قضايا

سحر شبر: تَفكيرُ المرأةِ ضدّ نفسِها

يُقال للمرأةِ في لسانِ العربِ: إِنَّها لَامْرُؤُ صِدْقٍ كَالرَّجلِ، وتأنيث امرِئٍ مَرأَة، والكلمةُ مُتوالدة ممّا فيها خِصال الإنسانية التّي هي المُرُوءَة، وفي مَركِب الحياة والبيئة والثقافة سُلِبت هذا المعنى النَّـيِّر. أجل، نُزِع عنها أَنّها كِيان مُكتمِل فيما ينطوي عليه من ذات وفِكر، وأنّها في الحضارةِ نوعٌ متفرّد في خصائص وجوده، ولا أريد هنا خصيصة الأنثى فقط.

وهي أنماطٌ لدى الأمم والثقافات، وإذا انخَرَمت حياتُها، وشُوِّه جوهرُها، وصِيغَت صورتُها بما تشتركُ فيه اللّواتي ينطبقُ عليهن نعتُ النّسوةِ، ممن أظلّتهن البيئات الجامدة، إذا وقعَ ذلك كلّه فبمداعٍ أوجدها مباينُها الرجل، وألزمَها بها أبوها وأخوها وقرينها. ثم أرادَ لها أن تستقيم في شخصيتها، وأن تبثق جيلًا، أو تنشِّئ إنسانًا فردًا ما يملك إلا أن يُذاب في الجماعة. هي منذ ولادتها إلى أن يحين أجلها مجازٌ من الأمر والنهي والطاعة حتّى تلك التي يُخيّل إليكَ وإلى نفسها أنّها مثقّفة أو أكاديمية أو أديبة، في مدارج حياتِها بلغت من الوعي ما أيقنَها أنّ شيئًا من الحريةِ مشوبًا بالاستقامةِ وبمحضِ الفكر والتسليم للعقلِ يؤول بها إلى وجودها الخاص، لكنّ ما بَلَغَتْهُ ليس راسخًا في نفسِها ولا جذرًا ثابتًا إزاء ما غُرِس فيها من خوفٍ ورَيبٍ، هما ثعبانٌ مبين برأتْهُ يدُ المجتمع المغموسةُ في تاريخ وثقافة باليينِ، ولا مندوحة لها من أن يلتفّ هذا الثعبان على كيانها كلّه، مهما سعتْ في مراتب الوعي العاليات، تراها وقد حازت في الجامعة أرفع درجة علميّة، وتخصّصت بالعلوم الصَّرفة، واشتغلت بمخابرها، ويومَ أرادت أن تسكن في شِقّة ببغداد بمفردها صغت إلى صوتِ أبيها، وارتَدّت إلى جَلَفِ بيئتها مذعنةً تردد أن استقلالها بسكنٍ بعيدٍ عن أهلها مجلبة للعار على أهلها بعد أن حفظت شرفهم!

ومثيلتها التي تناظرها في البيئة المشدودة إلى ما لم يُوجد في الدين أصلًا، بعد أن تعمل وتأبى قِوامة أبيها عليها تجدُها بباب هَرِمَة تقرأ لها طالَعها إذا ما فيه زوجٌ صالِحٌ يملكُ التصرّف بها، ويسدّ فراغ قلبها، ويُشعرها جسدها، ويُتِمَّ سَورةَ دِينها!

وامرأةٌ أخرى طوّفَتْ في غير تَيْنِكَ البيئتينِ، وحلّت بلدًا نزعَ ما بينه وبين الموروث كلّ سبب، فهي طليقة تفعل ما أرادت المدنيّةُ لها، وتُلبّي مُتع الحياة، وحين ردّتها الصُّروف إلى كِنِّها الأوّل، انكفأت على مكتبتها وصارت إذ تخرجُ من بيتها تتلفّعُ بحجابينِ، أحدهما أرضى ذوق الشارع، وثانيهما أقصى الأول كيلا تنصَّل من تقاليد الجامعة التي تدعو طالباتِها إليها!

وصديقة هذه تلك التي تمرّدت بعد أن ساقها زوجُها بشمالهِ إلى غرفة النوم، وضربَها بيمينه بحزامهِ جزاء قميص ما تمَّ كَيُّهُ، وجزاء نظرة عابرة من رجل ما في السوق، وقد خانته مع غيره متذرعة بطلاق روحها عنه، ثم رجعت إليه تفكّر بأَلْسِنةِ الناس التي تبترُ شرفَها وسمعةَ أولادِها!

أُولاءِ النساء كيانٌ يتوق إلى أن يكون ذاته، وهنَّ طاقة يأسٍ وعجزٍ عن أن يتحققَ شيءٌ من هذه الذات، وتفكيرهن ما ينفكّ يقودُهن ضدّ أنفسهن كآليةٍ تقيهن الانزلاقَ في حتميةِ المَشاق.

ـ وَهل مِن مزيد عن تلك في الجامعة، وما هي برجلٍ، ولا امرأة، إنّما تشبَّهَت بِهما، وصارت نمطًا وَضَعَتْهُ فَوضى هذه البلادِ وما تعلّقَ بها؟!

***

د. سحر شبر

 

في المثقف اليوم