قضايا

الطيب النقر: ما بين الدكتور الترابي والأستاذ محمود محمد طه

دراسة تحليلية مقارنة

عن إعدام محمود محمد طه، المهندس الذي تضيف إليه جماعته محاسن تزعم أنها لا توجد في غيره، يخبر الدكتور الترابي الإعلامية المصرية الأستاذة منى الشاذلي التي استضافته في برنامج “العاشرة مساء” بقناة “دريم2” أثناء زياته لجمهورية مصر العربية في يوليو عام 2011م، بعد انقطاع عنها دام لمدة تقارب العقدين من الزمان، وابتدر حديثه عن مؤسس الحزب الجمهوري محمود محمد طه، ذاكراً بأن معرفته "بالأستاذ" كما يطلق عليه شيعته ومحبيه، تعود لفترة كان فيها في الصف السادس أو السابع، وقد جاء إلى مدرستهم، وتحدث عن ختان البنات الذي كان يؤمن به، ويحظره المستعمر البريطاني، الذي يأخذ المجتمع السوداني بالحزم والشدة، حتى يصرفهم عن هذا الأمر، ظلّ المهندس محمود محمد طه، كثير الجنوح إلى الشغب، والخروج والانتقاص لسياسات المستعمر، حتى زج به الإنجليز إلى السجن، فقام الترابي ورفقائه الطلاب في مدارس شتى بمظاهرات حاشدة من أجل إطلاق سراحه.

وأوضح الترابي بصورة جازمة، أنه لم يتحدث مطلقاً عن محمود محمد طه، أو يجادله، أو يناقشه، حتى في كتبه التي تتنافى تماماً مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ورغم إنه إدعى أنه قد بلغ درجة عليا بعد محمد عليه الصلاة والسلام، كفلت له أن يدعي أنه عيسى عليه السلام، وهو ادعاء لا يحتاج صاحبة لأن يلتمس الدليل القاطع على صحته، فهو افتئات جلي، واختلاق بين، ومحمود محمد طه كانت كتبه كلها تدور حول الرسالة الثانية، التي تتوافق مع المستجدات التي طرأت على المجتمع الإسلامي، بحكم الرقي والتطور الذي زان هذه الحياة التي نعيشها، زاعماً أن الشريعة الأولى لا تتوافق مع جوهر هذا العصر وروحه. وكشف الدكتور الترابي عن السبب الذي جعله يزهد في مناقشة آراء الراحل محمود محمد طه، رغم غرابتها، فقد ترك الدكتور الترابي محمود محمد طه ومزاعمه للأيام، تمتحنه بما تمتحن به الناس جميعا، وقد تعيش يوماً وتنتهي، ولكنها بكل أسف لم تنهي وعاودت الظهور عبر حكومة الحرية والتغيير، فبعد وأد حكومة الإنقاذ الباغية، بات وجود رموز الجمهوريين في حكومة السيد حمدوك رئيس وزراء السودان الحالي أمر شائع ومألوف، وهم الآن يدعون إلى الفكرة الجمهورية، ويلحون في الدعوة إليها.

