ينشآن من الشعور الذاتي للشخص بأنه محروم نسبياﹰ أكثر من بعض الأشخاص الآخرين في الجماعات الأخرى، أي انه حينما يشعر الأشخاص بحرمان نسبي بالمقارنة بأعضاء جماعة أخرى فإنهم يعبرون عن امتعاضهم أو استيائهم في شكل خصومة جماعية (معتز سيد عبد اﷲ، ١٩٨٩، ص ١٠٦)، ففي المجتمعات الاقتصادية نجد أن الجماعات تتباين في مستوى ثرائها وما حققته من كسب، وهو ما يخلق مشاعر الحرمان النسبي بين أعضاء الجماعات الاقل ثراء، أو ذات المستوى الاقتصادي الاقل (عبد اﷲ، ١٩٨٩، ص١٠٧) .

ثانياﹰ: المنظور المعرفي: Cognitive Approach

نظريات السلوك بين المجموعات:

تمثل هذه الفئة من النظريات احد الاتجاهات الحديثة للاهتمام بأشكال السلوك المختلفة بين الجماعات، وتؤكد هذه النظريات على الدور الذي تؤديه العمليات المعرفية في تحديد أفكار الإفراد بين الجماعات الداخلية التي ينتمون إليها والجماعات الخارجية (الجماعات الأخرى التي لا ينتمون إليها)، كما أنها تؤكد على الكيفية التي تسهم بها العمليات المعرفية العديدة في نشأة الاتجاهات التعصبية بأشكالها المختلفة بين الجماعات، فهي تمتد بعملية التصنيف إلى فئات، وبالإدراك الاجتماعي الى دراسة القوالب النمطية التي يكونها أفراد الجماعات بعضهم عن البعض الآخر، وأشكال التحيزات التي توجد بين هذه الجماعات، وما يترتب على ذلك من تمييز، كما أنها تهتم بدور التمثيلات الاجتماعية والمخططات العقلية في توجيه ومعالجة المعلومات عن الأشخاص والأحداث الاجتماعية (معتز سيد عبد اﷲ، ١٩٨٩، ص١١٢) .

إن نظريات السلوك بين الجماعات تضم نظريتين مترابطتين في تفسيرها لمفهوم القوالب النمطية الذي تعده الأساس لتشكيل التعصب هما:

أ‌. نظرية التصنيف الاجتماعي Social classification Theory:

ركز تاجفل (1978 Tajfel Differentiation Between Groups،) صاحب هذه النظرية على عملية التصنيف الاجتماعي كونها الآلية المعرفية الأساسية للتعصب، ويعني ذلك التصنيف الإدراكي للأفراد الى فئات أو جماعات، وهو ينطلق من الافكار المركزية الآتية لتفسير التعصب:

إن الناس ينزعون الى تصنيف عالمهم الاجتماعي الى صنفين: "نحن" (أو الجماعة الخاصة بالفرد) و"هم" (أو الجماعة الأخرى) .

إن التمييز لا يحدث إلا إذا تم هذا التقسيم (مما يجعل التصنيف شرطاﹰ ضرورياﹰ للتمييز)، وعندما يتم هذا التقسيم يتولد الصراع والتمييز (مما يجعل التصنيف شرطاﹰ كافياﹰ أيضاﹰ وليس شرطاﹰ ضرورياﹰ فحسب) .

إن من أهم المعايير التي تعتمد في عملية التصنيف هي العرف، والقومية، والدين، والجنس (مكفلين وغروس، المدخل الى علم النفس الاجتماعي، 2002 ص264) .

وفي ذلك يرى تاجفل (Tajfel) أن هناك مجموعة من المسائل التي تتصل بعملية التصنيف الاجتماعي: .

ان فعل التصنيف الاجتماعي يؤدي الى أن يكون ما هو داخل الجماعة مفضلاﹰ، وان ما هو خارج الجماعة غير مفضل ومواجهاﹰ بالتحيز والتعصب .

