قراءة في كتاب

نماذج من تيسير صاحب كتاب الأحرفية للنحو العربي

nooradin samoodتناولنا في حديث سابق فكرة بعض القائلين بصعوبة تعلم العربية التي استدلوا على صحتها بأن الدكتور مؤنس ابن طه حسين عميد الأدب العرب المختص في تدريس اللغة الفرنسية بجامعة القاهرة قد تزوج حفيدة أحمد شوقي وهما معا لا يعرف لغة عميد الأدب العرب طه حسين ولا لغة أمير الشعراء أحمد شوقي.

وهذا ما دعا يوسف السودا للسعي جاهدا إلى تأليف كتاب سماه الأحرفية، وقد وعدت في مقالي السابق عن هذا الكتاب بأن أعود إلى هذا الكتاب لأقدم بعض ما اقترحه في سبيل تسهيل قواعد اللغة العربية، وسأذكر بإيجاز بعض ما جاء في مشروعه الذي سعى به إلى تسهيل قواعد العربية في هذا الكتاب.

أولا: يقترح صاحب كتاب الأحرفية حذف كثير من الأبواب النحوية إما لأنه يراها غير ضرورية، وإما لأنه يرى إمكانية إدماج كثير من الأبواب في بعضها  لأنها تستهلك من الدارسين وقتا طويلا، وحذفها لا يجعلنا نخطئ في قراءة النص العربي قراءة صحيحة، مثل (باب المبتدإ والخبر) الذي يبذل المتعلمون في فهمه جهدا ويضيعون في دراسته وقتا يمضي سبهللا في البحث عن عامل وهمي في الاسم الذي يكون في أول الكلام، فيقولون مثلا، في إعراب جملة: "الطقسُ جميلٌ"، الطقس: مبتدأ مرفوع بالابتداء، وجميلٌ: خبر مرفوع بالمبتدإ. وقد نظم ابن مالك في ألفيته هذه القاعدة فقال:

        ورفعوا مبتدأ ًبالابتدا***كذاك رفـْعُ خبرٍ بالابتدا(9)         

فيقترح صاحب كتاب الأحرفية الاستغناء عن هذا الباب، وتعويضه بوضع هذه القاعدة العامة: (الأصل في حركة الاسم الأخيرة الرفع) وهو مساو لقولهم: "المبتدأ مرفوع بالابتداء" فنحن نقول: الطقسُ جميلٌ، بالرفع، دون بحث عن الرافع لأن (الأصل في حركة الاسم الأخيرة الرفع) وكفى، وبذلك نعفي أنفسنا من دراسة باب طويل اسمه المبتدأ والخبر.

وقد قاس صاحب كتاب "الأحرفية" هذه القاعدة على رفع الفعل المضارع إذ يقول النحويون: "الفعل المضارع إذا لم يسبقه ناصبٌ ولا جازمٌ رفعناه"  وقالوا في سبب رفع فعل "يكتبُ" "لتجرده من الناصب والجازم" وإذا سبقه ناصب نصبوه مثل: لن يكتبَ (بالنصب)، وإذا سبقه جازم جزموه مثل: لم يكتبْ (بالجزم.)

ونعود إلى القاعدة التي أراحتنا من دراسة باب المبتدأ والخبر وهي: (الأصل في حركة الاسم الأخيرة الرفع) فنقول: هذه الأسماء المرفوعة مثل: الطقس جميل، إذا دخلت عليها (كان أو إحدى أخواتها) رفعت الاسم الأول ونصبت الاسم الثاني فنقول: كان الطقسُ جميلاً إلخ...وإذا دخلت عليها (إنَّ أو إحدى أخواتها) نصبت الأول ورفعت الثاني فنقول: إن الطقسَ جميلٌ إلخ... وبهذا التيسير نربح وقتا طويلا كنا نضيعه في دراسة باب المبتدأ والخبر وباب كان وأخواتها وباب إن وأخواتها.

وهكذا يضع يوسف السودا هذه القاعدة: (الأصل في حركة الاسم الأخيرة الرفعُ، فإنَّ ما كان منها مرفوعا لا يُسأل عن علة رفعه، وما كان منها منصوبا يُسأل عن علة نصبه، وما كان منصوبا يُسأل عن علة نصبه، وما جاء منها مجرورا يُسأل عن علة جره.)

ثانيا: اقترح يوسف السودا حذف باب: اسم الفعل مثل: أفٍّ! بمعنى أتضجّرُ، وباب التحذير مثل: الأسدَ الأسدَ! بمعنى احذر الأسدَ! وباب الإغراء مثل: الخيرََ الخيرَ! بمعنى: افعل الخير! وباب النـُّدْبة مثل: وا مصيبتاه !وباب الترخيم وهو حذف آخر المنادى مثل: يا فاطمَ! [في مذهب مَن ينتظر، ويا فاطمُ في مذهب مَن لا ينتظرُ] وكذلك باب الاستغاثة مثل: يا للأغنياء للفقير! فكل هذه الأبواب أو الكلمات لا فائدة من البحث عن العامل فيها، وقد اكتفى المؤلف بجعلها تحت عنوان واحد سماه (يعربيات) فهي كلمات عربية صميمة هكذا وردت على لسان العرب، وهكذا تستعمل، ولا فائدة في البحث لها عن عامل مقدّر.