ويهضب الدكتور الترابي قائلاً: ومحمود قتله الرئيس جعفر محمد نميري رغم أنه كان مؤيداً تأييداً واسعاً للمشير نميري في كل الفظائع التي ارتكبها، مثل اعتقاله للساسة والصحفيين، وقتله للأنصار في مذبحة الجزيرة أبا، ولكن حينما طبق النميري شريعة سيدنا محمد طالب هو بتطبيق شريعة محمود، فانقلب عليه النميري وسجنه بمقتضى قانون الطوارئ، وأوضح الدكتور الترابي أنه لم تكن له صلة بكل هذا، ولم يسبق له أن دخل معه في نقاش حامي ملتهب، ويرى الباحث أن اجتهادات محمود محمد طه حين تقف عليها، تشعر شعوراً واضحاً بأن هذه الآراء التي تحدث عنها في غير لبس ولا التواء، لا تحتاج لكثير من الجهد والعناء لتفهمها، فهي ملائمة لطائفة معينة تنفر من الحياة العنيفة، فالجهاد الذي أبطلته شريعة محمود، يهلل لها كل من يخشى على نفسه من حماية الثغور، كما يجد فيها الكسول بغيته، فقد أبطل محمود الجهد الحركي الذي نبذله لأداء الصلوات، واستعاض عنها بصلاة تسمى صلاة الأصالة، يكفي فيها أن تدير لسانك في فمك، وتتكلف التفكير في روعة الخالق، وبديع صنعه، والبخيل الجامد الكف، الجعد الأنامل، حتماً سيقنع بشريعة محمود، ويطمئن إليها، لأنها أبطلت الزكاة، وأكدت أنها انتهت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمست الزكاة التي يخرجها المسلم غير إلزامية، وغير مقدرة بالمقادير التي نعرفها، وذكر الدكتور الترابي بأن محمود محمد طه، لم يكن يصلي لأنه وصل إلى الله، وليس هناك يوماً للقيامة، ورغم كل هذا لم يجادل الدكتور الترابي الراحل محمود في رؤاه الغريبة، ولم يؤيد المحكمة التي قضت عليه بالإعدام، لأنها محكمة طوارئ أيدها الرئيس نميري لمعارضة محمود إياه، ووصف الدكتور الترابي بأن محمود محمد طه، الذي يعرف أسرته جيداً، رجل غريب الأطوار، وليس الأمر قاصراً على محمود، وذكر الدكتور الترابي أخاً لمحمود محمد طه، كان يعلمهم العلوم الطبيعية في الثانوي، فحدث أن اعتزل الناس مع شقيقه في غار، فخرجوا بهذه الطائفة من التشريعات المذهلة.

إذن لم يقد الطمع، وحب النفس، أن يتخلص الدكتور الترابي من محمود محمد طه، الذي كانت له مدرسة تجديدية، كما يزعم أنصار الراحل محمود محمد طه، وعلى رأسهم الدكتور الفاضل والسوداني الجم التواضع النور حمد، تنافس مدرسة الترابي التجديدية، وتتفوق عليها، مدرسة تأخذ بأسباب الحضارة الراقية الزاهية، وتدعو لحياة عقلية مزدهرة، تتوحد فيها الثقافات، وتنعم فيها الدول بآخاء متجذر، وصداقات باسقة، فلا سيوف تضرب الهام، وتقطع الأجسام، ولا طلاق يضيع الأسر، وينتقص الحقوق، فالطلاق حرام شرعاً في شريعة محمود، وهو بهذا يرضي حاجة المرأة إلى الكرامة، التي ترى في الطلاق، والزواج عليها، إجحاف لا يضاهيه إجحاف، وحق للمرأة أن تغتبط بشريعة محمود، وتحتفي بها، فالحجاب ليس فرضاً عليها، ولا يحق لبعلها أن يتزوج عليها، إلا لعلة طال عهدها، أو لعدم إنجاب، ولا يحق لزوجها أن يمضي في زيجة أخرى إلاّ بموافقتها، ويسقط الزواج ويبطل إذا كان دون علمها. واعتقد أن الرجال سيتأففون من شريعة محمود وينكرونها، لأنها لم تلتمس مراتع هواهم، أو تبتغي مواقع رضاهم، فهي جائرة موغلة في الجور، وليس فيها ما يدفع المرأة لأن تذوق الغيرة، وتصطلي بنارها المحرقة، فالرجل يضعف ويتضاءل في شريعة "الأستاذ" محمود محمد طه- شهيد الفكر كما يزعم البعض-  تتقزم قامة الرجل إذن ولا يمضي خلف إرثه قائماً متطاولاً،  بينما المرأة تكبر نفسها، حينما ترى زوجها يلتمس إرضائها، ويتقرب إليها في كل وقت و حين، حتى تصبح لأجل ذلك طاغية مسرفة في الطغيان.