إذا كان التصنيف الاجتماعي هو الأداة المعرفية التي يتم بها ترتيب البنية الاجتماعية وتنظيمها، فإن هذه الأداة من الممكن أن تباشر أشكالا متنوعة من الفعل الاجتماعي، فهي لا تنظم العالم الاجتماعي فقط ولكنها توفر أيضاﹰ نظاماﹰ توجيهياﹰ لمرجعية الذات فتعمل على التعريف بمكانة الفرد في المجتمع (112.Tajfel، 1982، p) و(195-193.Linville، 1982، p).

وفي سياق ذلك تؤدي القولبة النمطية كعملية معرفية وإدراكية خالصة إلى تجسيد وإبراز الفروق الفعلية بين الفئات الاجتماعية، وهذه الفروق الفعلية تحددها الظروف الاجتماعية، وحينما تؤدي مثل هذه العمليات المعرفية الى قوالب نمطية سلبية عن فئات اجتماعية معينة، فان ذلك سوف يسهم في تشكيل الاتجاهات التعصبية ضد أصحاب هذه الفئات.

ب‌. نظرية الهوية الاجتماعية: Social Identity theory

تكمل نظرية الهوية الاجتماعية تفسير نظرية التصنيف الاجتماعي للتعصب بالرؤية الآتية:

إن نظرية الهوية الاجتماعية ترى أن تكوين الصورة النمطية يعود الى أن التحيز للجماعة هو سمة عامة في علاقات الجماعة المتبادلة، وان الهوية الاجتماعية تستمد من العضوية في هذه الجماعات ويحسب الجنس، والعرق، والطائفة الدينية.. الخ . ولان للأفراد حاجة نفسية للتقدير الذاتي والايجابي –ولأن الذات تعرف في إطار عضوية الجماعة، فان الأفراد بحاجة الى المحافظة على هوية اجتماعية ايجابية . وعليه فانه كلما زاد الوعي بما هو خارج الجماعة كلما زاد التحيز لما هو داخل الجماعة وأدى الى ظهور الصور النمطية (البداينة. ذ، ١٩٩٩، ص٨٩) (72-64.Schlenker، 1984، p)، فالهوية الاجتماعية تعطي الشكل للصورة النمطية، وكما هو متعلق بالجنس، والعرق، والدين، والمهنة، ...الخ، بينما يساعد تمثل القيم الاجتماعية والمعايير السائدة على إعطائها المضمون (معتز عبد اﷲ، ١٩٨٩، ص١١٨) .

ثالثا:‎‎ أشكال الاتجاهات التعصبية:

تناولت المدارس السيكولوجية التعصب على انه اتجاه عدائي نحو الأقليات العنصرية، ‎‎وهو ما يعرف بالاتجاهات التعصبية العنصرية، وهو أكثر أشكال التعصب التي نالت اهتماما نظريا‎‎ وواقعيا، فقد حظيت دراسات التعصب ضد السود سواء في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بأكبر ‎‎قدر من الاهتمام، حيث يمثل السود كجماعة عنصرية موضوع كراهية وعدم تحمل من قبل جماعات‎‎الأغلبية البيضاء، وبتوسيع مفهوم الاتجاهات التعصبية نجد أن التعصب القومي قد حظي باهتمام‎‎كبير، فعلى الرغم من أن هذا النوع من الاتجاهات التعصبية كان يضمن غالبا في إطار التعصب ‎‎العنصري إلا انه يمثل شكلا متميزا من أشكال التعصب، فقد أجريت العديد من الدراسات باستخدام مقياس بوجادرس (bogardes) للمسافات الاجتماعية للاتجاه نحو القوميات المختلفة، أبرزها الدراسات التي تتعلق باتجاه الأمريكان نحو القوميات الأخرى مثل الألمان ‎‎و اليابانيين والروس .. الخ) وقد اتضح أن أكثر القوميات التي ينفر منها الأمريكان هي القوميات ‎‎الشرقية على وجه الخصوص الصينيين واليابانيين) بينما أكثر القوميات التي‎‎ يفضلونها هي القوميات الأوروبية الغربية. وعلى الساحة‎‎ العربية بعد التعصب الصهيوني ضد الفلسطينيين والعرب عموما أكثر أشكال التعصب القومي التي يعاني منها العرب.

