قضايا

قاسم حسين صالح: التسامح في العيد.. ما اجمله!

نعيش الان فرحة عيد الفطر المبارك.. ومع مباركتنا لمن صام رمضان طعاما وشرابا وقلبا ولسانا ، نشير الى ان العيد هو اجمل مناسبة للتسامح بمعناه الديني والاجتماعي.. ذلك ان المفهوم الشعبي يعتبر التسامح ضعفا او خوفا او قلة حيلة او مذلة او مهانة او تنازلا عن حقوق ، فيما الأسلام يعتبره فعلا نابعا من صفاء القلوب وما غلب عليها من الحب والعطف والرحمة والحنان، وسلوكا  صادرا عن قوة ارادة وعزيمة صادقة في الانتصار على النفس والذات بكل ايجابية بعيدا عن السلبيات وما يصاحبها من من غضب وقسوة وعدوانية، وانه خلق عظيم وافضل من الاخذ بالحق والانتصار للنفس لقوله تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله انه لا يحب الظالمين).

وسيكولوجيا، ستندهشون حين تدركون ان التسامح هو للروح كما الصابون للجسد، يغتسلها من اوساخها ، وان من لا يقدم عليه يسكنه اليأس و يتعفن من الداخل بنقيضه.. الكراهية. ولهذا فأن الأمم المتحدة اعتمدت التسامح مبدءا انسانيا وحددت يوما دوليا (16 تشرين الثاني) لتشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون فيما بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب. والمفارقة أن الدين الاسلامي قد سبقها وسبق الحضارة المعاصرة بالف وخمسمئة عاما في دعوته الى التخلي عن رغبتنا في ايذاء الاخرين لأي سبب حدث في الماضي، وان نفتح اعيننا لرؤية مزايا الناس بدلا من ان نحكم عليهم ونحاكمهم او ندين احدا منهم. وكان النبي الكريم قد ضرب اروع مثلا وانبل موقفا في التسامح يوم فتح مكة وقال للذين حاربوه.. من دخل بيته فهو آمن ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن.. مع ان ابا سفيان كان من الدّ اعدائه.

والتّسامح.. الذي دعا إليه الأنبياء والمصلحون، لا يعني فقط العفو عند المقدرة، وعدم ردّ الإساءة بالإساءة، والترفّع عن الصّغائر، بل انه يعمل على السُّموّ بالنّفس البشريّة إلى مرتبة أخلاقيّة عالية، وله أهميّة كبرى في تحقيق وحدة وتضامن وتماسك المجتمعات، واحترام معتقدات وقيم الآخرين، والقضاء على الخلافات والصّراعات بين الأفراد والجماعات.. ولهذا فانه يعدّ ركيزة أساسيّة لحقوق الإنسان، والديمقراطية والعدل، والحريات الإنسانيّة العامّة.

والتسامح يقوم على مسلمات فلسفية بخصوص الطبيعة البشرية، اولها: لا يوجد انسان معدوم الخير، وثانيها: لا يوجد انسان لا يخطأ، وثالثها: ان الانسان مجبول على الحب.. ما يعني ان من يسيء لغيره قد يعيش ظروفاّ صعبةّ أدّت به الى أن يسيء لمن حوله، لكنّه لايجد من يعذره ويتسامح عن زلّته.

وما لا يدركه كثيرون ان التسامح لا يعني فقط ان نسامح آخرين على اخطاء ارتكبوها بحقنا، بل يعني ايضا ان نسامح انفسنا على اخطاء ارتكبناها بحقها وان نخلّصها من اللوم والاحساس بالخزي والشعور بالذنب الذي يصل احيانا الى تحقير الذات.

وسيكولوجيا.. يعني التسامح ايقاظ مشاعر الرّحمة، والتّعاطف، والحنان، الموجودة اصلا في قلبك، وازاحة مشاعر الغضب والكراهية والانتقام نحو من اساء اليك. ويعني فسلجيا.. ان الجهاز العصبي للانسان يكون في حالة التسامح.. مرتاحا، لأن الدماغ يكون مرتاحا جدا في حالات الحب فيما يكون مشوشا متوترا (مخبوصا) في حالات الكراهية.

اعرف ان بينكم من يقول: كيف يمكن أن اسامح من أخطأ بحقي او تجاوز عليّ؟. واعرف ان بين العراقيين من هو (أنفه) ولسان حاله يقول (والله لو يموت ما اسامحه) و(هو شنو حتى اسامحه). لكنك لو فكرت كيف ستكون مرتاحا نفسيا ان بادرت انت وكيف سيكون ممتنا لك من اساء اليك.. لشكرتنا وفعلت!

***

د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في المثقف اليوم