وبمناسبة الحديث عن المنافسة الحامية الوطيس، بين تجديد الدكتور الترابي، وبين تجديد المهندس محمود محمد طه، يقارن شاباً لم يكن يتكلف التقى، أو يصطنعه بين المنهجين، محمد سيد حاج -رحمه الله- الفتى الذي أحاطت به في دنياه، تلك الهالة الضخمة من الحب الجارف، والهوى الشفيف، فقد استوثق الداعية الشاب من محبة السودانيين، التي كانت محققة ليس في وجودها شك، لأنه استطاع أن يأسر مجتمعه رغم طراءة سنه، بابتسامته الواسعة التي لا تفارق محياه، وبأسلوبه البسيط المتزن، الذي لا يخلو من دعابة وتبسط، استطاع الشيخ محمد سيد حاج رحمه الله، أن يؤثر في فئة الشباب، التي كانت تماثله في العمر، وتفهمه حق الفهم، وتشعر بصدق دروسه أشد الشعور وأدقه، فباتت عقولها لا تخضع إلا لنصحه، وأفئدتها لا تطمئن إلا لوعظه، واستمرت على هذه الوتيرة حتى توفاه الله في حادث مروري عام 2010م، لقد استقر في نفس الداعية الشاب رحمه الله، أن منهج محمود محمد طه، أعمق منهجاً وتأصيلا، عن منهج الترابي، فما تفصيل هذا الادعاء؟، وما هي مسوغات هذا الزعم؟ يؤكد الداعية السوداني الراحل أن محمود محمد طه، أضلّ من الترابي، ما في ذلك شك، ولكن محمود ضال بعلم، أما الترابي فمنهجه متذبذب، لا يكاد يستقر على حال، فتارة ينكر بعض الأحاديث التي تتعلق بالغيبيات، مثل نزول سيدنا عيسى عليه السلام، وظهور الدجال، ويهون بها أشد التهوين، ويطعن أيضاً في "حديث الذبابة"، وحديث "المرأة ناقصة عقل ودين"، ينكر الترابي كل تلك الأحاديث، وهو الذي يؤدي صلواته الخمسة، بفضل تلك الأحاديث، التي أوضحت له كيف يؤدي شعيرة الصلاة، فالقرآن الكريم، الذي يعتد به الترابي، كمصدر متواتر لا سبيل للطعن فيه، ليس فيه تفصيل تلك الصلوات، ولا شروطها، وأركانها، هذا خلاف فتاويه الغريبة، التي يتحفنا بها كلما ذهب لمدينة من مدن السودان، ففي مدينة سنار، وسط السودان يفجر لنا فتوى، لا نستطيع أن ننصرف عنها، وقبل أن ننكر هذه الفتوى، ويظفر منا برد، نسمع أنه قد اتجه لشمال السودان، وفي مدينة عطبرة، يوقعنا في حيرة مهلكة، فنحن لا نستطيع أن نمضي معه إلى حيث يشاء، لنفند بطلان هذه الفتاوي التي يصدرها في همة ونشاط، وقد لاح للباحث أن الشيخ محمد سيد حاج، يرى أن فتاوي الترابي واجتهاداته، تقوم على الباطل، أكثر مما تقوم على الإيمان، هذا ما رسخ في ذهن الباحث، الذي ترتاح نفسه لمحمد سيد حاج، وللترابي أيضاً، ولا يستطيع أن يستقر على حياة دينية راسخة تغمر القلب، وتملأ الضمير دون أن يصغي لمحاضراتهم، ودروسهم، أنزل الله على قبريهما شآبيب الصفح والرحمة.