كذلك حظيت الاتجاهات التعصبية الدينية باهتمام واضح، حيث أن اليهود أكثر الجماعات ‎‎الدينية التي كانت هدف تعصب المسيحيين سواء في الولايات المتحدة وأوروبا وإن كانت الحدة اقل‎‎ في أوروبا، كذلك ينتشر التعصب الديني في بعض البلدان العربية التي يسكنها المسلمون ‎‎والمسيحيون مثل مصر ولبنان، كما أوضحت بعض الدراسات وجود أشكال مختلفة من التعصب الديني بين المسلمين والهندوس في المجتمع‎‎الهندي. كذلك في المجتمعات ذات التعدد المذهبي والتنوع الإثني وما هنالك من تعددية ثقافية...

و هناك الاتجاهات التعصبية ضد المرأة anti-femme، فقد شمل التمييز بين الجنسين جوانب اجتماعية عديدة مثل التعليم ‎‎والعمل وغيرها، وربما يكون التعصب ضد المرأة أكثر حدة في المجتمعات الشرقية‎‎ وخصوصا مجتمعنا العربي،حيث مازال العديد من أبناء أقطاره ينظرون إلى المرأة نظرة‎‎ اقل قيمة على الرغم من تقلدها العديد من المناصب..

وتأتي الاتجاهات التعصبية الاجتماعية سواء‎‎الطبقية Casteأو ‎‎الطائفية Class في مرتبة اقل من حيث الاهتمام مقارنة بأشكال التعصب الأخرى، ففي الولايات‎‎المتحدة أشارت الدراسات إلى وجود بعض التحيزات بين سكان المناطق الشمالية ‎‎والجنوبية،أو بين المناطق الريفية والحضرية،وأشارت دراسات أخرى إلى وجود تعصب‎‎ شديد (معتز سيد عبد الله 1989،ص 14-17) أما المقالة‎‎ هذه فهي تركز على مجال الاتجاهات التعصبية الاجتماعية الدينية الطائفية خصوصا في المجال العربي.

رابعا: مناشئ التعصب

إن التعصب ينمو في ظل ظروف نفسية واجتماعية محددة يعيشها الأفراد تعمل على انتشاره في ‎‎بعض المجتمعات دون الأخرى، فقد أشارت نتائج الدراسات إلى أن التعصب يزداد خطورة، كلما عرف ‎‎المجتمع ظروف محددة منها:

تضخم الذات: وهذه الذات المتضخمة قد تكون ذات الشخص، أو ذات الجماعة، أو ذات الدولة، بمعنى أنها الذات التي يرجع إليها الشخص وينتمي لها.

الشعور بالنقص الذاتي: كذلك الشعور بالنقص أو الدونية عادة ما يجعل الشخص يتعصب إلى شيء قد يجد فيه ما يكمل نقصه،كالجاهل الذي يتعصب لرجل دين ما مثلا (مصطفى زيور، في النفس، دار النهضة 1986 ص196)،

الاختلاف الثقافي السلبي: فكلما كان هناك اختلاف أو تباين بين الجماعات التي تكون المجتمع، فوجود جماعات ‎‎تنتمي إلى أعراق مختلفة داخل المجتمع الواحد أو أديان مختلفة أو ثقافات مختلفة يعتبر أرضا خصبة‎‎ لنمو التعصب وتشكله.

التغير الاجتماعي الفجائي: كما تدل الدراسات على انه كلما كان التغير الاجتماعي سريعا وراديكاليا ازداد التعصب، إذ كثيرا ما يصاحب هذه السرعة اختلال ملموس في النظم والمؤسسات والقيم التي يؤمن بها الأفراد. كما يصاحب هذه السرعة نوع من عدم الاتزان والقلق عند الأفراد، لذا يلجأون إلى التعصب كوسيلة ‎‎لتغطية هذا القلق واختلال القيم.

