قراءة في كتاب

محاولة لإقتراب صحراوي من كتاب جون واتر بوري

almustafa abduldaem"أمير المؤمنين .. الملكية والنخبة السياسية المغربية"

لماذا ألاقتراب الآن من مؤلف الكاتب الأمريكي جون واتر بوري "امير المؤمنين ..الملكية والنخبة السياسية المغربية"؟ سؤال لماذا مرتبط بالظرفية التاريخية التي تجتازها القضية الصحراوية من جهة، ومن جهة أخرى مرتبط أيضا بالظروف العامة والخاصة المحيطة بانعقاد المؤتمر الرابع عشر لجبهة البوليساريو؟، ولأني شخصيا حسمت موقفي من هذا المؤتمر إنطلاقا من مقولة (مابني على باطل فهو باطل)، وهذا المؤتمر الرابع عشر (خرج من الخيمه مايل). لذلك فما يعنيني في الاقتراب من كتاب واتربوري الآن والآن بالذات هو سؤال نخبنا الصحراوية من جهة، وإلى أي حد يمكن إنطباق بعض او كل خلاصات واتربوري على مجتمعنا الصحراوي، وعلى الحكم الصحراوي والنخبة السياسية الصحراوية؟ أنا أتساءل فقط، رغم علمي أن الاقتراب من هذا المؤلف لعقد هكذا مقارنات يضعني في ورطة الاسقاطات . لكن دعونا نقترب من هذا المؤلف مع منح أنفسنا فرصة استحضار هذا التشابه الكبير بين المجتمعات العربية، مع الحرص على أن الكتاب "أمير المؤمنين .. الملكية والنخبة السياسية المغربية" كما يعلم الجميع صار مرجعيا اساسيا لفهم تاريخ الحياة السياسية بالمغرب، على الرغم من كونه في الأصل أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية للطالب الأمريكي جون واتر بوري والذي أنجز في المغرب من سنة 1965 وانتهى منه سنة 1967 .

وبالتوقف عند تاريخ إنجاز هذا المؤلف / الأطروحة لنيل الدكتوراه، نكتشف عدة علامات بارزة نحن مجبرون على الاستعانة بها في تأطير هذا المؤلف، ومن هذه العلامات أن الطالب الأمريكي حل بالمغرب في الفترة التي عرفت في تاريخ المغرب " بحالة الاستثناء أو حالة الطوارئ "، وهي الجالة السياسية التي دخلها المغرب بعد فشل التجربة الدستورية لسنة 1962، والتي أعقبها أحداث الأطلس سنة1963، كما أنه يستحيل عدم التوقف عند العلامة الأبرز والمرتبطة بسنة انتهاء الطالب الأمريكي جون واتر بوري من مؤلفه/أطروحته، والمقصود هنا سنة 1967، وهي السنة التي شكلت سنة النكسة في التاريخ العربي .. لماذا كل هذا الربط بين الأحداث ؟ السبب في نظرنا (أنه في التاريخ الأحداث لا تقرأ معزولة عن بعضها البعض ..فلسنة 1967 ما سبقها وما سيليها طبعا ...) .

لابد قد التورط أكثر في الإقتراب من هذا المؤلف / الأطروحة، أن نشير أن الكتاب أثناء صدور نسخته الفرنسية (عرف بعض التعديلات والتنقيح وخضع للحذف والزيادة خصوصا باستحضار المعطيات المتعلقة بالمحاولتين الانقلابيتين بالمغرب لسنة 1971و1972 ..تلك المعطيات التي يمكن قراءتها كنتائج لا تتفق تماما ومقدمات جون واتر بوري) .

وإذا كان هذا الكتاب قد صدر في نسخته الانجليزية سنة1968، فإنه لم يصدر مترجما للعربية إلا في سنة 1982 في طبعته الأولى عن دار الوجدة ببيروت . ورغم ذلك فقد ظل الكتاب ممنوعا من التداول في المغرب، ولم يسمح بتداوله في المغرب إلا في نسخته الصادرة سنة 2004 عن مؤسسة الغني للنشر بالرباط .