أما "الأستاذ" محمود محمد طه، الذي أنكر الدين وسلطانه، وتوقف عن أداء الصلاة بهيئتها المعروفة، واستبدلها بصلاة تسمى صلاة "الأصالة"، تلك الصلاة الفريدة التي تحتكرها قلة، أوصلها ورعها وتدبرها إلى الله، فمنحها من آلاءه وفضله، ورفع عنها تكرماً، الصلاة الحركية التي تواضع الناس على أدائها، فمحمود محمد طه الذي يجهل الناس قبره، كان محافظا على أصول شريعته الباطلة، التي ابتدعها ولا يحيد عنها، وقد أنفق عمره وهو متمسكا بتلك الأصول، حفي بها، حريصاً عليها، وقد بنى منهجه على أسس واضحة، فالدين الثابت الذي لا يتغير، هو الدين المكي، أما  الدين المدني، فهو الذي يتغير ويتجدد، بتغير الأزمنة وتجددها، ولكل طائفة من الناس، في كل حقبة، أن تغير منه ما يروق لها، كما جدد محمود محمد طه فيه وغير، هذا شأن محمود، وهذه قصته، وذاك منهجه، أما  الدكتور الترابي، فيرى الشيخ محمد سيد حاج، أنه رجل عصي على الفهم، وأنه كان وما زال محتار في أمره، فلا هو سُنِي مؤمن، بما يؤمن به السٌني، ولا هو مبغض للسنة، مغرقاً في عداوتها، ولا هو معتزلي، مغتبطاً بأفكار المعتزلة، مانحاً نفسه نشر تلك الأفكار، وإذاعتها بين الناس.

وفتاوي الدكتور الترابي دأب -الشيخ المجدد- كما تنعته شيعته بهذا الوصف،  أكبّ الدكتور الترابي على هذه الفتاوي، ودرج على  إطلاقها منذ عهد طويل، ولم تكن كما يعتقد البعض، أنه تعمد نشرها، حينما بدأ يتأهب لمفارقة الحياة، هذا ادعاء يدعو للسخرية والتهكم، ومثله قول البعض أن تلامذة الشيخ، بعد أن أقالوه من كل المناصب السياسية التي كان يتولاها، طلبوا منه أن يدخل بيته ويغلق بابه، ويحكم إغلاقه، ويظل صامتاً لا يلوي على فعل شيء، حتى يحل به أصدق المواعيد، وتطويه الغبراء، ولكن الشهرة، وحب الظهور، التي امتزجت بنفسه، تحول دون أماني ورغبات تلامذته ومبغضيه، كما يدعي" الهاجري"، فالشيخ ظل حريصاً كلما تقدم نهار، ودنى مساء أن يتحف السودانيون، وأجهزة الإعلام، بفتاوي ندية، لم يسبقه عليها أحد، كلا لم يكن الشيخ يائساً أن تحجب عنه الأضواء وتنزوي، بل هو بعيد كل البعد من اليأس، وشعرت الإنقاذ وطواغيتها، أن الشيخ كان يؤذيها بحديثه السياسي، الذي ليس لها قدرة عليه، إلا بسجنه وقمعه، ها هو الآن يلفت انتباه العالم الإسلامي والخارجي معاً بفتاويه التي صاب ظنها، وصدق تخمينها، مثل قضية "إسلام المرأة الكتابية" دون زوجها في الدول الغربية، فالدكتور الترابي سبق أترابه بفتوى كان فيها وكيد الاعتقاد، نافذ الصيرة، صحيح الرأي، فقبل ثلاثة عقود، فاجأ الدكتور الترابي جميع العلماء برأي استنكروه عليه، واستهجنوه منه، ومنهم من لم يكتفي بالدهشة، بل حمل عليه، وعرّض به، ولكنهم عادوا وأجمع عليه أغلبهم فيما بعد، فالترابي “لا يرى زواج المسلمة من النصراني ابتداءً، هذا عكس ما يروجه الناس، ولكنه يقول من كانت كتابية، ودخلت الإسلام، أو من كانت مسلمة، وكان زوجها مرتداً، فالترابي لا يرى الطلاق، وتقسيم الأسرة مهما حدث، مستعيناً بالقصة المذكورة في السيرة النبوية، عن أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، والتي كان زوجها قد ارتدّ في الحبشة إلى النصرانية، ولكن ظلت على عصمته حتى مات، ثم بعد ذلك، عندما ذهبت إلى المدينة تزوجها الرسول عليه الصلاة والسلام، وأما الآيات في سورة الممتحنة، والتي تخاطب المؤمنات ألا يتمسكن بعصم الكوافر، فيُفهَم من سياق الآيات التي قبل والتي بعد، أنها تتحدث عن المسلمات اللواتي تحت عصم المشركين في مكة، ويرغبن في الهجرة إلى المدينة بعد صلح الحديبية، ولا تتحدث عن المسلمات اللواتي في عصمة الكتابيين من اليهود والنصارى”. وهذا نفس الرأي الذي تواضعت عليه قبيلة العلماء فيما بعد، والملمح الذي نستشفه من هذه الفتوى، هو تفرد الشيخ الترابي وعبقريته، واستقلاله، فهو لم يراعي العاطفة الدينية التي تستدعي عدم الخروج عليها، وتحمل في ثبات تبعات هذه الفتوى، ولعل من أسخف السخف أن يهاجم شيخ كان يعني بالموت أكثر مما يعني بالحياة، ويرمى بأنه لا يشعر بالحاجة الملحة لإصدار تلك الفتاوي، إلا لأنه أراد أن يحرك حياة راكدة خامدة، بفتوى تتشاركها الصحف والوسائط وأجهزة الإعلام إلى أبعد حدود المشاركة.