الظروف الاجتماعية القاهرة: كالعوز والفقر والبطالة، فأحيانا يتجه الإنسان نحو التعصب والتطرف والعنف بسبب الفقر والحاجة إلى المال لسد حاجياته خصوصا فئات التفكك الأسري والتسرب المدرسي والانحرافات الأخلاقية والاجتماعية عامة.

الجهل ونقص ا لمعرفة: فالجهل بالآخر وعدم توسيع المدارك بمعرفته والاطلاع على ما يؤمن به من المصادر الموثوقة يدعوه إلى التعصب ضده ورفضه. كذلك عدم وجود فرص الاتصال بين الجماعات المختلفة من المجتمع الواحد عامل‎‎مهم في ازدياد التعصب.. فقد أثبتت الدراسات انه كلما ازدادت معرفة الفرد بالحقائق والمعلومات عن‎‎الجماعات التي يتعصب ضدها قل التعصب. كالجهل بإدارة العلاقات ووعي الأولويات.، فالجاهل بإدارة العلاقات يسد على نفسه وعلى غيره كثيرًا من أبواب السعة والرحمة، ويتخذ فلسفة الرفض أساسًا لعلاقاته فرارا من مواجهة المشكلات، وبذلك يتعصب لرأيه وضد غيره.

تضخيم القداسات مع الغلو: إذ يصل هذا التقديس والغلو إلى حد إضفاء صفة القداسة على غير المقدس، مما يؤدي إلى التعصب لهذا الشخص أو لهذه الجماعة مثلا: التقليد الأعمى لكل من هب ودب، دون النظر في أهليته وعلميته، فبعض الناس يقلدون كل من يخرج على الفضائيات، فيستمع إلى محاضراته، ويأخذ أمور دينه منه، من غير أن يعرف أنه إنسان متطرف أم معتدل. أو يتثقف دينيا عن طريق الأنترنت، فيجد الفتاوى والدروس والمحاضرات والخطب، فيتأثر بها، لاسيما الفتاوى الشاذة، والخطب التحريضية على العنف والتطرف العنيف، والمحاضرات المسمومة الهادفة لتأجيج الصراعات وبث الفتن في المجتمعات، ناهيك عن التيارات الدينية المنحرفة والتي تصطاد الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتعمل عبر توظيف الشحن الاصطلاحي الشرعي، ولاسيما المصطلحات الحساسة، كمسائل التكفير والتبديع والتفسيق والتضليل، والجهاد والولاء والبراء، لتجنيدهم وإغرائهم لتنفيذ مخططاتهم الفتنوية والإرهابية ونشر أفكارهم المتطرفة وترسيخ اتجاهها التعصبي عبر هؤولاء الضحايا.

الخلل في التوازن النفسي: والذي غالبا يبدأ من الشعور بالفشل في مواجهة التحديات وصعوبات الحياة ومشاكلها. واليأس والقنوط وخيبة الأمل في حصول مبتغاه، كل هذا يدفع الإنسان إلى التصرف تصرفا عدوانيا، ويجنح إلى الانحراف، وتظهر عليه حالات التعصب والتطرف والتشدد والكراهية والعنف.

الشعور بالتمييز (العنصري والطائفي والديني والمذهبي): شعور الناس بالتمييز الذي يمارس ضدهم من قبل السلطة أو الأكثرية الغالبة أو الجماعات المضادة، يدفع بهم إلى التعصب كردة الفعل، وهذا ما يبرز في حالات البلدان التي تقبع في سجن الاستبداد السياسي والديني والطائفي، وانحصار الحريات وفق شروط محددة وحسب ما يعطل التفاعل الاجتماعي والتعارف الثقافي والتعاون الوطني، كل هذا يسهم في رفع منسوب التعصب، وبث الكراهيات في نفوس المظلومين المهمشين، مما يحرك لديهم اتجاهات التطرف والتشدد والعنف والإرهاب.

