تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

وسيم حميد صنكور: تأثير الاستعباد الافريقي على الثقافة واللغة البرتغالية للبرازيل

جذب موضوع تأثير اللغات الافريقية على اللغة البرتغالية المستخدمة في البرازيل اهتمام العلماء منذ بداية القرن التاسع عشر على الأقل. ففي البداية تم افتراض وجود ذلك التأثير، ثم تم تأكيده او نفيه من قبل البعض، واعتمده بعض النحويين البرازيليين في وضعهم للقواميس اللغوية، اذ اشاروا الى كمية المفردات التي دخلت للغة البرتغالية في البرازيل من اصل افريقي. واستمرت اثارة هذا الموضوع ووضعه للنقاش بشكل اكبر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

يشير بعض الدارسين الى ان كتاب "الافارقة في البرازيل" لمؤلفه نينا رودريغز، الذي نُشر العام 1932 قد ازاح الكثير من الشكوك عن هذا التأثير بسبب كونه دراسة علمية حملت في داخلها دلائل عديدة على واقعية وجود التأثير الافريقي في المفردات البرتغالية لاهل البرازيل، وهذا لايعني ان الدراسات التي سبقت هذا الكتاب لم تكن علمية بل انها كانت الطريق الممهد لظهور دراسات اكثر واقعية ودقة في هذا المجال.

ان وجود الجذر الافريقي في البرازيل يعود إلى فترة العبودية التي بدأت في النصف الأول من القرن السادس عشر، حينما تم استبدال العمالة الأصلية بالعمالة السوداء المستعبدة، وعندما وصل هؤلاء المُستعبدون، الذين كانوا من قبائل أفريقية مختلفة، إلى البرازيل، فرض عليهم العيش بشكل مختلط  لتجنب التنظيمات التي من شأنها أن تولد الانتفاضات في ذلك الحين. لذا كانت تجمعات الافارقة تعود بجذورها الى بلدان شتى، مثل مالي وغينيا وموزمبيق والكونغو وانغولا وغيرها.

استمرت فترة العبودية أكثر من 380 عامًا، وخلال تلك الفترة تم ارغام مايقرب من 4 ملايين شخص على ترك اراضيهم  وإرسالهم إلى البرازيل، اذ أجبروا على العمل القسري وتسليم حياتهم إلى أيدي السادة، وخاصة أصحاب المطاحن والمزارع.

في 13 ايار 1888، وبعد قيام عدة انتفاضات ترأسها هؤلاء المستعبدون وتحرك العديد من الساسة الرافضين للعبودية، تم التوقيع على اتفاقية انهاء العبودية من قبل أميرة الإمبراطورية البرازيلية ايزابيل.

وعلى الرغم من ان تأثير الاستعمار البرتغالي في البلدان الافريقية ادى الى ظهور ستة دول في القارة الأفريقية تتحدث اللغة البرتغالية (أنغولا، الرأس الأخضر، غينيا بيساو، موزمبيق، ساو تومي وبرينسيب، وغينيا الاستوائية)، إلا أن شعوب تلك المنطقة تمتلك لغة محلية الى جانب البرتغالية ، وقد نجحوا في ادخال مفرداتهم المحلية الى البرازيل اثناء فترة استعبادهم هناك. لذا، من الخطأ الاعتقاد أن المستعبدون الافارقة توقفوا عن التواصل بلغتهم الام وعن نشر ثقافتهم بعد احتلال البرتغاليين لبلدانهم.

لقد ساهم الأفارقة المستعبدون في الثقافة البرازيلية واثروا فيها في عدة جوانب، فقد اثروا في الموسيقى والرقص والدين والمطبخ واللغات. وهذا التأثير ملحوظ في جزء كبير من البلاد، خاصة في ولايات مثل باهيا ومارانهاو وبيرنامبوكو وألاغواس وميناس جيرايس وريو دي جانيرو وساو باولو وريو غراندي دو سول، واصبحت الثقافة الأفريقية متجذرة في عادات وحياة الشعب البرازيلي، ولا توجد طريقة للقول إنه لم يكن هناك اي اثر افريقي في البرازيل، بل هو موجود عمليًا في كل جانب من جوانب الروتين اليومي.

***

د. وسيم حميد صنكور

في المثقف اليوم