يقول الدكتور القرضاوي-رحمه الله- الذي يرى الآن أن بقاء المرأة مع زوجها النصراني، له سند شرعي، ومصلحة معتبرة، متحدثاً عن هذه المسألة، التي كان يفتي فيها بفتوى لم تكن تحتاج لكد ذهن، أو تقليب نظر، وهي وجوب التفريق بين المرأة التي أسلمت دون زوجها، وظل زوجها على دينه، ولكنه تراجع عن تلك الفتوى، بعد أن درس التسعة أقوال التي ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله حول هذه القضية في كتابه” أحكام أهل الذمة” يقول الدكتور القرضاوي:” كنت لسنوات طويلة أفتي بما يفتي به العلماء الذين ذكرهم السائل في سؤاله، وهو أن المرأة إذا أسلمت يجب أن تفارق زوجها في الحال، أو بعد انتهاء عدتها، لأن الإسلام فرق بينهما، ولا بقاء لمسلمة في عصمة كافر. وكما لا يجوز لها أن تتزوج غير المسلم ابتداء، فكذلك لا يجوز لها الاستمرار معه بقاء. هذا هو الرأي السائد والمشهور والمتعالم عند الناس عامة، والعلماء خاصة، وأذكر منذ نحو ربع قرن: كنا في أمريكا، وفي مؤتمر اتحاد الطلبة المسلمين هناك، وعُرضت قضية من هذا النوع، وكان الدكتور حسن الترابي حاضراً، فلم ير بأساً بأن تبقى المرأة إذا أسلمت مع زوجها الذي لم يسلم، وثارت عليه الثائرة، ورد عليه عدد من الحاضرين من علماء الشريعة، وكنت منهم، وقد اعتمد الرادون عليه: أنه خرج على الإجماع المقطوع به، المتصل بعمل الأمة” أخذ الدكتور القرضاوي بقول الإمام علي كرم الله وجهه أن زوجها الباقي على دينه أملك ببضعها، ما دامت في دار هجرتها، وفي رواية أخرى: هو أحق بها ما لم تخرج من مصرها، والقول الثاني: هو قول الزهري: إنهما على نكاحهما ما لم يفرق بينهما سلطان، أي ما لم يصدر حكم قضائي بالتفريق بينهما، ويسند هذا القول ظاهر ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه خير زوجة النصراني حين أسلمت بين فراقه وإقامتها عليه”.