وهناك حب التملك والتسلط والشهرة والسمعة لدى الجماعات المتطرفة، بحيث يستخدمون كل وسيلة ولو كانت غير مشروعة للصراع على تسلم السلطة ونيل المناصب القيادية والسيطرة على الأموال العامة، متسترين غالبا بعباءة التدين المغشوش وهذا شكل من أشكال الاستبداد الديني .

العامل الخارجي المتدخل في شؤون الدول والمجتمعات والأمم: ففي كثير الأحيان تقوم الدول العظمى بتشكيل الجماعات المتطرفة وتجنيدهم للعمل في الدول الصغيرة - لاسيما الإسلامية منها – لزرع الفتن والنزاعات في تلك المجتمعات لصالح الدول الراعية للتطرف والإرهاب.

التعصب المعاكس في رفض قيم المجتمع ومقدساته، والهجوم العلني والتآمر الخفي على الأمن الثقافي للمجتمع، مما يؤجج نار الفتنة،كالانحلال الخلقي تحت غطاء الحرية .

غياب دور المثقفين وعلماء الدين: عدم تثقيف وترشيد الناس – لاسيما الشباب- في كثير من البلدان الإسلامية، خصوصا تلك التي تتميز بتعدد المذاهب والفرق والجماعات، وكثرة الاختلافات بينهم، مما ينتج المغالاة في التنافس، وتبديع بعضهم البعض أو التفسيق أو التكفير.

الانغلاق وضيق الأفق: نجد كثيرًا من الطوائف والجماعات منغلقة على ذاتها لا تسمع إلا لنفسها، وتمنع أتباعها من الاستماع لغيرها، وتنشأ كثير من الافكار المتطرفة والتعصبية في أجواء مغلقة ومعتمة، تعلِّم رفض الآخر والعنف الموجه ومهاجمة أي شخص مخالف.

حجم الأقلية موضع التعصب: هذا عامل آخر ومنشأ واقعي يؤثر في شدة الاتجاه، فيرى (وليامز R.Williams) إن ‎‎التعصب يزداد كلما زاد حجم الأقلية وزاد معدل نموها زاد من حدة الصراع بين الأغلبية والأقليات‎‎الأخرى.

الإستغلال المصلحي والمنافسة بين الجماعات: ويعتبر الاستغلال عاملا آخر يؤدي إلى التعصب، فقد تتعصب جماعة ضد جماعة‎‎ أخرى وتصفها بصفات تبرر استغلالها، وقد يكون الاستغلال اقتصاديا أو سياسيا وغيرها، كذلك تلعب المنافسة في ميدان العمل والخوف من الفشل الذي يصاحب تلك المنافسات (زايد 2006، ص 81-83)

الأفكار النمطية الجامدة Stéréotypes: والتي تمثل المكون المعرفي للاتجاه التعصبي، والتي تعني تحديدا تعميمات غير دقيقة يحملها الفرد بخصوص جماعة معينة، وقد تكون هذه التعميمات ايجابية وقد تكون سلبية، والتعميم الايجابي يتضمن صفة جيدة أو مفضلة يضيفها الفرد إلى جماعته التي ينتمي إليها، ولنفرض أنها (س) فيقول إن جميع المنتمين إلى (س) أذكياء أو طيبون مثلا، فيما يتضمن التقييم السلبي صفة سلبية أو غير مفضلة يضفيها على الجماعة الأخرى التي تختلف عن جماعته بالعرق أو الدين أو المذهب، ولنفرض أنها (ص) فيقول إن جميع المنتمين إلى (ص) هم أغبياء وأشرار مثلا، لذا فالصورة النمطية تقود إلى عزو خاطئ، لذا ما يحصل للفرد المتعصب انه يعزو كل الصفات الايجابية إلى شخصه والى جماعته التي ينتمي إليها، ويعزو كل الصفات السلبية إلى الجماعة الأخرى التي يختلف عنها في القومية أو المذهب أو الدين ..إلخ (سليمان صالح 2007، ص190-192).

