تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

لمى ابوالنجا: هوس الجمال وإحتقار المرأة

السعي المفرط للمثالية والكمال كان معاناتي لفترة ليست بالقصيرة للحد الذي منعني من رؤية أياً من المزايا والنعم التي امتلكتها يوماً لإعتقادي دوماً أنه في مكانٍ ما.. في ظروف أخرى.. يوجد المزيد. مزيداً من النجاح، مزيداً من السعادة، مزيداً من الجمال، مزيداً من الحياة.

قضيت أجمل سنوات عمري في الجحيم، في جهنم لاتكتفي ولا تمتليء كلما غذيتها بالإنجازات صرخت بي "هل من مزيد؟". غير مدركة في ذلك العمر المبكر لحقيقة أن جميع ماكان حولي يدفعني كانثى إلى ذلك الإزدراء وأن الشعور بالأقلية والنقص أمام معايير الجمال ومعايير النجاح عبارة عن مؤامرة ممنهجه أوجدتها قوى خفية شديدة المكر والخبث لتسليع الجمال وإعطاؤه أكبر من قيمته الفعلية لضخ الأرباح لشركات التجميل وإنعاش الإقتصاد بطرق ملتوية.

إختلاف معايير الجمال لكل عصر لها بعد تاريخي غرائزي يعود لبداية الحضارة حينما أدرك الرجل أن لجسد المرأة أغراض أخرى غير الوظائف الرئيسية التي خلقت فطرياً لأجلها للتكاثر والإنجاب وبواعث أخرى للمتعة ثم بدأت تلك الحاجة تكبر بالتدريج حتى وصلت إلى مانشهده اليوم من هوس وإضطراب جماعي.

تقول الكاتبة والناشطة في حقوق المرأة فترة التسعينات "نعومي وولف" في كتاب خرافة الجمال :" كيف تستخدم معايير الجمال ضد المرأة، ومع تصاعد القوة الإقتصادية والإجتماعية للمرأة زاد الضغط عليها لتلتزم بمعايير غير واقعية للجمال البدني.

نشأة نموذج الجمال الحالي كأداة للسيطرة على المرأة

قبل الثورة الصناعية، كانت القيمة الاجتماعية للمرأة تقاس على أساس ما تؤديه من أعمال في الإطار المنزلي. وتشكلت حياة المرأة آنذاك حول عدد من السمات مثل القدرة على العمل، والقوة البدنية، ودرجة الخصوبة، وليس الجمال البدني.

لكن مع حركة التصنيع، تزايدت مستويات الحرية والحقوق التي حصلت عليها واضطر النظام الرأسمالي للبحث عن أسلوب أدق وأكثر خداعًا يُطيح بما اكتسبته المرأة من حريات ويخفّض من نطاق قوتها.

وتفتّق ذهن هذا النظام الأبوي عن نموذج للجمال غير واقعي، أسمته المؤلفة “خرافة الجمال”، والتي تحتفظ بالمرأة سجينة بين أسوارها، وفي حالة تنافسٍ مدمّر مع نفسها، ومع الأخريات من النساء. ونظرًا لأن مواصفات هذا النموذج تتغير وتتباين من فترة لأخرى، فإنّ هوية المرأة المنصاعة لهذه الخرافة تظلّ في حالة من الهشاشة والضعف، وفي حاجة دائمة لتعزيزٍ وتأييد من الخارج بدلاً من استخلاصه من رضاها عن ذاتها.

وتدعي هذه الخرافة أنّ هناك موصفات لا يمكن تحديدها بدقة تسمى “الجمال النسائي”، والتي يجب على المرأة أن تبذل قصارى جهودها للتحلي بها، ومتابعة تطوراتها وصرعاتها والحفاظ عليها. وعزز من هذه الخرافة بعض وجهات النظر التي ترى أن الجمال صفة بدونها تصبح المرأة دون قيمة. وكم رأينا من نساء يحتللن قمة تخصصاتهنّ المهنية يتعرّضنَ لضغوط شديدة لتبدين في صورة جميلة طبقًا لهذه المعايير غير الواقعية".

الكاتبة سلطت الضوء على ثورة الجمال فترة التسعينات وما قبلها فكيف بما يحدث الآن من الضغط الإعلامي والإعلاني ومنصات التواصل الإجتماعي بترسيخ مفهوم الجمال البدني كقيمة أساسية ووحيدة للمرأة التي تتحكم بمستقبلها بشكل كامل، نعم أصبح الجمال غاية وتحقيق للنجاح المالي والوظيفي لنأخذ على سبيل المثال مسابقات ملكات الجمال ما ان تحصل إحداهن على اللقب حتى تنهال عليها العروض العالمية من شركات التجميل والأزياء والإنتاج السينمائي للحصول على أدوار رئيسية في المسلسلات والأفلام حتى إن لم تملك أدنى مقومات الفن او الذكاء والإبداع يكفي فقط أن تكون جميله لتحصل على كل ماسعت إليه أي انثى أخرى وعملت جاهدة للحصول إليه، والأمر ينطبق كذلك في الوظائف وتقريبا معظم المجالات.

قبل عدة أيام وقعت عيني على مقطع فيديو على إحدى منصات التواصل الإجتماعي بإستخدام فلتر للوجه صمم بناءً على وجه فنانه مشهورة والتشوه الذي عانت منه جراء عمليات التجميل، صدمت من شراسة التنمر واللإنسانية وغياب الوازع الأخلاقي خلف الأسماء المستعارة للإستهزاء بهذه الأنثى والتحجيم الكامل لفنها وانجازاتها الجميلة حتى بالرغم من تصريحاتها بالأزمه النفسية التي مرت بها من تلك التعليقات لم تجد من يرحمها، فهناك حسابات تديرها للأسف إناث يعززن هذا الإستعراض النرجسي التافه ضد بعضهن والتنمر على كل من ظهرت لها تجعيده تحت عينها او حبه في وجهها او شعرة بيضاء واحدة في رأسها والتبجح على الآخرين بالفوقية وفرض معايير الجمال والأناقه وأسلوب الحياة الباذخ وبالمقابل التقديس المفرط لمن يملكن هذه المواصفات بدل من تعزيز ثقة المرأة بنفسها وتذكيرها بقيمتها الذاتية بعيداً عن الهوس التافهه.

أتكلم هنا بمنتهى الشفافية والصدق محاولة تذكير غيري بقيمتهن الحقيقية وإنقاذ مايمكن إنقاذه من الثقة بالنفس وراحة البال التي أخيراً شعرت بها  حينما وضعت معاييري الخاصة للجمال والنجاح والقوة بعيداً عن الخضوع تحت سيطرة التفاهه والموضة بعد جهد كبير في الوعي والقراءة والتأمل وتحليل الوعي الجمعي.

إفعلي عزيزتي ماتريدين .. فأنتِ جميلة دائماً كما أنتِ

***

لمى ابوالنجا – أديبة وكاتبة سعودية

......................

مرجع:

The Beauty Myth، Naomi Wolf "an American feminist author"

في المثقف اليوم