وخصوم الدكتور الترابي يؤثرون هذه القضية، التي تثير في نفوس الناس عواطف حادة مختلفة، أقلاها نفور الناس من اجتهادات الدكتور الترابي، وأعلاها رميه بالكفر والزندقة والاعتزال، وحسبنا أن نعلم أن أهل الماركسية العجفاء في السودان، الذين أخذهم الفساد الخلقي من جميع نواحيه، بذلوا أقصى ما يستطيعون، لانحراف الناس عن فكر الدكتور الترابي وتوجهه، ورغم أنهم كلهم لا يرقون إلى إنشاء الدراسات التي تؤكد أن الدكتور الترابي يزدري السنة المشرفة، ويغض من مكانتها، فاكتفوا بترديد كل ما هو شائع مجهول، ودفعتهم طبيعتهم الجانحة إلى الغرور والمغامرة، للخوض فيما لا يحسنونه، فالشيوعي السوداني كما يعلم الناس في أرض النيلين، يعجز عن إمساك لسانه في فمه، ويمضه إذا ذهب يومه دون أن يهجو الدكتور الترابي ويسرف في هجائه، وهم في ذلك مثل غلاة الشيعة، الذين يتقربون إلى الله بسب معاوية بن سفيان رضي الله عنهما، هم أبصروا أن الترابي قد بهره ما رأى من حياة الغرب في بريطانيا وفرنسا، وأنفق أعواماً في هذه الحياة العقلية الخالصة، وتأثر بها في نظره وتقييمه للأشياء، وسجلت دفاترهم نزاعات حول حديث الذباب، لم يجدوا بداً من تسجيلها، وأكبر الظن أنهم لم يمنحوا عنايتهم كلها لهذه التسجيلات، وربما توجسوا أن يضيع ترصدهم لهذا الخلاف في غير نفع، وأن يذهب في غير غناء، فعكفت الشيوعية السودانية على نفسها، وهي ترقب المثل العليا، التي وطدها الاتجاه الإسلامي في نفوس الشباب، لتيقظهم من غفلتهم، وتنبئهم بخطل الماركسية وفسادها، لأجل كل هذا سعى الحزب الشيوعي لتشويه صورة الدكتور الترابي، بإذكاء هذا الصراع العنيف المتصل، ليتغلغل في كل شيء له صلة بالدكتور الترابي، فعتاة اليسار في السودان، لهم بصيرة نافذة، وقدرة على التجريد والنظر في كل شيء عدا الإسلام وأصوله العتيدة من قرآن وسنة، لهذا كان أمر اهتمامهم بأحاديث النبي المعصوم أمر لا يخلو من الطرافة.

والسنة النبوية عند الدكتور الترابي وسيلة لا غاية، وليست كل الأحاديث عنده تنمو ويتضوع نشرها، فهناك طائفة من الأحاديث نجده معرضاً عنها، زاهداً فيها، ولكنه لا يسرف في ذلك الإعراض إسرافاً شديداً، وليس صحيحاً أنه يرد بعض الأحاديث لأنها ترده عن الوجه الذي كان يقصده، أو لأنها لا تتوافق مع مقتضيات العصر، أو لأنها لا تتواءم مع ما يثور في قلبه من عاطفة، أو هوى، أو شعور، ولم تكن فلسفة الدكتور الترابي في تعاطيه مع السنة النبوية عسيرة أشد العسر، أو أن الناس لا يكادون يفهمون منها شيئاً، فالسنة عند الدكتور الترابي لا تنسخ القرآن الكريم، وأخبار الآحاد لا ترتقي لمنزلة تؤثل العقائد وتثبتها، فالعقائد لا تبنى إلا على أدلة لا يستتبعها ضعف أو فتور، ومن هنا أتى إنكار الترابي لنزول سيدنا عيسى عليه السلام، فالشيخ “يعتقد أن أحاديث الآحاد لا يثبت بها في العقائد، لأن العقائد لا تثبت لديه إلا باليقين الناتج من القرآن والأحاديث المتواترة، والسبب الإضافي لإنكاره نزول  سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام، هو الرد على الشيعة الروافض، الذين يستدلون على إمكانية بقاء إمامهم المزعوم ألف سنة في سرداب سامراء ببقاء عيسى بن مريم ألفي سنة في السماء، ويستدل الشيخ بقوله تعالى على لسان عيسى بقوله تعالى “وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم”. المائدة: 117. فمسألة نزول عيسى عند الترابي من أخبار الآحاد التي لا يثبت بها اعتقاد”.

***

د. الطيب النقر

 

في المثقف اليوم