نسخة 2004 التي ترجمها عن الفرنسية عبد الغني أبو العزم وعبدالأحد السبتي وعبداللطيف الفلق، هي ما سنحاول الإقتراب منها متجاوزين رغم الأهمية القصوى المقدمات الواردة في هذه النسخة، وأعني بذلك ديباجة شارل أندري جوليان وتوطئة المؤلف، ثم مقدمة للمترجدم عبدالغني أبو العزم، وهي كلها توطئات مؤطرة للكتاب وتروم تقريب مضامينه للقارئ .

وبتركيز شديد فكتاب جون واتر بوري " أمير المؤمنين ..الملكية والنخبة السياسية المغربية "، اهتم بالبنيات التقليدية للمجتمع المغربي في فترة زمنية محددة هي فترة الستينيات (من 1965 وإلى 1967)، وحاول رصد (تأثيرها في السلوك السياسي للنخبة، واستمرار سيادة عقلية القبيلة)، متوقفا عند مرحلة الحماية (من 1912 وإلى 1955)، وما استرعى انتباه المؤلف جون واتر بوري أن المغرب رغم التغييرات التي أحدثها ما أسماه (الإرث الفرنسي) لم يتغير فعليا وظلت حالته جامدة، خلافا لما عرفته أقطار شمال إفريقيا في عهد الإدارة العثمانية والتغلغل الإقتصادي الأوروبي فيها . ورغم إقرار المؤلف بالتغيير الذي أحدثه الإقتحام الفرنسي للنظام المغربي المغلق ولأساليبه التقليدية، ونجاح الإقتحام الفرنسي في فرض نظام إداري مركزي وتطويره لقطاعات إناجية مفيدة كالفلاحة والصناعة والتجارة والمعادن ...، وهو ما أسهم في تقليص النظام التقليدي السائد (القبائل والمخزن والزوايا والطرق)، فلم يفت المؤلف أن يتوقف عند مفارقة الحركة الوطنية التي انخرطت في النضال السياسي ضد الاستعمار الفرنسي منذ 1945، التي إعترف أنها حركة وطنية ولكن بقيادة برجوازية ومثقفة ومتنورة، تعتمد - هنا تكمن المفارقة أيضا - أرضية سلفية ودينية، وإنطلاقا من هذه المفارقة يستنتج جون واتر بوري أن هذه الحركة الوطنية (ورغم أن الاستعمار الفرنسي لم يستطع إحتواءها)، فإن هذه الحركة الوطنية فشلت من ذاتها بفعل الأسباب السالفة الذكر في تكوين نخبة سياسية متماسكطة وقادرة على ممارسة السلطة والمساهمة فيما بعد الإستقلال .

وعليه يؤكد جون واتر بوري أن المغرب وجد نفسه بين إرثين (إرث العادات والتقاليد في علاقتهما بالسلطة وطرق تدبيرها) وبين (إرث الإستعمار الفرنسي في شكل بنيات تحتية وآليات معقدة غير ملائمة في الغالب لواقع البلاد وحاجياته) .. وهذا التنوزع بين غرثين متناقضين هو ما رهن الحياة السياسية المغربية ب(عقدة المزج بين الإلتزام بالعصرنة والسوق الحرة وآليات التنظيم الجديدة كالأحزاب والنقابات والجمعيات وغيرها، في نفس الوقت الذي يتمسك فيه بما أسماه واتر بوري (خصوصيات الشخصية المغربية) .. هذه الخصوصية " التي تسمح مثلا أن ترتدي لاعبة التنس المغربية الميني جيب وتيشورت بدون صدرية، مع الحرص على وضع الحجاب " .