ثالثا: يقترح صاحب كتاب (الأحرفية) أيضا اختصار أبواب المنصوبات، فالمفعول به منصوب، وتـُدمج معه جميع المنصوبات، فيجعلها شيئا واحدا دون حاجة إلى التفصيل الذي له صلة بالمعنى لا بالإعراب، لأننا ندرس النحو لنقرأ بحركات صحيحة، أما تدقيق فهْم معنى الكلمة فإن ذلك يدخل في الأسلوب والتعبير لا في إعراب الكلمة: رفعا أو نصبا أو جرا – في الأسماء - أو جزما – في الأفعال - وهكذا فإن المفعولَ به مثل: رأيتُ زيدًا، والمفعولَ فيه مثل: صمتُ يومًا، والمفعولَ المطلق مثل: ضربته ضربًا، والمفعولَ لأجله مثل: قمت إجلالاً، والمفعولَ معه مثل: سرت والجبلَ، والحالَ مثل: رجعت راكضًا، كل هذه المفعولات منصوبة تحت اسم واحد هو(تميم)، فكلها تتمم الكلام، وهي منصوبة دون تفصيل، وقد اقتدى يوسف السودا في ذلك بما في اللاتينية وبعض ما تفرع عنها مثل الفرنسية التي يقول أهلها في مثل هذا: (complément) وبهذه الكلمة نستغني عن الكلمات الست السابقة.

بيْد أني أذكر أن أنيس فريحة اعترض على هذه التسمية لأنها تشتبه باسم (بني تميم) إحدى قبائل العرب القدماء، والأصوب أن نقول: (متمم) لا (تميم).

هذه نماذج مما اقترحه يوسف السودا في سبيل تسهيل قواعد اللغة العربية، والكتاب كله في حاجة إلى الدرس الجاد من ذوي الاختصاص المهتمين بهذا الموضوع الذي نتفق أولا على أنه لا يمكن أن تؤخذ جميع مقترحات مؤلفه جملة وتفصيلا لأن الكثير منها في حاجة إلى التعديل والتبسيط والاختصار والتوضيح، وقد رأى السودا نفسه (أن خير وسيلة لخدمة اللغة العربية اتفاق الدول العربية على عقد مؤتمر لغوي ترسِل إليه كلٌّ منها وفدا متفتحا على التطور، مشبَعا بالثقافة العليا، ويُعطـَى المؤتمر مهلة سنة، فلا يخرج المؤتمِرون إلا وقد سَنـُّوا القواعد المطلوبة، وعندي أنه بالإمكان وضع قواعد بسيطة تبلغ سهولتها حدا يجعل اللغة العربية أقرب لغات العالم متناوَلا...)(10)

وقد دل مؤلف "الأحرفية"، باقتراحه هذا، على أنه لا يريد أن يفرض كتابه  وإنما يمكن اعتباره "ورقة عمل" في سبيل تسهيل قواعد النحو العربي، ويجب إصلاح ما فيه من أخطاء بداية من عنوانه لأنه مبني على وهم أو خطإ كما ذكرنا سابقا.

تعريف موجز بمؤلف كتاب الأحرفية

وفي ختام هذا البحث أرى من الواجب أن أقدم هذا التعريف الموجز بيوسف السودا صاحب كتاب "الأحرفية"، فقد بحثت، في معجم الأعلام للزركلي، عن ترجمة له فلم أجد غير هذه الأسطر القليلة: "يوسف بن حنا السودا:(ولد سنة 1308هـ 1891م وتوفي سنة 1265هـ 1969م) محام لبناني من الوزراء، من أهل بكفيّا، تعلم بها وببيروت وتخرج بالحقوق في مصر وعمل في المحاماة. وعاد إلى لبنان (1921) فكان من أعضاء مجلس النواب، وأصدر جريدة "الراية" وأُرسِلَ سفيرا إلى البرازيل (52/ 1956) وإلى الفاتيكان (53/1955) ودخل الوزارة اللبنانية بعد حوادث عام (1958) ونشر من تأليفه كتبا منها "في سبيل لبنان" و"المسألة اللبنانية" و"مرافعات" و"مذكرات".(11)

هذا ما جاء عنه في الأعلام للزركلي، ولعل عدم الإشارة إلى كتابه "الأحرفية" في الأعلام، رغم شهرته بما دار حوله من حوار صاخب على صفحات الجرائد اللبنانية قبل وبعد نشره خلال سنة 1959 يعود إلى كتابة ترجمته في الأعلام قبل صدور الأحرفية، وكذلك لم تتحدث عن السودا بقية كتب التراجم، هذا ولدي نسخة من كتاب الأحرفية اقتنيتها فور صدوره في الزمكان [بيروت 15/7/1959]، كما هو مكتوب في صفحته الأخيرة 174، فكانت منطلقا لهذا البحث في السعي إلى تسهيل تدريس اللغة العربية.

 

أ‌. د: نورالدين صمود - تونس

 .

 

في المثقف اليوم