كما إن هناك عوامل أخرى لا نستطيع إغفالها مثل العوامل الثقافية كوسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، كلها تساعد في تشكيل التعصب عند الأطفال والمراهقين. التنشئة الاجتماعية المبكرة وأساليب المكافئة والعقاب التي يتلقاها المراهق في حياته فالقدوة السيئة، والتربية غير السليمة، والتنشئة في بيئة غير صالحة، الإنسان يتأثر ببيئته وبالظروف المحيطة به، وبمن يحيطون به من الأفراد والجماعات، سلبا وإيجابا. فإذا تربى في بيئة مشحونة بالعنف والتشدد والكراهية، فهو يحمل تلك الصفات في نفسه ويحكيها بتصرفاته.وهذا من خلال محورين هما:

أ – الاتصال بأفراد متعصبين حيث يجري تعلم معظم أشكال التعصب من الأفراد الذين هم بالفعل متعصبين بدءاً من الوالدين، فهناك ارتباط بين تعصب الآباء وتعصب الأبناء، ذلك لأن الآباء يدربون أطفالهم في الغالب على التعصب سواء كان ذلك بشكل شعوري أو بشكل لاشعوري، هذا فضلا عن المدرسين والأصدقاء، وأفضل مثال على ذلك ما هو متعارف لدى الجماعات الطائفية والتكوينات المذهبية.

ب – الاتصال بموضوعات التعصب وهنا من النادر أن يكتسب التعصب من خلال الاتصال ‎‎بموضوع التعصب، لكن من حين لآخر قد يتعرض الفرد لخبرة سيئة من جماعة عرقية ثم ينمو اتجاه الفرد التعصبي من خلال الاحتكاك (زايد 2006، ص 81-83).

مستخلص:

وعليه الإنسان الذي يتصور أن أفكاره وانتماؤه هما عين الحق والحقيقة، فإنه سيتعصب لها ويحارب من أجلها، ويحدد موقفه من الآخرين انطلاقا من موقف هؤلاء من أفكاره وقناعاته وبالتالي يتطرف بتعصبه هذا ..

وهذا ضد الالتزام الاجتماعي والاعتدال في ممارسة المواطنة والانتماء للمشترك الجامع للتنوع في أي مجتمع.. من حق كل إنسان أن يلتزم بأي فكرة أو نظرية أو دين أو جماعة، ولكن ليس من حقه أن يتطرف ضد الآخرين المختلفين عنه وعن إنتمائه بوصفه مالك الحقيقة الوجودية النهائية الأوحد، هذا الاحتكار للحقيقة هو الحد الفاصل بين الاعتدال الاجتماعي والتطرف الثقافي، لأن التعبير الحقيقي عن الذات لا يكون على حساب الآخرين ولا يمارس بالفرض والعنف والاعتداء والتمييز والتهميش والتسقيط لتعميم الأفكار والقناعات .. فممارسة العنف بكل أشكاله من اللفظي والفكري إلى الجسدي والمادي، هي تجاوز لحقوق وتخلف عن واجبات الحفاظ على السلم والأمن والاستقرار، لأن التطرف ضد اعتزاز الشخص بأفكاره والتعبير عن خصوصيته بوسائل سلمية – طبيعية، والتطرف يهدف لمطلق الساحة والمجتمع والأمة والوطن ولا يقبل التعبير عن الخصوصيات بوصفها حقائق نسبية...

من هنا فإننا أحوج ما نكون اليوم، إلى خطاب إنساني حول الدين والثقافة والاجتماع منفتح على التنوعات الثقافية والحضارية وينبذ العنف ويلاحق التعصب بكل أشكاله.. لأن هكذا خطاب هو المدخل الأساسي في تنمية العلاقات وفتح المساحات المشتركة بين جميع الفرقاء في المجتمع الواحد عبر التعارف والتسامح والحوار، مع حماية المجتمعات من الانجرار إلى تيارات العنف وممارسته.. لذلك فإننا نعتقد أن إحياء الوعي الثقافي المنفتح والمتسامح هو أحد ضرورات ومتطلبات انجاز وتعزيز الأمن الثقافي للمجتمعات العربية الراهنة..

***

أ. مراد غريبي

في المثقف اليوم