بعد هذين الفصلين ينتقل واتر بوري في الفصل الثالث من تحليله إلى تحديد أن التوتر الدائم في مستويات مختلفة، يعد من خصائص المجتمع المغربي منذ قرون، بحيث يبدو وكأنه موشك على الإنفجار، لكن الإنفجار لا يحدث لأن طبيعة المجتمع المغربي هي الجمود، ويعزو واتر بوري هذا الجمود إلى (كون قيم وأنماط السلوك السياسي المغربي ذات طابع قبلي) . وقد قام المؤلف في تحليله لسلوك النخبة السياسية المغربية، مستخلصا أن المجتمع المغربي مشكل من قبائل وزوايا وأسر وتنتظم كلها في مشاعر (الإنتماء للدين ولذواتها، وتنقسم تبعا (لأهاف مادية، كما تنقسم تبعا للبنيات التنظيمية الحديثة كالأحزاب والنقابات والجماعات الإقتصادية) . وقد أطلق واتر بوري عليها إسم (الفصائل الإنقسامية) وهي التي تحدد طبيعة الصراعات داخل المجتمع المغربي، وهذه الصراعات هي ما يمكن تتبعه في باقي فصول الكتاب والتي ركز فيها المؤلف على (جدلية التوتر والجمود) باعتبارهما كما يقول واتر بوري (طرفي نقيض تعايشا في فترة ما بين 1956 وإلى 1965) أي إلى الفترة التي اشتغل عليها المؤلف، وفي نظره فقد تجلى التوتر في الدعوات المتتالية للإصلاح في مواجهة الجمود السياسي، ولكن هذا التوتر يوضح واتر بوري (لا ينتج تحولات سياسية) .

وإذا كان تعريف واتر بوري للنخبة السياسية المغربية، هي الفئة المؤثرة في القرار من أحزاب وجمعيات ونقابات وقبائل وعلماء وأثرياء وشرفاء .. فلم يفته وبكثير من الذكاء إبراز هياكل كبرى أخرى للنخبة السياسية المغربية ممثلة (في البرجوازية الحضرية، واستراتيجية المصاهرات السياسية، هذا بالاضافة إلى التأثير الثقافي الفرنسي على المجال العسكري والإداري مما جعل السلطة الإدارية والسلطة العسكرية تشكل النخبة السياسية المغربية ..). وأبرز أن العوامل الإجتماعية والإقليمية أثرت بشكل في نشوء النخبة السياسية المغربية،ذلك أن السياسة التعليمية الإستعمارية النخبوية مكنت أقلية من المغاربة من بلوغ مستوى تعليمي جد مرتفع في وسط أغلبيته أمية وقدم واتر بوري كبرهان على هذه السياسة الإستعمارية النخبوية رقما صادما متعلقا بعدد الذين اجتازوا امتحانات الباكالوريا ما بين سنة1912 وإلى غايةسنة1954، أي منذ إعلان الحماية وإلى سنتين قبل الاستقلال فإن عدد المغاربة الذين اجتازوا الباكالوريا هو 530 تلميذا فقط .. معناه أنه في 44 سنة عدد التلاميذ المغربة الذين اجتازوا الباكالوريا هو 530 تلميذ فقط ..بمعدل تقريبا أكثر من 12 تلميذ في السنة .

ويسترسل واتربوري في رصد الرهانات المزدوجة المتمثلة في هيمنة الحكم واحتوائه للنخبة السياسية، كما تطرق للسياقات السياسية للحياة الحزبية المغربية في بداية الإستقلال في إطار ما أسماه (دينامية السيرورة الانقسامية للنخبة)، من خلال تفسير الإنشقاقات الحزبية (التي شهدتها الفترة التي شملها الكتاب انطلاقا من انشقاق حزب الاستقلال والحركة الشعبية وميلاد اليسار وجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية .

وقد خصص المؤلف الفصول الأربعة الأخيرة في تفصيل أدوات إحتواء الملكية للنخبة السياسية والتأثير عليها في أفق خدمة إستراتيجيتها، وهذه الأدوات هي :

-        البيروقراطية وهي أداة تمكن الملك من إمتلاك صلاحية توزيع المنافع السياسية والمادية للسلطة ومراقبة الإدارة والتحكم في دوران التعيينات والتغييرات في المناصب واستقطاب واستهلاك الطاقات والكفاءات .

-        وزارة الداخلية من خلال تحكمها في الإدارة الترابية ..عمال وولاة ووقواد ورجال أمن ودرك ووقوات مساعدة .ومن خلال كل هذا مراقبة أنشطة الحكومة .

-        الدعاية من خلال الرقابة الكاملة للدولة على الصحافة والاعلام والاتصال المباشر بالرأي العام من خلال الاذاعة والتلفزيون والتحكم فيهما فضلا عن المؤسسات الصحفية التابعة .

يقر واتر بوري أن بقاء نظام ما عموما (رهين بقدرته النخبة السياسية على بلورة ثقافة سياسية وطنية تستوعب القيم الأساسية وتحقق في نفس الوقت التنمية الاقتصادية) وبناء على هذا تصبح صيرورة الاستعاب والتنمية الاقتصادية بالنسبة للنظام مرتبطة (بمدى قدرته على إحتواء الأطر الوطنية وإرضاء حاجياتها المادية وتعطشها للنفوذ) . لكن واتر بوري يؤكد الاستثناء المغربي في علاقة النظام الملكي بالنتخبة السياسية المغربية، موضحا في هذا الصدد (أن الركود الإقتصادي لا يهدد إستقرار الملكية) ولا يكتسي الركود الإقتصادي أي خطورة على النظام الملكي بالمغرب إلا إذا (كانت هناك مجموعة من الطامحين وغير الراضين الذين يستعملون الوضعية الإقتصادية سلاحا سياسيا للإلتحاق بالطبقة الحاكمة وطرد النخب الحالية)، ويضيف واتر بوري أن هذه المجموعة لا يعني أنها تمتلك حلولا لتجاوز الركود الاقتصادي بل قد تسهم في استمراره، وهذا الأمر جعل إستعاب النخبة الجديدة لا يشكل مشكلا، وأراح النخبة الحاكمة من منافسة حقيقية .

لابد قبل التخلص من ورطة الاقتراب من هذا المؤلف، تأكيد ان نظرية واتر بوري مستلهمة من البراكديم الانقسامي، وهكذا فغن المجتمع المغربي يتشكل حسبه من ثلاث فصائل انقسامية أساسية، وذلك طبقا لإنتمائها للقبيلة أو الدين أو المجال الجغرافي .. المدينة او القرية او الحي . وتجدر الاشارة ان واتر بوري يتجاوز مقولة المخزن والسيبا وذلك في نطره لوجود حماة للقبائل داخل القصر يدمجونها في اللعبة السياسية وصراع المصالح حسب الظروف والمعطيات، في نفس الوقت الذي يستخدم فيه الدين لشرعنة السياسيات وتبريرها .

إن الملك حسب واتر بوري بوصفه أميرا للمؤمنين يعمق سياسة (تتفرق لكي لا تحكم)، إنه بذلك يستغل سلطته وصلاحياته ليحول التوتر الملازم للنسق السياسي المغربي آلية (للتحكيم) يجسد فيها دور حكم مباراة كرة القدم، مستغلا أي الملك حسب واتر بوري دائما (أن التصرفات السياسية للنخبة السياسية المغربية تتشابه كليا مع سلوكات القبائل) .

والخلاصة في نطر واتر بوري أن الجمود الملازم للنق السياسي المغربي يتضمن في ذاته التوتر والصراع (على الموارد وعلى السلطة والنفوذ، ويستدمجه في إطار سيرورة إعادة إنتاج متعالية على التاريخ، وهي الخاصية التي تتصف بها القبيلة كتنظيم إجتماعي وكثقافة) .

 

عبد الدائم مصطفى

في المثقف اليوم